معضلة تورط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل

معضلة تورط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل

معضلة تورط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل


28/10/2023

مع اتساع المدّى الزمني للهجمات العسكرية المباغتة، التي شنّتها حركة حماس ضد إسرائيل، وكذا تداعياتها على غزة، فإنّ الاتساع الميداني، هو الآخر، يبدو مؤشراً حيوياً، لا سيّما بعد تهديدات ميليشيات تابعة لإيران باستهداف ما اعتبرته "أهدافاً مشروعة" لها تتصل بالقواعد الأمريكية في الخليج، الأمر المرتبط بدور إيران، الخفي والمعلن، في الصراع القائم، وضلوع الأخيرة في عدّة مهام، تدريبية ولوجيستية وأمنية وعسكرية.

تهديدات الميليشيات الإيرانية

وفي ما يبدو أنّ هذا الدور الإيراني قد يجعل جبهات أخرى إقليمية على حافة الحرب، مع تحكم الحرس الثوري، الميداني والعسكري، بعدّة مناطق في إقليم تطوقها بعناصرها الولائية، وتنظيماتهم الميلشياوية، كما هو الحال في لبنان (حزب الله) والعراق (الحشد الشعبي وفصائل أخرى) واليمن ( أنصار الله الحوثي) وسوريا (فيلق "زينبيون" و"فاطميون" وفصائل أخرى)، مع الأخذ في الاعتبار أنّ ثمّة تحركات لافتة في سوريا جرت بعد تطور الأحداث، مؤخراً، حيث اصطفاف فصائل عسكرية وانتقالهم لمنطقتي القنيطرة ودرعا وفي المنطقة الجنوبية.

التحفز الميداني في سوريا والعراق واليمن، برز من خلال تحركات وتهديدات الميليشيات الإيرانية التي تتماهى مع المواقف العلنية لقادة الحرس الثوري، بما يطرح أسئلة حول سيناريوهات التصعيد الممكنة لدى الجبهات المباشرة والمتاخمة للأحداث بصورة قصوى، تحديداً حزب الله اللبناني. وقد قالت ألوية الوعد الحق – أبناء الجزيرة العربية إنّ "للصبر حدوداً أمام ما نشهده اليوم بحق الشعب الفلسطيني"، مهدّدة القواعد الأمريكية في الكويت والإمارات بأنّها ستضحى "أهدافاً مشروعة" لها.

ووفق البنتاغون، ففي الفترة بين "الـ17 والـ24 من تشرين الأول (أكتوبر الحالي) وقع نحو 13 هجوماً ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا". ورجّح البنتاغون تنامي الحوادث في المدّى القريب ضدّ القوات الأمريكية.

الكاتب شارل جبور: يتم توريط لبنان في الحرب

وتعرضت قاعدة "عين الأسد" الأمريكية إلى عدّة استهدافات صاروخية وبواسطة الطائرات المسيرة، وقد تبنت هذه الحوادث المتكررة فصائل ما يعرف بـ"حركة المقاومة الإسلامية في العراق"، وقد ذكرت، أنّ "مقاتليه استهدفوا مباشرة عين الأسد بطائرة مسيّرة، أصابت أهدافها بشكل مباشر".

وسبق أن قالت في بيان إثر استهداف مماثل: "لن تقف متفرجةً إزاء ما يجري من إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة". كما هدّد الناطق العسكري باسم كتائب حزب الله العراق، جعفر الحسيني، والمدعوم من إيران، بـ"دخول المقاومة في العراق معركة طوفان الأقصى، وتوجيه ضرباتها إلى القواعد الأميركية".

الحرب والدولة اللبنانية

وبالتزامن مع هذه التطورات، أكدّ رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، فالح الفياض، بأنّ العراق سيقوم "بكل الواجبات تجاه الفلسطينيين، سواء على صعيد المساعدات، أو على المستوى العسكري"، وذلك في لقاء مع قناة الميادين اللبنانية التابعة لحزب الله.

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول الكاتب السياسي اللبناني، شارل جبور، إنّه "للأسف، يتم توريط لبنان في وسط الحرب، بدليل الارتباكات التي يشهدها مرفق المطار وإلغاء حجوزات السفر وتعطيل وتخفيض الرحلات، فضلاً عن دعوة السفارات رعاياها بمغادرة لبنان، بما يكشف عن معضلة تغييب الدولة. وهناك صراع مستمر في لبنان منذ عام 1990 بسبب استمرار فريق سياسي في حمل السلاح وهو "حزب الله" والاحتلال السوري، آنذاك. من ثم، منذ عام 2015 ونحن في صراع مستمر، أيّ منذ 18 سنة، وإلى اليوم مع "حزب الله" الذي يستأثر بقرار الحرب خلافاً لإرادة اللبنانيين. وهذا القرار يجب أن يكون في يد الدولة وليس الحزب المرتهن لإرادة وقرار إيران".

وبسؤال الكاتب السياسي اللبناني عن احتمالات دخول حزب الله الحرب في غزة، يجيب: "لا يمكن الجزم كما لا يمكن النفي. لكنّ في الحقيقة لبنان ليس مضطراً لأن يدفع الثمن الفادح لدخول الحزب في الحرب لاعتبارات إيرانية أو لحسابات استراتيجية إقليمية تخدم الأهداف الإيرانية. اللبناني كما المصري والأردني يشعر بالقلق والامتعاض من تغييب قراره نظراً لغياب الدولة بخلاف بلدان أخرى تحتفظ فيها الدولة بقرار السلم والحرب تبعاً لمصالحها".

يردف جبور: "الحزب يعيش اليوم مع إيران في مأزق استراتيجي؛ لأنّه في حال عدم دخول الحزب في حرب، وهو أسير قرار إيران، فإنّ هذا يعني التخلي عن ورقة حماس، ويعني بذلك خسارة طهران للورقة الفلسطينية. وهي عملياً من أقوى ورقتين لديها. هذا فضلاً عن الاختلافات العميقة والجذرية القادمة والمتوقعة؛ إذ إنّه بعد هذه العملية العسكرية الكبرى والخسائر البشرية والاقتصادية الفادحة، ليس من المتوقع أن تقبل إسرائيل العودة إلى وضع ما قبل 7 تشرين الأول (أـكتوبر). فمن الصعوبة أن تقبل بذلك. وبالتالي ستشهد المنطقة إعادة ترتيب وتنظيم وهندسة".

تغيير إقليمي عميق

وهنا، يبدو، للوهلة الأولى، أنّ عدم تدخل إيران عبر "حزب الله" في الحرب هو خسارة الورقة الفلسطينية، والتدخل أيضاً سيكون خسارة مضاعفة لإمكانيات وأوضاع تشكلت في ظروف مغايرة من الناحية البشرية والاقتصادية والعسكرية، وفق جبور. في المحصلة، الأمر ليس سهلاً. وهناك سؤال آخر يطرح نفسه، والحديث للمصدر ذاته، حيث إذا تدخل "حزب الله" ماذا بمقدوره أن يفعل أو يقدم أصلاً؟ هل يمكن أن يوقف العملية العسكرية أو أن يبدل في المشهد العسكري؟ أقول: أكيد لا".

الدور الإيراني قد يجعل جبهات أخرى إقليمية على حافة الحرب، مع تحكم الحرس الثوري بعدّة مناطق في إقليم تطوقها بعناصرها الولائية، وتنظيماتهم الميليشياوية

ويرى الكاتب السياسي اللبناني أنّ إيران أمام "مأزق استراتيجي"، فالحرب القائمة "ليست من النوع الكلاسيكي والتقليدي" على مستوى المواجهة الميدانية أو حتى الأفق السياسي، مشيراً إلى أنّ "هذا المشهد يكشف عن تغيير واسع على مستوى المنطقة برمتها. وبالتالي، تدخل أو عدم تدخل حزب الله في الحرب لن يكون مؤثراً كثيراً في النتيجة الحتمية المقبلين عليها، وهي واقع التغيير الكبير والخطير بالشرق الأوسط. المطلوب حتماً هو أن يكون قرار الحرب بيد الدولة اللبنانية وتنحية اللبنانيين عن الحرب، أي إبعاد وعدم تكرار مشهد تموز عام 2006 عن لبنان".

مطلع الأسبوع الماضي، أعلنت حركة حماس في بيان أنّ رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بحثا خلاله تطورات القصف الإسرائيلي وسبل وقف الحرب في قطاع غزة.

وتزامن هذا الاتصال مع التحضيرات الجارية بشأن الاستعداد للهجوم البري المحتمل من إسرائيل على قطاع غزة، وقد حذرت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل من أنّ الوضع قد "يخرج عن السيطرة". فيما صرح وزير الخارجية الإيراني: "إذا لم توقف أمريكا وإسرائيل الإبادة الجماعية في غزة فإنّ كل الاحتمالات يمكن أن تقع".

وفي لقاء ثلاثي جمع نصر الله بالأمين ‏العام لحركة الجهاد في فلسطين زياد نخالة ونائب ‏رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، الأربعاء، تمّ الحديث حول عدة أمور أو بالأحرى هواجس تتعلق بمدى الخلاف داخل هذه الجبهة بشأن عدم مساندة حماس حتى النهاية، وكذا غياب زعيم حزب الله عن المشهد، وجاء في البيان أنّه "جرى تقييم ‏للمواقف المتخذة دولياً وإقليمياً وما يجب على أطراف محور ‏المقاومة القيام به في هذه المرحلة الحسّاسة لتحقيق انتصار ‏حقيقي في غزة ووقف العدوان".

إفشال المساعي العربية

وهدّد قائد الحرس حسين سلامي، الخميس، الجيش الإسرائيلي من شن هجوم بري على قطاع غزة، قائلاً إنّه إذا فعل "فسيُدفن فيها". وتابع: "الأمريكيون سيحترقون بالنار التي أشعلوها" في المنطقة. وقال نائب قائد الحرس الثوري، إنّه "إذا اجتاحت إسرائيل غزة فإنّ محور المقاومة سيرد".

شيار خليل: تجنُب التصعيد

إذاً، لا تبدو الصورة أو السيناريوهات واضحة بشأن احتمالية انخراط وتورط حزب الله في الحرب بغزة بين حماس وإسرائيل، كما يؤكد الكاتب السياسي السوري المقيم في باريس شيار خليل، الذي أبلغ "حفريات" بأنّ "قرارات الحزب غير متوقعة ومرتبطة بالطرف الإيراني الآمر الناهي لكل تحركاته على الأراضي السورية واللبنانية والعراقية والحدود الفلسطينية".

ويرى خليل أنّ الوضع الإقليمي وموازين القوى وحساباتها الراهنة ينبغي "ألا تتوقف عن تدقيق كل لحظة بشأن احتمالات التصعيد بين حزب الله وإسرائيل وبناء مقاربة واضحة؛ فالتداعيات ستكون عند مستوى خطير لا تتحمله المنطقة بحال من الأحوال" مطالباً  "الأطراف الدولية المعنية التحرك بشكل جدي للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وتجنب التصعيد الإسرائيلي ومزيد من الدماء بين المدنيين. وعلى إسرائيل بالدرجة الأولى التوقف عن الجرائم التي تقوم بها بحق المدنيين لخلق حالة من الهدنة والتوجه إلى حل ملف حركة حماس المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإيران، فهذه المنظمة لها أحلام عكس مطالب وطموحات الفلسطينيين تجاه قضيتهم المحقة على أرضهم ووطنهم".

الكاتب السياسي اللبناني شارل جبور لـ"حفريات" يتم توريط لبنان في الحرب، بدليل الارتباكات التي يشهدها مرفق المطار ودعوة السفارات رعاياها بمغادرة لبنان

وبالعودة إلى تحركات حزب الله الأخيرة والمرتبكة، يقول الكاتب السياسي السوري المقيم في باريس إنّه "خلال السنوات الماضية، لم تتوقف التهديدات الإيرانية، عبر أذرعها الإقليمية، وتحديداً حزب الله، ضد الجانب الإسرائيلي في حال أي تحرك عسكري، إلا أنّ ما شاهدنا كان عبارة عن توجيه بعض الضربات العسكرية والتحركات على الحدود مرتبطة بحشد المزيد من المناصرين للحزب. وهنا لا أتوقع بكل الأحوال أن يكون هناك أيّ تحرك من الحزب باتجاه إسرائيل إلا إذا تطورت الأمور وطلبت إيران منهم التدخل لإفشال المساعي العربية بخلق هدنة ومعالجة الأمور لصالح القضية الفلسطينية".

وبالمحصلة، فإنّ وجود حزب الله على الأراضي السورية واللبنانية والعراقية "لم يكن يوماً لصالح المدنيين في تلك البلاد، والكل على علم تام بأنّ حزب الله يسعى إلى تشتيت القضايا العربية لتحقيق المصالح الإيرانية بشكل تام ونهائي"، حسبما يقول خليل.

مواضيع ذات صلة:

حزب الله في مأزق... حملة دولية جادّة تلاحق ممولّيه.. ما الجديد؟

لبنان: تفاهم "مار مخايل" بين حزب الله والتيار الوطني على المحك

هل تطيح الثورة الإيرانية بحزب الله اللبناني؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية