لماذا عاود تنظيم داعش الظهور في الشمال السوري؟

ما أسباب عودة تنظيم داعش والجهاديين من جديد إلى سوريا؟

لماذا عاود تنظيم داعش الظهور في الشمال السوري؟


21/08/2023

في 11 آب (أغسطس) الجاري قُتل (23) جندياً، على الأقل، في هجوم شنه تنظيم داعش على حافلة عسكرية في شرق سوريا، في هجوم اعتبر الأخطر منذ بداية 2023، سبقه عدة هجمات استهدفت أرتال إمداد الوقود على طريقة الكمائن في بادية دير الزور، في حين تلقت القاعدة الأمريكية في حقل (كونيكو) للغاز في الشمال الشرقي لريف دير الزور هجمات صاروخية دون معرفة حجم الخسائر ظهر يوم السبت 12 آب (أغسطس). 

الهجمات أثارت مخاوف أممية ودولية من عودة التنظيم الإرهابي، خاصة في ضوء تقرير أصدرته الأمم المتحدة، الإثنين 14 أب (أغسطس)، قدّر عناصر التنظيم في سوريا والعراق بنحو  (5) و (7) آلاف عنصر. 

ترى النجار أنّ الهدف من تكثيف العمليات مؤخراً يرتبط بمحاولة "داعش" تحقيق هدفين رئيسيين؛ يتعلق أوّلهما بتعزيز شرعية زعيمه الجديد، وينصرف ثانيهما إلى الثأر لمقتل قياداته في سوريا

وقال الخبراء الأمميون الذين يراقبون العقوبات المفروضة على التنظيم المتطرف: إنّه خلال النصف الأول من عام 2023 ظل التهديد الذي يشكله تنظيم داعش مرتفعاً في الأغلب في مناطق الصراع، وقالت اللجنة في تقريرها لمجلس الأمن: إنّ "الوضع العام ما يزال نشطاً"، ورغم الخسائر الفادحة التي منيت بها الجماعة وتراجع نشاطها في سوريا والعراق، ما يزال خطر عودتها للظهور قائماً.

سياقات العودة

في دراستها المنشورة حديثاً عبر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تقول الباحثة تقى النجار: إنّ التنظيم يعمل في سوريا على مسارين متوازيين؛ المسار الأول يتمثل في إعادة البناء والتجنيد من المخيمات الواقعة في شمال شرق سوريا. والمسار الثاني يتجلى في اتباع استراتيجية "الانتقاء المؤثر"، التي تشير إلى تنفيذ هجمات تحقق له أكبر قدر من التأثير، وفي الوقت ذاته تكبده قدراً محدوداً من الخسائر.

ما أهمية الأراضي السورية للتنظيم؟

بحسب النجار، تنصرف الأهمية الاستراتيجية لسوريا، بالنسبة إلى تنظيم داعش، في إطار جملة من العوامل؛ يتعلق أوّلها برمزيتها على خلفية كونها، في مرحلة ما قبل الهزيمة الجغرافية له، مقر الخلافة السابق، وبالتالي فقدرته على تنفيذ عمليات إرهابية موسعة داخلها يوحي باستمرار امتلاكه القدرة والسيطرة. 

وينصرف ثانيها إلى الموقع الجغرافي لسوريا واتصالها الحدودي بالعراق، حيث الدعم اللوجيستي والتمويل. 

هجوم في سوريا على مرقد السيدة زينب

ويتصل ثالثها باعتبارها ساحة حالية ومستقبلية للتجنيد، وذلك على خلفية عناصر التنظيم القابعين في السجون السورية، الذين تتجاوز أعدادهم الآلاف، ويمتلك هؤلاء خبرات ميدانية وقتالية، فضلاً عن أبناء عناصر التنظيم المتواجدين في المعسكرات السورية، وعلى رأسها مخيم (الهول).

وفي هذا السياق، تشير النجار إلى تحذير (مايكل كوريلا)، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في كانون الأول (ديسمبر) 2022، ممّن سمّاهم "الجيل القادم من داعش"، في إشارة إلى حوالي (25) ألف طفل من أبناء الدواعش القاطنين في مخيم (الهول)، وهؤلاء معرضون لخطر التطرف الإيديولوجي.

التنظيم باقٍ ويتمدد

تقول النجار: إنّ استمرار نشاط تنظيم (داعش) في سوريا وغيرها من الساحات المختلفة، على الرغم من الضربات الأمنية المتلاحقة التي تعرض لها، يشير إلى أنّ الأخير هزم كدولة خلافة مزعومة، ولكنّه يبقى تنظيماً إرهابياً قادراً على تهديد السلم والأمن الدولي والإقليمي، الأمر الذي يستدعي من المجتمع الدولي إعادة النظر في ترتيب أولوياته الأمنية مرة أخرى، لأنّ هناك خطراً حقيقياً مرتبطاً بإعادة اكتسابه نفوذه في حال تخفيف الضغط الممارس عليه في إطار مكافحة الإرهاب، ولا سيّما مع استمرار عدد كبير من المحفزات المرتبطة بصعوده.

الهجمات أثارت مخاوف أممية ودولية من عودة التنظيم الإرهابي، خاصة في ضوء تقرير أصدرته الأمم المتحدة، الإثنين 14 آب قدّر عناصر التنظيم في سوريا والعراق بنحو  (5) و (7) آلاف عنصر

وترى النجار أنّ الهدف من تكثيف العمليات مؤخراً يرتبط بمحاولة (داعش) تحقيق هدفين رئيسيين؛ يتعلق أوّلهما بتعزيز شرعية زعيمه الجديد، وكنيته (أبو حفص الهاشمي القرشي)، فقد أكد التنظيم مقتل زعيمه السابق (أبي الحسين الهاشمي القرشي) في كلمة مسجلة بثها في 3 آب (أغسطس) الجاري بعنوان "فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به"، وتعيين الأوّل زعيماً جديداً له، ومن ثم تأتي هذه العملية في إطار إكساب الزخم للقيادة الجديدة، والتأكيد على قدرتها في إعادة تموضع التنظيم وتصعيد نشاطه.

وينصرف ثانيهما إلى الثأر لمقتل قياداته في سوريا، فبين عامي 2022 و2023 قتل (3) من زعماء التنظيم في سوريا، وهم: أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وأبو الحسن القرشي، وأبو الحسين القرشي، ناهيك عن مقتل العديد من قيادات التنظيم البارزة في سوريا أيضاً، منهم على سبيل الإشارة وليس الحصر؛ ماهر العقال، وحمزة الحمصي، وجاسم سلمان الجبوري، وخالد الجبوري، وأسامة المهاجر.

أسباب العودة

من جانبه، يرى الخبير الأمني، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد، أنّ هناك (8) أسباب دفعت إلى عودة التنظيم مؤخراً، وفق شبكة (سكاي نيوز)، كما يلي: 

أوّلاً: الوضع الاقتصادي المتأزم في سوريا، الذي سمح لتنظيم داعش بتجنيد السكان المحليين للحصول على المعلومات الأمنية والإحداثيات حول المواقع العسكرية الحكومية وربما تحرّكات قطعاتها.

ثانياً: ضعف البنى التحتية التي أسهمت بشكل كبير في إنشاء حالة من الغضب الشعبي وصعوبة وصول المياه والكهرباء للمواطنين، ممّا أسهم بشكل كبير في توفير مساحات لعودة التنظيم.

ثالثاً: ضعف المساعدات الإنسانية الخارجية، مع تعذر وصول المنظمات الإغاثية والأممية لعدد من المناطق في الشمال السوري.

اتساع رقعة التحالف ومواصلة الالتزام بتقليص قدرات (داعش)

رابعاً: الوضع السياسي المضطرب، فما تزال سوريا تشهد وضعاً سياسياً معقداً جداً منذ عام 2011، رغم الجهود التي بذلتها الجامعة العربية وبعض الدول العربية لعودة سوريا إلى علاقاتها السياسية الطبيعية مع الدول العربية والعالم.

خامساً: تراجعت جهود التحالف الدولي وجهود مكافحة الإرهاب في سوريا، ولم تعد فاعلة، وما يقوم به من عمليات في الغالب ردود فعل ضد عمليات ينفذها تنظيم (داعش).

سادساً: استمرار أزمات مخيم (الهول) الذي يُعدّ نسخة جديدة لتنظيم (داعش)، وكثيراً ما يمكن وصفه بأنّه "خزان بشري" احتياطي لمقاتلي (داعش).

سابعاً: عدم استعادة الدول رعاياها من مخيمات سوريا، فمنذ عام 2017 حتى اليوم لم تتخذ الدول خطوات واضحة لاستعادة رعاياها الذين كانوا تحت سيطرة تنظيم (داعش) أو من الذين قاتلوا مع التنظيم.  

ثامناً: صراع (داعش) مع بقية التنظيمات، فهو يحاول فرض سيطرته ويوسع نفوذه في سوريا من أجل السيطرة على الثروات والسلطة، ما دامت هناك فصائل وتنظيمات في شمال سوريا لم تتم معالجتها أمنياً لحدّ الآن.

ويتوقع محمد أن يشهد تنظيم (داعش) توسعاً في النفوذ وتغييراً في نوعية الأهداف في سوريا، أمام تراجع سياسات مكافحة الإرهاب وعدم فاعلية التحالف الدولي.

مواضيع ذات صلة:

تحركات تنظيم (داعش) المريبة في سوريا... ورقة تركيا البراغماتية

بعد تسليمهم الشمال لتركيا: إخوان سوريا يدعون لتحرير الجولان

كيف سيطر الإخوان في سوريا على هيئات المعارضة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية