لماذا تتوسع إسرائيل بالاعتراف بأعداد قتلاها من الجنود والضباط في حرب غزة؟

لماذا تتوسع إسرائيل بالاعتراف بأعداد قتلاها من الجنود والضباط في حرب غزة؟

لماذا تتوسع إسرائيل بالاعتراف بأعداد قتلاها من الجنود والضباط في حرب غزة؟


02/01/2024

خلافاً للحروب الإسرائيلية السابقة مع الجيوش العربية والمقاومة الفلسطينية، أظهرت حرب "طوفان الأقصى" المستمرة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) العديد من الظواهر الجديدة التي تشكل بمجموعها ترجمة لحجم التغييرات العميقة التي تشهدها الدول والمجتمعات، بما فيها من مفاهيم عسكرية حول القوة ودور التقنيات العسكرية في تحقيق الانتصارات، واستخدام أسلحة محرمة دولياً، بالتزامن مع تغييرات أخرى تسائل أخلاقيات الحرب والعدالة الإنسانية وتجنيب المدنيين ويلات الحرب، بما فيها التهجير الطوعي والقسري، وشرعية الحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية والإغاثة للمتضررين.

مقاربة "تضخيم قوة العدو" تستخدمها إسرائيل في هذه الحرب لترسل رسالة إلى الرأي العام الإسرائيلي بضراوة المعارك، ورسالة أخرى لحلفاء إسرائيل تبرر طلبات الدعم المتزايدة من الأسلحة والذخائر

 

على المستوى العسكري كان لافتاً في هذه الحرب، من بين متغيرات عديدة تشهدها، كسر الكثير من المفاهيم، وفي مقدمتها ثنائية أنّ إسرائيل لا تستطيع خوض حروب طويلة، وأنّ المقاومة مجرد عصابات يمكن القضاء عليها بسهولة، وبالتزامن جاء هذا التوسع في اعترافات الناطق الإعلامي باسم الجيش الإسرائيلي بأعداد القتلى من الجنود والضباط، "رغم استمرار الشكوك بأنّ إسرائيل لا تعترف بالأعداد الحقيقية للقتلى"، لا سيّما بعد انطلاق الحرب البرية ودخول الجيش الإسرائيلي قطاع غزة، حيث بلغ عدد القتلى من الجنود والضباط أكثر من (500) جندي وضابط، منهم (170) منذ بدء العملية البرية في غزة، وهو ما يُعدّ تحولاً لأحد أبرز المقاربات التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي في حروبه بإخفاء خسائره الحقيقية، بحجة الحفاظ على الروح المعنوية والقتالية لجنوده، وفيما يلي الأسباب الكامنة وراء هذا التحول، مع ملاحظة أنّها مرتبطة بحسابات إسرائيلية داخلية، وتوظيفات من قبل القيادتين؛ السياسية والعسكرية، وبما يخدم استراتيجية مواصلة الحرب، بمعزل عن الخلافات داخل أعضاء مجلس الحرب:

أوّلاً: عدم قدرة الإعلام العسكري التقليدي على إخفاء حقائق أرقام القتلى والجرحى من الجنود والضباط، وتسريب معلومات من مصادر إعلامية إسرائيلية ذات مصداقية لدى الرأي العام الإسرائيلي، على الأقل (يديعوت أحرنوت وهارتس)، حول أعداد الجرحى تم نشرها عبر تقارير "موثوقة" من شهود عيان في ساحات المعارك والمواجهة بقطاع غزة، بالإضافة إلى إحصائيات من المشافي الإسرائيلية التي تم نقل جثث القتلى والجرحى إليها، ولمجاراة روايات الإعلام كان لا بدّ للإعلام العسكري من الاعتراف بأنّ هناك جرحى وقتلى من الجنود والضباط، رغم أنّ شكوكاً عميقة لدى المتابعين ما زالت قائمة حول الأرقام الحقيقة، لا سيّما أنّ تعليمات مشددة صدرت من الحكومة الإسرائيلية تمنع المواطنين من تداول ونشر معلومات حول العمليات العسكرية وأعداد القتلى والجرحى.

ثانياً: تتعرض الحكومة الإسرائيلية لضغوطات متزايدة من أهالي الأسرى لدى المقاومة، وتحولت هذه القضية إلى قضية ذات أولوية، خلافاً لمخططات الحكومة الإسرائيلية التي جعلت قضية الأسرى "الرهائن" لدى المقاومة قضية ثانية، مقابل القضية الأولى وهي القضاء على حركة حماس عسكرياً وسياسياً في قطاع غزة، وفي ظل جدالات داخل المجتمع الاسرائيلي "على المستويين السياسي والعسكري وفي أوساط الرأي العام" حول أولوية الإفراج عن الرهائن، حتى لو كلف الأمر الموافقة على شروط المقاومة بالإفراج عن "الكل مقابل الكل"، فإنّ التوسع في الإعلان عن أعداد القتلى والجرحى من الجيش الإسرائيلي يأتي في إطار محاولة من الحكومة لإرسال رسالة لأهالي الرهائن بأنّ المعركة مع حماس أكبر من قضية رهائن، وأنّ حياة الرهائن ليست أفضل من الحفاظ على سلامة الضباط والجنود الذين يموتون يومياً في ساحات المواجهة بقطاع غزة.

التوسع في الإعلان عن قتلى الجيش الإسرائيلي غير معزول عن الحرب الإعلامية التي تشكّل أحد أهم عناوين الحروب الجديدة، لا سيّما مع تعدد الفاعلين في هذا الإعلام، ودخول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذا الحقل

 

ثالثاً: مقاربة "تضخيم قوة العدو" المعروفة في مدارس الإعلام العسكري، تستخدمها إسرائيل في هذه الحرب، فالتوسع في إعلانات القتلى الإسرائيليين من الجنود والضباط ومن خيرة الألوية العسكرية في الجيش الإسرائيلي، بما فيها الكتيبة (13) في لواء جولاني، والتأكيد على خسارة هذا اللواء أكثر من (40) جندياً وضابطاً من قوات "النخبة" يرسل رسالة إلى الرأي العام الإسرائيلي بضراوة المعارك، وأنّ الجيش يواجه خصماً قوياً، وهو ما يبرر هذه الأعداد من القتلى والجرحى، ورسالة أخرى لحلفاء إسرائيل تبرر طلبات الدعم المتزايدة من الأسلحة والذخائر، وهو تفعله أمريكا منذ بداية هذه الحرب، بالإضافة إلى الدعم العسكري والاستخباراتي الذي تقدمه بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، كما أنّ إسرائيل وعبر هذا التضخيم تحاول تبرير توحشها وعمليات القصف التي تستهدف المشافي والمدارس ومخيمات اللجوء.

وبالخلاصة؛ فإنّ التوسع في الإعلان عن قتلى الجيش الإسرائيلي غير معزول عن الحرب الإعلامية التي تشكّل أحد أهم عناوين الحروب الجديدة، لا سيّما مع تعدد الفاعلين في هذا الإعلام، ودخول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذا الحقل، بجهود فردية أو عبر مؤسسات، باعتبارهم من المصادر الجدد للمعلومات، ممّا زاد من حدة المنافسة، حيث لم يعد المراسل الحربي المرخص والمرافق للجيوش مصدر المعلومة الوحيد، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه لم يعد سهلاً عند مستويات التلقي اكتشاف التضليل الذي يمارس عبر مواقع التواصل بالتزوير والحذف والإضافة، وغالباً ما يتم الكشف عن التزوير بعد انتشار الرسالة وتداولها بوصفها حقيقة، ممّا يفقده قيمته.

مواضيع ذات صلة:

ما حدود الخلافات بين أمريكا وإسرائيل حول الحرب في غزة؟

ماذا يعني رفض التهجير القسري لسكان غزة؟

ماذا تريد إيران بعد حرب غزة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية