فشل التّهجير وبدأ التّطهير!

فشل التّهجير وبدأ التّطهير!

فشل التّهجير وبدأ التّطهير!


14/11/2023

محمد صلاح

لم تطرح القمة العربية الإسلامية التي التأمت في العاصمة السعودية الرياض السبت مبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية، بل أعادت إلى الواجهة المبادرة العربية التي أطلقها العاهل السعودي الراحل المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002، إذ تركزت قرارات قمة الرياض أولاً على التعاطي مع المشهد الدامي في قطاع غزة والبحث عن سبل لوقف الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني.

المؤكد أن تنسيقاً ما جرى قبل إعلان القرارات حتى قبل اجتماع وزراء الخارجية الذي سبق القمة، بهدف الاقتراب من تطلعات الشعوب العربية وتفادي الاتهامات التي تطلق عادة بعد كل قمة بالتخاذل أو تفادي إغضاب الولايات المتحدة بالقسوة عبر بعض العبارات والكلمات ضد الجرائم الإسرائيلية، لكن المغزى من إعادة طرح المبادرة العربية هو سد الطرق على كل الأفكار التي طرحت والتسريبات التي نشرت في وسائل إعلام عن مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، إذ أتى موقف الدول العربية والإسلامية صارماً في رفض كل الأطروحات التي تفصل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس الشرقية أو تضع سيناريوات للمستقبل تخرج القطاع عن التسوية النهائية للقضية الفلسطينية. والحقيقة أن إسرائيل لا يوقفها أي شيء، سواء قبل الحرب أو بعدها، ولا تهتم بالضغوط، ولا تعير اهتماماً للمناشدات والمطالبات ناهيك بالتهديدات، وقرارات القمة، ومعظمها مطالبات لدول وجهات أخرى لم تقدم ما يردع إسرائيل، فالردع بالأساس يكون بمواقف وليس بكلمات أو حتى بسياسات صار تنفيذها مرتبطاً بموافقة طرف مشارك في الحرب على غزة وأهلها بالسلاح والدعم السياسي والإعلامي والحماية من العقاب الأممي أو الجنائي الدولي. أما رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو فغير مكترث بما أفضت إليه القمة، بل إنه رد بالطلب إلى الدول العربية مساعدته في القضاء على "حماس"! وهو ربما كان يلمح إلى موقف بعض الدول العربية من جماعة الإخوان المسلمين المؤذي وسلوك عناصرها في أرجاء العالم، والذي كان أحد أسباب انشغال الدول العربية ذاتها بأمنها الداخلي لسنوات طويلة، في وقت كانت إسرائيل تستفرد بالفلسطينيين وتسعى إلى إنهاء قضيتهم والإجهاز على أي مشروع للتسوية، لكن نتنياهو لا يدري أن القضية لدى الأنظمة والشعوب العربية أكبر من الإخوان أو "حماس" وتتعلق بحاضر الفلسطينيين ومستقبلهم.

عموماً لا يمكن إتمام تسوية للقضية الفلسطينية في وجود نتنياهو، ورغم التوقعات برحيله بعد الحرب، إلا أن السؤال يبقى قائماً: هل ما حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر) سيجعل الحكومة الإسرائيلية، سواء ترأسها نتنياهو أم غيره، أكثر تشدداً أم ستتجه إلى تحقيق سلام؟ لن تكون هناك إجابة عن السؤال إلا بعد نهاية الحرب ووفقاً للنتائج التي ستفضي إليها ومدى احتفاظ "حماس" بقدراتها، أو ما سيتبقى منها، وكذلك حجم الخسائر الإسرائيلية ومصير الرهائن الإسرائيليين والغربيين والطريقة التي سيخرجون بها، عندها يمكن الحديث عن مصير القضية الفلسطينية وأي مسار سيسير فيه الفرقاء وأطراف الأزمة. لكن رغم السلوك الإسرائيلي على مدى أكثر من عقدين بالنسبة إلى المبادرة العربية، تبقى الأكثر براغماتية بالنسبة إلى المجتمع الدولي والصيغة الأكثر قبولاً بين الفلسطينيين، وجاء في النص المعتمد لها بعد المقدمة:

انطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف:

1- يطلب مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة من إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي أيضاً.

2- كما يطالبها القيام بما يلي:

أ‌- الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

ب‌- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194.

ج-قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران (يونيو) 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

3- عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي:

أ‌- اعتبار النزاع العربي – الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

ب‌- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.

4- ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

5- يدعو المجلس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة المبينة أعلاه حماية لفرص السلام وحقناً للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب، ويوفر للأجيال القادمة مستقبلاً آمناً يسوده الرخاء والاستقرار.

6- يدعو المجلس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة.

7- يطلب المجلس من رئاسته تشكيل لجنة خاصة مع عدد من الدول الأعضاء المعنية والأمين العام لإجراء الاتصالات اللازمة بهذه المبادرة والعمل على تأكيد دعمها على المستويات كافة، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي.

لا يبدو أن لدى إسرائيل التي تعيش حالة هياج انتقامي وفوران ثأري وتوحش ضد الفلسطينيين، أي رغبة أو استعداد أو قبول للمضي في السير في عملية سلمية وهي مشغولة بممارسة عملية تطهير عرقي للفلسطينيين في قطاع غزة، لكن العملية تتعثر بسبب تمسك الفلسطينيين بالبقاء في القطاع حتى لو انتقلوا من الشمال إلى الجنوب، وبفضل الصمود الفلسطيني الأسطوري، رغم التضحيات المهولة، والموقف المصري الصارم الذي وجد تأييداً عربياً وخجلاً غربياً. فشل مخطط التهجير إلى سيناء، فلجأ نتنياهو إلى حرب تغيير القناعات، فهو يتعرض إلى موت سياسي ويريد إطالة أمد الحرب لأن التوقف من دون وضع نصر عسكري على الطاولة سيعني موتاً سريعاً له، فلم يعد يستمع إلى الأصوات التي تسعى إلى إقناعه بـ"أن التوقف أفضل لك لأنك ميت ميت"! نتنياهو الذي قال إنه سيجعل غزة منزوعة السلاح غير قادر أصلاً على نزع سلاح الضفة حتى بعدما قلص صلاحيات السلطة الفلسطينية، فلجأ إلى استخدام المستوطنين لمارسة التطهير العرقي في الضفة أيضاً.

أخيراً لم يلتفت كثيرون إلى تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالنت "حزب الله" من أن دخوله الحرب "يعني أن يصبح مصير لبنان وبيروت كمصير غزة". المسألة انتقامية وليست البحث عن عناصر "حماس" أو أن المقاومة تستخدم المدنيين دروعاً بشرية أو أن عناصر "حماس" يختفون في المستشفيات والمدارس وكل مكان تستهدفه إسرائيل.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية