ما هي أبرز الاختلالات والتناقضات في سياسة إيران الخارجية؟

ما هي أبرز الاختلالات والتناقضات في سياسة إيران الخارجية؟


08/03/2022

حدّد مركز الإمارات للسياسات في دراسة حديثة له مواطن الاختلالات والتناقضات في السياسة الخارجية لإيران.

وقال المركز: إنّ السياسة الخارجية الإيرانية تعاني من عدة تناقضات وإشكالات تكوّنت على مدى العقود الـ4 الماضية، نتيجة قِدَم القوانين والمبادئ التي تحكم هيكل وصلاحيات وزارة الخارجية، وتداخُل الصلاحيات بينها وبين مؤسسات أخرى، لافتاً إلى أنّ تلك التناقضات خلال العقد الأخير تمّت تحت وطأة تزايد دور وصلاحيات المؤسسات الأخرى في الشؤون الخارجية.

مركز الإمارات للسياسات: السياسة الخارجية الإيرانية تعاني من تناقضات وإشكالات تكوّنت نتيجة قِدَم القوانين، وتداخل الصلاحيات بين الخارجية ومؤسسات أخرى

واستندت الدراسة إلى حديث وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، الذي سُرِّب في نيسان (أبريل) الماضي (2021)، عن ازدواجية الدبلوماسية، والذي أدّى إلى تهميشه من الساحة السياسية في إيران، حتى تشكّلت قناعة عامة لدى كوادر وزارة الخارجية الإيرانية، والديبلوماسيين التكنوقراط والتقليديين بأنّ المجال الدبلوماسي في إيران أصبح ساحةً مستباحةً من جانب مؤسسات أخرى؛ ممّا أدى إلى انخفاض أثر الدبلوماسية الإيرانية في تحقيق مصالحها الوطنية.

وأضافت الدراسة: "ثمّة قناعة أخرى لدى الأوساط الدبلوماسية، خصوصاً في القطاعات الأكاديمية منها، بأنّ الكتلة الناشطة ضمن المجال الدبلوماسي من السفراء والعاملين ضمن القنصليات والبعثات، قد سبقهم الزمن، ولم يواكبوا آخر الأحداث والتطورات في المجال الدبلوماسي، كما أنّ ثمّة ضبابيةً تحكمهم في تحديد المصالح الوطنية، في ضوء انعدام رؤية جديدة، وخارطة معالم واضحة عن تلك المصالح، وفي ضوء انعدام المعرفة بالمفاهيم الجديدة في هذا المجال.

تشكّلت قناعة عامة بأنّ المجال الدبلوماسي في إيران أصبح ساحة مستباحة من جانب مؤسسات أخرى؛ ممّا أدى إلى انخفاض أثر الدبلوماسية في تحقيق مصالحها الوطنية

وأورد المركز البيان الصادر عن المجلس الاستشاري للسياسات الخارجية، الذي جاء تتويجاً للجهود المبذولة من قبل مراكز التفكير التابعة لوزارة الخارجية أو المتصلة بالشأن الدبلوماسي، لتوضيح نقاط ضعف المؤسسة الدبلوماسية الإيرانية، واقتراح مناهج ورؤوس أقلام لإصلاحها.

وبحسب المجلس، يكمن القلق المتزايد داخل الأوساط الدبلوماسية عن نتائج الازدواجية في الفعاليات الدبلوماسية بين وزارة الخارجية (بوصفها المسؤول التقليدي عن تسيير الشؤون الدبلوماسية) من جهة، والمؤسسات الثورية ومن ضمنها الحرس الثوري من جهة أخرى؛ ليضع رؤوس أقلام لتحديث المجال الدبلوماسي الإيراني على مدى الأعوام الـ5 المقبلة، التي يعتبرها رجال الدبلوماسية أعوام الفصل بين انهيار المؤسسة الدبلوماسية أمام المؤسسات المنافسة، وبين إعادة الاعتبار إليها.

يكمن القلق المتزايد داخل الأوساط الدبلوماسية عن نتائج الازدواجية في الفعاليات الدبلوماسية بين وزارة الخارجية والمؤسسات الثورية، ومن ضمنها الحرس الثوري

وقد نصّ البيان الصادر عن "المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية"، بوصفه مركز تفكير على صلة بوزارة الخارجية الإيرانية، عبر عقود عمل مشتركة مع مكتب الدراسات التابع للوزارة، ويديره الدبلوماسي المخضرم إبراهيم رحيم بور، الذي كان يشغل حتى العام الماضي منصب مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون آسيا وأوقيانوسيا، ويشغل منصب المفوض الإيراني في شؤون بحر قزوين، ويُعتبر شخصية ذات نفوذ واعتبار في السلك الدبلوماسي الإيراني، نصّ البيان على أنّه في ضوء مبادئ الثورة الإسلامية أسّست السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على بنيان "لا شرقية ولا غربية" خلال فترة ثنائية الاشتراكية/ الرأسمالية، وإثر انهيار تلك الثنائية بفعل انهيار النظام السوفييتي كان الأساس هو "العزة والحكمة والمصلحة" في ظلّ قيادة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي.

وتقوم السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية على أسس؛ من أهمها إشراف المرشد، والدستور، وقانون واجبات وزارة الخارجية (المقرر عام 1985)، وقانون تنظيم التوظيف والإدارة المالية (المقرر عام 1972)، واستناداً على ذلك فإنّ على السياسة الخارجية الإيرانية من أجل أن تنال مزيداً من النجاح أن تولي اهتماماً بالإلزامات التاليةإحداث تغييرات أساسية في البنية الهيكلية لوزارة الخارجية يكون التوزيع الإداري فيها على أساس المناطق الجغرافية، لا على أساس الموضوعات، واستبدال مركزية الأفراد بمركزية المناصب والمسؤوليات ضمن التنظيم الداخلي لوزارة الخارجية والسفارات والقنصليات والبعثات لدى المنظمات الدولية، (بحيث تكون التراتبية الإدارية مصدراً للسلطة بدلاً عن النفوذ الشخصي)، بالإضافة إلى إخراج مهمّة التوظيف في وزارة الخارجية من كليّة العلاقات الدولية بوصفها القناة الوحيدة الآن لتوظيف الدبلوماسيين، وجعل هذه الكليّة موقعاً أساسياً لتعليم الكوادر، وإقامة دورات تعليم للعاملين في السلك الدبلوماسي الإيراني.

وشدّد البيان على إيفاد أقوى السفراء وأكثرهم حنكة وتجربة إلى الدول الـ(15) المجاورة لإيران، فهذا سيكون له دور كبير في التغلب على هذه الازدواجية، وضخ مزيد من الوعي إلى العلاقات الخارجية، والاقتراب من العالم الإسلامي، التي تُعدّ من أهم محاور الوحدة الإسلامية، والعودة إلى تجربة السفراء طيلة العقود الـ4 المنصرمة، واستخدامها في تقديم رؤية جديدة لخارطة المصالح المشتركة وأولويات التقارب مع العالم الإسلامي، بعيداً عن الرؤية التقليدية التي حكمت السياسة الخارجية للنظام الإيراني في بدايات عهد الثورة الإسلامية.

"المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية": يجب إحداث تغييرات أساسية في البنية الهيكلية لوزارة الخارجية، وإيفاد أقوى السفراء وأكثرهم حنكة وتجربة إلى الدول المجاورة

وأضاف  "المجلس الاستشاري للسياسة الخارجية" أنّ على النظام التفكير في وضع أجهزة خاصة بـ"استشراف المستقبل" و"سياسة الطاقة" في جهاز وزارة الخارجية الإيرانية، بالإضافة إلى إعادة وضع معالم السياسة الخارجية على أساس الجغرافية العالمية" في مؤسسة وزارة الخارجية الإيرانية، لتكون مدخلاً واضحاً إلى إعادة تدوين السياسات والاستراتيجيات الإقليمية تجاه أيّ من البلدان، وإعادة رسم معالم خريطة العلاقات والأولويات ضمن المجال الدبلوماسي الإيراني. وسيحتاج ذلك إلى مراجعة سجل العلاقات مع كلّ من هذه البلدان، وتجاه أيّ من التكتلات الإقليمية بناء على تجارب السفراء والأكاديميين وخبراء السياسة الخارجية. ومن المفترض أن يتمّ تكليف مركز الدراسات التابع لوزارة الخارجية الإيرانية بالقيام بمثل هذا الدور، إلى جانب مراكز التفكير الأخرى التي تحظى بثقة النظام السياسي الإيراني.

وشدد المجلس أنّه يجب استخدام الدبلوماسية الاقتصادية، لا بوصفها مجرّد جهاز من أجهزة البنية الهيكلية الإدارية، وإنّما باعتبارها منسِّقاً عامّاً للعناصر الاقتصادية المؤثرة في العلاقات الإيرانية مع الأطراف المختلفة، يتمّ في ضوئها إعادة رسم الأولويات في العلاقات الثنائية بين إيران والبلدان الأخرى، ورسم أولويات الانضمام إلى التكتلات الدولية. ومن المفترض أن يكون نائب رئيس الجمهورية مُشرفاً على تطبيق الدبلوماسية الاقتصادية في حلتها الجديدة الشاملة.

على النظام التفكير في وضع أجهزة خاصة بـ "استشراف المستقبل" و"سياسة الطاقة" في جهاز وزارة الخارجية الإيرانية

كما ينبغي إعادة النظر بصورة أساسية في حيثيات حضور إيران في المنظمات الدولية، وحيثيات التعامل مع المعايير الازدواجية على صعيد الإرهاب وحقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية وغيرها. ومن المهم جداً أن تكون وزارة الخارجية المحور الأساسي في الإصلاحات تلك، وفق المجلس.

المجال الحضاري لإيران الثقافية، والعمل على انسجام الدول المنطوية تحت مظلة هذا المجال الحضاري من القوقاز حتى شبه القارة الهندية، يُعتبران من أهمّ الميزات والأفضليات لبلدنا، في سياق الترويج الحضاري والعمل على توسيع الدبلوماسية والنفوذ، شريطة أن يتمّ ذلك في إطار استراتيجية عامة تشرف عليها وزارة الخارجية الإيرانية بوصفها المسؤول عن رسم معالم العلاقات الخارجية الإيرانية. ومن أفضل المسالك في هذا الاتجاه العمل على إنشاء مؤسسات صداقة يشارك فيها السفراء والمستشارون الثقافيون إلى جانب المثقفين والأكاديميين من أجل العمل على تمتين الأواصر بين الشعوب.

وأوصى المجلس بوضع أمانة عامة للدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، وبإقحام أجهزة أخرى من ضمنها وزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة ومنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية وهيئة الإذاعة والتلفزيون في العمل ضمن إطار هذه الأمانة لتطوير مجال الدبلوماسية العامة.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية