بعد استقالة محمد القوماني.. هل حركة النهضة الإخوانية في الطريق إلى تفكك محتوم؟

استقالة محمد القوماني: حركة النهضة في الطريق إلى تفكك محتوم

بعد استقالة محمد القوماني.. هل حركة النهضة الإخوانية في الطريق إلى تفكك محتوم؟


19/06/2023

بات من المؤكد أنّ حركة النهضة الإخوانية تعيش أزمة غير مسبوقة طفت على السطح بوضوح بعد سلسلة استقالات لأبرز عناصرها التاريخيين، مثل؛ حمادي الجبالي وعبد الفتاح مورو وعبد الحميد الجلاصي وغيرهم كثير. غير أنّ استقالة محمد القوماني القيادي البارز الذي انضم إليها في 2016 بدعوة من رئيس الحركة راشد الغنوشي المودع بالسجن حالياً والملاحق في قضايا متنوعة، عمقت الشرخ وبرهنت على أنّها تعيش أحلك فتراتها على الإطلاق.

وأعلن القوماني استقالته في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي قائلاً: "اليوم نشهد منعرجاً تاريخياً اكتملت فيه عناصر اتخاذ قرار شخصي تأخر بعض الوقت، كل ما مضى، من دون استثناء، صار فعلاً جزءاً من الماضي، وسيعامل كذلك، أحيي عموم من شاركتهم بعضاً من مساري الفكري والحقوقي والسياسي، أو غير ذلك، وأعتز بمعرفتهم". وأضاف: "لست نادماً على ما استدبرت من عمري، لكنّي راسخ الاقتناع بضرورة النقد الذاتي والتجديد والتشبيب، وأستقبل مرحلة جديدة ومختلفة على مستويات عديدة، والله نسأل الرضا والسداد".

من النقاط الخلافية التي أعلنها القوماني التقييم والنقد الذاتي الذي طالب به الحركة وقوبل بالرفض، إذ اختارت الحركة بقيادة الغنوشي المكابرة والقفز على الأحداث والتقليل من مسؤوليتها عن الخراب الذي حل بالبلاد طيلة عشرية ما بعد الثورة

وكان القوماني قد أعلن في أيلول (سبتمبر) 2021 استقالته من رئاسة لجنة إدارة الأزمة السياسية التي كلف بها بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي في 25 تموز (يوليو) 2021، موضحاً أنّ قرار استقالته يأتي بسبب خلاف واضح بينه وبين قيادة الحركة حول الموقف من تلك الإجراءات، مؤكداً أنّه لم يعد مقتنعاً بالتصريحات التي يجبره موقعه على التصريح بها، رغم أنّها تتناقض مع توجهه الشخصي.

حركة النهضة الإخوانية تعيش أزمة غير مسبوقة

وقال عضو المكتب التنفيذي سامي الطريقي في تصريح صحافي لـ (إندبندنت عربية): إنّ "هذه الاستقالة تشكل خسارة لـ "النهضة" في الحقيقة، لأنّه شخصية تتسم بالعقل الراجح والرؤية الثاقبة وهدوء فكري كبير، وهو ما تحتاج إليه الحركة، ويتميز بقراءة رصينة للواقع المتوتر في بعض الأحيان، ونحن نعيش أزمة سياسية واقتصادية في تونس تستحق عقولاً نيرة تنظر من خارج الصندوق إلى الأحداث".

وأضاف الطريقي: "يبدو أنّ القوماني له قراءة ومقاربة للأوضاع، وهي مقاربة طرحها، وهناك من يشاطره الرأي ومن يختلف معه فيها، لكنّ موقفه تطور من الناقد والمطالب بالتقييمات إلى الموقف الذي أصبح يفضل الخروج من الحركة، خصوصاً في هذه الظروف، وهذا مفهوم، لكن حقيقة لم نكن ننتظر خروجه في هذه اللحظات الصعبة التي نعيشها".

وأكد القوماني أنّ أهم نقطة عمقت الشرخ بينه وبين الحركة هي التسويف الذي تعاملت به الحركة في ما يخص عقد مؤتمرها الـ (11) الذي تأخر مراراً وتكراراً إلى أجل غير مسمّى بتعلّة الوضع الحالي الذي تعيشه الحركة.

ويبدو أنّ الحركة تتلكأ في عقد مؤتمرها لأنّه يضعها في ورطة، ذلك أنّ قانونها الداخلي يمنع التمديد للغنوشي دورة إضافية، بعد أن بات الرئيس المؤبد لها وأصبح يتعامل معها بوصفها ملكية شخصية، ومن جهة أخرى فمن المعلوم أنّ الغنوشي هو الممسك بكل ما له علاقة بتمويل الحركة داخلياً وخارجياً لما له من شبكة علاقات واسعة مع الإخوان في العالم وداعميهم ومموليهم، وبخروجه من الحركة فإنّ الحركة ستجد صعوبة في التمويل، وقد ذكرت تقارير صحفية عديدة أنّ هذه المسألة قد طرحت في البيت الداخلي للحركة، وطُلب منه أن يضمن للحركة التمويل حتى بعد خروجه منها وتخليه عن رئاستها. وبالتالي فقد باتت الحركة مهددة في وجودها؛ لأنّها لم تؤسس لتقليد الديمقراطية والتداول منذ البداية، بل إنّ كل مقاليدها يمسك بها رئيسها راشد الغنوشي حتى باتت الحركة تتلخص في شخصه.

حركة النهضة بعد نزيف الاستقالات مهدده بالتفكك، وسبق أن استقال منها أكثر من (100) قيادي في أيلول 2021، بعد انفراد رئيسها بالقرار وقفزه على الواقع ورفضه النقد الذاتي وإجراء التقييم اللازم والمراجعات الضرورية لسياساتها، زيادة عن قضايا التمويل غير القانوني

ومن النقاط الخلافية التي أعلنها القوماني التقييم والنقد الذاتي الذي طالب به الحركة وقوبل بالرفض، إذ اختارت الحركة بقيادة الغنوشي المكابرة والقفز على الأحداث والتقليل من مسؤوليتها عن الخراب الذي حل بالبلاد طيلة عشرية ما بعد الثورة، وصرح الغنوشي في أكثر من مناسبة أنّ النهضة لم تحكم أو أنّها على الأقل لم تحكم وحدها، وبالتالي فإنّ المسؤولية تتوزع على كل الذين ساهموا في الحكم. والحال أنّ حركة النهضة كانت المسؤولة الرئيسة عن كل ما حصل بالبلاد من دمار على جميع المستويات، وتعاملت مع الدولة بعقلية الغنيمة كما أكد قياديّها المستقيل سابقاً بصريح العبارة في تصريح إعلامي. استولت على القضاء والأمن وزرعت أتباعها في كل مؤسسات الدولة وشغلت عشرات الآلاف من أتباعها وقدمت لهم التعويضات بأرقام خيالية، ورذّلت مجلس النواب وجعلته غطاء لجرائمها، وتحالفت مع رموز الفساد في البلاد وقاسمتهم الحكم، وزرعت الفتنة بين التونسيين مقسمة إياهم إلى مسلمين وكفار، ودمرت الاقتصاد. وكانت المسؤول السياسي عن الاغتيالات السياسية التي حصلت بعد الثورة، وحمت الإرهاب ومكنته من مفاصل الدولة وتكوين الجمعيات الإرهابية وتلقي التمويلات الخيالية من الخارج بعد أن ضمنت القضاء.

ومن ناحية أخرى، أشار القوماني بعد استقالته إلى أنّه بات متضايقاً من الخطاب القصووي، وأكد أنّه يتبنّى المعارضة من داخل مؤسسات الدولة والقبول بالأمر الواقع الذي فرض بعد تموز (يوليو) 2021، في إشارة ضمنية إلى خطاب رئيس حركة النهضة في اجتماع جبهة الخلاص الذي اعتقل بسببه وأودع بالسجن، وتتالت في حقه (3) بطاقات إيداع بالسجن على خلفية قضايا عديدة مرفوعة ضده من زمن بعيد، وكان محتمياً بالحصانة البرلمانية والغطاء الحكومي الذي توفره له الحكومات المتعاقبة.

إذن صارت حركة النهضة بعد نزيف الاستقالات مهدده بالتفكك، وسبق أن استقال منها أكثر من (100) قيادي في أيلول (سبتمبر) 2021، بعد انفراد رئيسها بالقرار وقفزه على الواقع ورفضه النقد الذاتي وإجراء التقييم اللازم والمراجعات الضرورية لسياساتها، زيادة عن قضايا التمويل غير القانوني وقضايا تبييض الأموال والتمويلات الخارجية ذات المصادر المجهولة وعقود اللوبيينغ في فترة الحملة الانتخابية لانتخابات 2019 التي يمنعها القانون، كلّ ما سبق يضع مستقبل الحركة في مأزق قد يصل إلى حدّ حلها أو تفككها المحتوم.

مواضيع ذات صلة:

كيف فشلت الإسلاموية التونسية في الانتقال نحو الديمقراطية؟

عن الأخطبوط الإعلامي لحركة النهضة الإخوانية في تونس

معركة تطهير القضاء التونسي من الإخوان... هل نجح سعيد في الاختبار؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية