الإخوان وواشنطن ولعبة الكراسي الموسيقية

الإخوان وواشنطن ولعبة الكراسي الموسيقية

الإخوان وواشنطن ولعبة الكراسي الموسيقية


31/01/2024

تعود العلاقات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين إلى العام 1947، حين دشن اجتماع المرشد الأول حسن البنا مع فيليب أيرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية في القاهرة هذه العلاقات، وفي الاجتماع عرض البنا على واشنطن تكوين مكتب مشترك لمكافحة الشيوعية، على أن يكون أغلب أعضائه من الإخوان، وتتولى الولايات المتحدة إدارته، كما طلب دعماً مالياً للجماعة، نظير تقديم خدمات تتعلق باختراق الخلايا الشيوعية في المنطقة، بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية، وعليه عرض البنا بشكل صريح انخراط الإخوان في أعمال التجسس على اليسار، بزعم مواجهة المد الشيوعي، والتصدي للشيوعية.

وشهد العام 1953، في عهد الرئيس الأمريكي أيزنهاور، بداية العلاقات التنظيمية بين الإخوان والولايات المتحدة، بلقاء الرئيس الأمريكي مع سعيد رمضان، زوج الابنة الصغرى لحسن البنا، قبل أن يستقر الأخير في سويسرا، ويؤسس الرابطة الإسلامية العالمية.

ومنذ وضع حسن البنا اللبنة الأولى للتنظيم الذي يتجاوز حدود الوطن، إلى حد تصور إمكانية الهيمنة على العالم، كانت خطة الإخوان هي التسلل إلى الدول ذات الثقل الدولي، ومحاولة السيطرة على دوائر صنع القرار فيها، وتوجيهها إلى حيث تريد الجماعة، وكانت الولايات المتحدة إحدى أهم تلك القوى التي حاول التنظيم التمدد داخل المؤسسات الفاعلة فيها، وعلى رأسها الكونغرس، فقد سعت الجماعة لتكوين لوبي يدافع عن قضاياها، ويضغط على الحكومات العربية من أجل دمج التنظيم ضمن المعادلة السياسية.

والآن، وبعد أعوام المحنة الأخيرة، وعدم قدرة الحليف التركي على إعادة الإخوان إلى المشهد السياسي، والاكتفاء باستخدام الجماعة ورقة سياسية للضغط، وهي ورقة أوشكت على الاحتراق في يده دون أن يدرك أو يبالي، راهن الإخوان على الإدارة الأمريكية رهاناً فاشلاً، أحبط كل مساعي الجماعة في العودة.

الإدارة الديمقراطية بوابة الإخوان المغلقة

نجح الإخوان بعد عقود من اتباع سياسة التسلل الناعم في تكوين مراكز قوى داخل الكونغرس الأمريكي، ليس عن طريق تعاطف بعض الديمقراطيين فحسب، وإنّما عن طريق الوصول إلى عضوية الكونغرس أيضاً من خلال بعض النواب المنتمين للتنظيم.

تعود العلاقات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين إلى العام 1947

أبرز الأسماء التي نجح التنظيم في الزج بها نحو عضوية الكونغرس كانت النائبة إلهان عمر، التي تربطها علاقات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومعروف عن إلهان عمر انحيازها بشكل كبير لجماعة الإخوان، وتواصل الدفاع عن الجماعة منذ ترأست إحدى فاعليات منظمة الإغاثة الإسلامية في الولايات المتحدة، والتي يعتبر رئيسها أحد أبرز ممثلي الإخوان في البلاد.

 وفي السياق نفسه، أشار تقرير لمنظمة (كلاريون بروجيتكت) إلى أنّ "مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية قام من خلال لجنة التحرك السياسي بجمع تبرعات لإلهان عمر، بالإضافة إلى أنّ جماعات تابعة للإخوان ومنها جمعية الأمريكيين المسلمين، أرسلت رسائل عبر البريد الإلكتروني لأنصارها تطلب منهم تأييد إلهان عمر في الانتخابات". كما لفت موقع (إن إي كيه نت) الأمريكي أنّ جمعيات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين حثت أتباعها على تقديم الدعم الانتخابي لإلهان عمر، بوصفها أول سيدة مسلمة تفوز بعضوية الكونغرس.

 

أشار تقرير لمنظمة (كلاريون بروجيتكت) إلى أنّ مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية قام من خلال لجنة التحرك السياسي بجمع تبرعات لإلهان عمر

 

وكانت داليا العقيدي، مرشحة الحزب الجمهوري، ومنافسة إلهان عمر في الانتخابات، قد انتقدت قيام الأخيرة بالدفاع عن حركة حماس المصنفة على قوائم الإرهاب، مؤكدة أنّها تخترق القانون الأمريكي الذي أوصلها أساساً إلى عضوية الكونجرس، كما كشفت العقيدي عن وجود صفقة سياسية بين النائبة الإخوانية وتركيا، في ظل ثبوت وجود علاقات بينها وبين الدوحة.

وتمتد دوائر نفوذ الإخوان إلى السيناتور الأمريكي باتريك ليهي، الذي اعتمدت عليه الجماعة في تمرير خطابها التحريضي، وتشير تقارير إلى وجود علاقات وثيقة بين ليهي، وبعض الدوائر السياسية في الدوحة.

ويبقى توم مالينوسكي، عضو الكونغرس، أحد أبرز العناصر التي يعتمد عليها الإخوان في الدفاع عن وجودهم، مالينوسكي الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان في إدارة أوباما، كان صاحب قرار تعليق المساعدات لمصر عقب عزل محمد مرسي، كما استغل وجوده على رأس منظمة (هيومن رايتس) للهجوم على مصر والدفاع عن الجماعة، كما تربط تقارير متعددة بين مالينوسكي وإيران.

كل هذا دفع السيناتور تيد كروز للإشارة إلى الخطر الذي يمثله الإخوان على الأمن القومي الأمريكي، وأمن حلفاء واشنطن، وهو ما أكدت عليه النقاشات التي جرت في الكونغرس العام 2015.

 

تمتد دوائر نفوذ الإخوان إلى السيناتور الأمريكي باتريك ليهي، الذي اعتمدت عليه الجماعة في تمرير خطابها التحريضي

 

وكانت الانتخابات الأمريكية الماضية بمثابة طوق نجاة، كما تخيلت الجماعة، وكما صرح نائب المرشد الراحل إبراهيم منير، فقد كثفت الجماعة في الانتخابات الماضية من دعمها لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، بهدف إزاحة دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري، على خلفية الخلاف العدائي الاستراتيجي بين الطرفين، وفي ظل تهديد ترامب بإدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب.

هناك عدة أسباب جعلت من المرشح الديمقراطي رئيساً مثالياً بالنسبة إلى الجماعة، التي تسعى إلى تحقيق الهدف الذي أرساه حسن البنا، وهو تصدير الدعوة إلى دول العالم، والانطلاق من الغرب هذه المرة للإجهاز على الشرق الأوسط، مستغلة الصراع السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والدعاية للحزب الديمقراطي باعتباره الأكثر قدرة وحيادية في التعامل مع الأقليات، وخاصّة المسلمين، وهي استراتيجية انتهجها التيار الإسلامي منذ العام 1980، حيث جرى وضع حجر الأساس للتقارب ما بين الإخوان والحزب الديمقراطي، وتُعدّ فترة الرئيس الديمقراطي أوباما عصراً ذهبياً للجماعة، التي دفعها الأخير إلى المشاركة، بل تصدر المشهد السياسي في المنطقة، قبل أن يقطع فوز ترامب على منافسته هيلاري كلنتون الطريق على المشروع السياسي المشترك بين الطرفين.

حلم العودة إلى نهج أوباما 

تطلع الإخوان إلى مجموعة من المكاسب، من خلال إدارة بايدن الذي وعد صراحة بتعيين مسلمين متعاطفين مع الجماعة في عدد من المناصب على مستويات مختلفة، وضعت الجماعة قوائم بأسمائهم على مكتبه بالفعل، وهو ما علق عليه مراقبون بأنّ  "تسامح الإدارة الأمريكية في حال فوز بايدن مع أنشطة الإخوان سيفتح الباب أمام الاستقطاب الدعوي الإخواني للجالية الإسلامية، وتكوين جمعيات شبابية وطلابية، ممّا يوفر أرضية خصبة للتشدد الفكري وإعادة الحرب على الإرهاب إلى نقطة الصفر".

الدكتور عبد السلام القصاص: الإخوان يمارسون لعبة تقديم الولاء لمن يعدهم بالدعم

ظنّ الإخوان أنّ إدارة بايدن سوف تستدعي تكتيك إدارة أوباما في تحريك الإخوان مرة أخرى نحو المسرح السياسي، وتمكينهم من الضغط على الأنظمة العربية، عبر الاستقواء بالخارج، وهو ما حذّر منه مستشار الحملة الانتخابية السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكداً أنّه "إذا فاز المرشح الرئاسي بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، فستكون إدارته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما نفسها عملياً". لافتاً إلى أنّه في حال فوز بايدن، فسيعود التفاهم الأمريكي مع الإخوان المسلمين، والتنسيق مع قطر وتركيا، ويمكن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران".

وبحسب مركز (ذا غلوبال مسلم براذرهود ديلي ووتش)، المتخصص في مراقبة تحركات وأنشطة الجمعيات الإسلامية المتشددة، فإنّ "أكبر نجاح حققته جماعة الإخوان المسلمين في أمريكا، في مساعيها نحو إضفاء الشرعية على وجودها، هو كلمة المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن أمّام المؤتمر السنوي الــ (57) للجمعية الإسلامية بأمريكا الشمالية (إسنا)، وهي أحد فروع جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة".

وعليه نشطت الجماعة بشكل كبير في دعم حملة بايدن الانتخابية، وبدأت في شن عدة حملات بهدف التشويش على المرشح الجمهوري، والتشكيك في إدارة العملية الانتخابية، ففي تقرير نشرته مؤسسة (كير) قبيل الانتخابات الأمريكية الماضية، زعمت الجماعة أنّ هناك نحو (200) صوت للمسلمين، جرى استبعادهم دون إبلاغ المصوتين، من الانتخابات التمهيدية التي جرت في ولاية نيويورك.

 

كانت الانتخابات الأمريكية الماضية بمثابة طوق نجاة، كما تخيلت الجماعة، وكما صرح نائب المرشد الراحل إبراهيم منير

 

وبعد نجاح بايدن جاءت النتائج مخيبة للآمال، حيث تراجع الحضور السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط، وأدارت الإدارة الأمريكية ظهرها للجماعة، وخابت كل مساعي التنظيم في أحلام العودة إلى المشهد.

ويرى الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسية، أنّ الإخوان يمارسون لعبة تقديم الولاء لمن يعدهم بالدعم، وأنّ الولايات المتحدة سبق لها اختبار توظيف الجماعة للقيام بأدوار وظيفية، تتعلق بأجواء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وكذلك الانخراط في الصراع المباشر مع السوفييت في أفغانسان.

ولفت القصاص في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ الإخوان تحركوا على أكثر من محور للضغط على حملة ترامب في الانتخابات الماضية، محاولين رفع احتمالات فوز بايدن بأيّ طريقة، بل ذهبت الجماعة إلى إعلان الجهاد الانتخابي في مناطق المسلمين بالولايات المتحدة، باعتبار أنّ إسقاط ترامب بات واجباً دينياً مقدّساً، لكنّ الجماعة تحركت في مجتمع له ثقافة مختلفة، وواقع سياسي تحكمه المصالح، وغير قابل للتوظيف؛ فجاءت النتائج السياسية لفوز ترامب مخيبة تماماً، وربما ساد الظرف الدولي على ذلك، حيث جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتلتهم كل أولويات البيت الأبيض، بعد وباء كوفيد-19 وتداعياته، قبل أن تتكفل باقي الصراعات الدولية في ليبيا والسودان واليمن بسحب البساط من تحت أقدام الإخوان.

مواضيع ذات صلة:

"سيد قطب والأصولية الإسلامية": هل تجاوز الإخوان هذا الفكر؟

الدائرة المُغلقة: كيف فشل الإخوان باختبار الديمقراطية الغربية؟

الإخوان من الداخل.. ما دور النظام الخاص في توجهات الجماعة؟

الصفحة الرئيسية