لماذا يبدو دعم أردوغان لحماس محفوفاً بالمخاطر؟

لماذا يبدو دعم أردوغان لحماس محفوفاً بالمخاطر؟

لماذا يبدو دعم أردوغان لحماس محفوفاً بالمخاطر؟


كاتب ومترجم جزائري
07/01/2024

 ترجمة: مدني قصري 

دفعت هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) التي نفذتها حركة حماس في إسرائيل معظم دول المنطقة إلى إعادة النظر في علاقاتها مع تل أبيب. وهي حال تركيا أيضاً، التي أصبحت سياسة التقارب مع إسرائيل موضع شك بسبب موقف التضامن مع فلسطين الذي يتبناه الرئيس رجب طيب أردوغان.

بعد أن كان ردُّ فِعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) يتسم بضبط النفس والاعتدال على الهجمات التي نفذتها حماس، ودعوة الطرفين إلى الحوار لإيجاد حل دبلوماسي فقد أجبَر عنفُ الأعمال الانتقامية الإسرائيلية تركيا على تبني موقف أكثر انتقاداً. لقد تلاشت طموحات الوساطة التي حملها الرئيس التركي. وقد وصف حركة حماس بأنها "منظمة تحرير وطني تناضل من أجل حرية الشعب الفلسطيني". كيف يمكننا تفسير هذا التحوّل؟

 تركيا بأكملها سوف تعاني من أزمة جديدة مع الغرب

منذ مأزقها في سوريا تحاول أنقرة الخروج من عزلتها من خلال تطبيع علاقاتها مع عدد من جيرانها ودول المنطقة مثل أرمينيا ومصر، ولكن أيضاً مع إسرائيل التي تعود القطيعة معها إلى عام 2010. لقد كانت هناك حاجة ماسة للتعاون مع تل أبيب. في الواقع بلغ حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل ما يزيد قليلاً عن 10 مليارات يورو في عام 2022. وفي قلب تعاونهما توجد قضيةُ غاز البحر الأبيض المتوسط. لقد خططت أنقرة للمشاركة في بناء خط أنابيب غاز بحري لنقل الغاز الإسرائيلي من حقل ليفياثان إلى الأراضي التركية. كما خططت تركيا لشراء جزء من هذا الغاز للاستخدام المحلي وتصدير جزء منه إلى أوروبا. وعلى صعيد السياحة فما انفك عددُ السياح الإسرائيليين يتزايد منذ عدة سنوات، حيث وصل إلى 560 ألفاً عام 2022، وهو ما تستفيد منه شركة الخطوط الجوية التركية التي كانت تقوم عشية الأزمة بـ 10 رحلات يومياً بين تل أبيب واسطنبول. وكانت سياسة التقارب هذه على وشك النجاح، وهو ما يفسر ضبط النفس التركي في ردود الفعل الأولية. ألم يجتمع الرئيس أردوغان في سبتمبر 2023، في نيويورك لأول مرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي تم الإعلان عن زيارته لأنقرة في أيلول (سبتمبر) أو كانون الأول (أكتوبر)؟ فالحال أنّ كل هذه الجهود قد دُمِّرت.

 

كان أردوغان يتصرف دائماً بذريعة الاهتمام بمصالح العالم الإسلامي، وقد دفعته وحشية القصف العشوائي للجيش الإسرائيلي إلى الانخراط في معسكر الفلسطينيين

 

وفي إطار سياسة التطبيع الإقليمية كانت تركيا قد شجعت جماعةَ الإخوان المسلمين المنفية، من المصريين وغيرهم من رعاياها ــ بما في ذلك حماس ــ على ممارسة أنشطتهم على الأراضي التركية بكامل الحرية. وجاءت مفاجأة الهجوم وعنفه بمثابة إهانة لأنقرة. فمن خلال تفضيله لمصالح تركيا العليا، التي تعتمد على إقامة علاقة سلمية مع إسرائيل اختار أردوغان في البداية الاعتدال والوساطة، لحد أنها طلبت من بعض المسؤولين التنفيذيين في حماس مغادرة تركيا.

معايير الغربيين المزدوجة

ولكن بعد فشل كل دعوات التهدئة، مثل المحاولات التركية لتحرير الرهائن، ووصول عنف رد الفعل الإسرائيلي إلى أبعد الحدود، غيرت السلطات موقفها بالكامل، ولا سيما مع التصريحين المدوّيين اللذين أصدرهما الرئيس أردوغان. ففي 24 تشرين الأول (أكتوبر) أكد في خطابه أمام مؤتمر حزب العدالة والتنمية، وسط تصفيق النواب الدائمين، أنّ "حماس ليست منظمة إرهابية، بل هي مجموعة من المجاهدين الذين يدافعون عن أراضيهم. إنّ استخدام هذه الكلمة ليست مجرد كلمة بلا دلالة. إنّ رفع مقاتلي حماس إلى رتبة "المجاهدين"، المنخرطين في الحرب المقدسة، يتيح لنا  قياس المحتوى الرمزي لمواقف أردوغان.

ولتأكيد عناده، بعد مرور أربعة أيام، هاجم الرئيس أيضاً الغربيين، الذين اتهمهم "بالمعايير المزدوجة والتواطؤ في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين". ومع ذلك، فإنّ اتخاذ مثل هذا الموقف الصارم قد يجرّ تركيا إلى عواقب وخيمة على المدى القصير والمتوسط، مما يثير تساؤلات حول التطبيع مع إسرائيل ويثير غضب الغرب. إنّ سلوك أردوغان المتقلب وغير المتوقع، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، ليس من السهل تمييزه أبداً.

 

يوصَف أردوغان بأنه يحمل شخصية معقدة ومزدوجة، فمن ناحية منفتحة وواقعية، ومن ناحية أخرى أيديولوجية وعقائدية. فهو عالق بين طموحاته الشخصية وقيمه الأيديولوجية

 

التفسير الأوّل هو أنّ أردوغان، الذي يدافع علناً عن حماس، يخضع لطبيعة مكبوتة في داخله، الراسخة في قلب التشدد الإسلامي. غالباً ما يوصَف بأنه يحمل شخصية معقدة ومزدوجة، فمن ناحية منفتحة وواقعية، ومن ناحية أخرى أيديولوجية وعقائدية. فهو عالق بين طموحاته الشخصية وقيمه الأيديولوجية، لذا فهو يتأرجح بين هذين النقيضين. ومن سعيه للزعامة في المنطقة انتهى به الأمر إلى الاستسلام لطبيعته العميقة. لكن هذا التفسير النفسي السياسي غير كاف على الإطلاق.

حسابات السياسة المحلية

تفسيرٌ آخر يأتي من المنطق الجيوسياسي. وهكذا، في الفترة ما بين 7 و24 تشرين الأول (أكتوبر)، ومع ملاحظة تطور الوضع على الأرض وردود الفعل التي يثيرها في المنطقة وخارجها، كان أردوغان يراهن، من أجل مصلحة بلاده، على توجيه انتقادات لاذعة للأعمال الانتقامية الإسرائيلية، والهدف هو وضع تركيا في موقع الصدارة في العالم الإسلامي. وهنا أيضاً الحجة ليست مقنعة جداً.

ويستند التفسير الثالث الذي قدّمه العديد من الصحفيين في تركيا إلى رواية حول دور الوسيط الذي  رُفِض لأردوغان، الذي كان بسبب الإحباط او الغيرة سيقلب الطاولة، لجذب الانتباه والظهور على الساحة الدولية. وهذا التفسير المرتبط بجنون العظمة وحده لا يكفي لتسليط الضوء على سلوك الرئيس.

وأخيراً، هناك تفسير رابع، يتعلق بالحسابات السياسية المحلية والاعتبارات الانتخابية (وهو الموضوع الذي كان أردوغان أستاذاً فيه سابقاً) ويستحق أن يؤخذ في الاعتبار. فالانتخابات البلدية تلوح في الأفق، مبدئياً في ربيع 2024، وهو يوليها أهمية لا تقل عن الانتخابات الوطنية، خاصة وأنّ المخاطر كبيرة هذا العام، حيث إنّ الأمر يتعلق بإعادة كسب المدينتين، إسطنبول وأنقرة، اللتين خسرهما أمام المعارضة في عام 2019. إنّ تعزيز صورته الدولية قد يتيح له الحصول على بضعة صناديق من الأصوات، مع العلم أّنّ السكان لديهم حساسية كبيرة تجاه القضية الفلسطينية. ومع ذلك، يجب أيضاَ وضعُ وجهة النظر هذه في منظورها الصحيح. من المؤكد أنّ السكان يتضامنون مع فلسطين، لكنهم أيضاً قلقون للغاية بشأن هشاشة الاقتصاد الذي يعتمد على العلاقات الجيدة مع إسرائيل والدول الغربية، والذي سيعاني كثيراً من توترات جديدة.

التطرف الإسرائيلي

وكما هو الحال في كثير من الأحيان يحاول المحللون فهْم مواقفِ أردوغان وقراراته من خلال وضعه في موقع مركزيٍّ للغاية، أي عن طريق عزله عن السياق الذي يجد نفسه فيه، ونسيان قياس تصرفاته ضد منافسيه أو شركائه، أو بكل بساطة بالتقليل من ميل الرئيس التركي إلى الفِعل ورد الفعل وفقاً لتطور وضعٍ سياسي معيّن.

لذلك، إذا كانت كل هذه الفرضيات تسلط الضوء فقط على جانب محدود من استراتيجية أردوغان السياسية فكيف يمكننا أن نفهم تغيّر موقف الرئيس التركي؟ فمن دون أن تكون هذه التفسيرات خاطئة تماماً فهي تتجاهل موقف إسرائيل بعد الهجمات وتطرف سياستها في غزة. فبعد أن تلقت من الغرب شكلاً من أشكال الشيك الانتقامي على بياض كان رد فعل إسرائيل مفرطاً وغير متناسب. وقد أعقبت الدهشةَ إداناتٌ ضعيفة قائمة على الانتظار والترقب. يبدو أنّ إسرائيل مترددة بين التوغل والاحتلال والاستعمار في قطاع غزة، إلا أنّ مصير غزة وسكان غزة لا يزال غير مؤكد. وكانت شدة التفجيرات وارتفاع عدد القتلى الأبرياء سبباً في إحداث صدمة انفعالية عالمية، جمعت بين العجز والسخط، وخاصة في العالم الإسلامي. كما عزّزت هذه الصدمة الوحدةَ والتضامن. ثم إنّ دعم الغرب غير المشروط تقريباً لإسرائيل، والذي يُنظر إليه في الوعي الجمعي للعالم الإسلامي باعتباره تحالفاً يهودياً مسيحياً ضد الفلسطينيين والعالم الإسلامي، كاد أن بفرض شكلا من أشكال الولاء على العديد من الزعماء المسلمين.

فجوة بين تصوّرين

كما أنّ حقيقة أنّ معظم وسائل الإعلام والمثقفين في العالم الغربي قد تبنت قضية الدفاع عن إسرائيل ما انفكت تعمّق كل يوم الفجوةَ بين هذين التصورين للصراع ومسار العالم. ومع ذلك، كان أردوغان يتصرف دائماً بذريعة الاهتمام بمصالح العالم الإسلامي، وقد دفعته وحشية القصف العشوائي للجيش الإسرائيلي إلى الانخراط في معسكر الفلسطينيين.

لكن هذه الاختيارات لا تخلو من عواقب. كانت صورة أردوغان قد تحسنت إلى حد ما لدى شركائه الغربيين بفضل الحرب في أوكرانيا حيث لعب دور الوساطة، ولا سيما بفضل اتفاق الحبوب. لقد بدا عملياً ودبلوماسياً، وأضحى شخصاً لا غنى عنه تقريباً. إنّ موقفه الجديد المؤيد للفلسطينيين سوف يُفقده جزءاً كبيراً من هذه المصداقية المستعادة، ويصبح مرة أخرى في نظر الغربيين رجلا شعبوياً سريع الغضب، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته. ولم تؤدِّ زيارته الرسمية إلى ألمانيا في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، حيث كرر قناعاته، إلا إلى تعزيز هذا التصور.

والأخطر من ذلك أنّ تركيا بأكملها سوف تعاني من أزمة جديدة مع الغرب. إنّ مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي قد بدأت تبتعد أكثر فأكثر. في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) أصدرت المفوضية الأوروبية تقريرها السنوي حول توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل عدة دول مرشحة. وإذا كانت كل الأنظار موجهة نحو أوكرانيا، ومولدوفا، بل وحتى جورجيا، فلم يرد ذكر تركيا بتاتاً. وأخيراً ستكون الأزمة مع الولايات المتحدة أكثر حدة وسوف تُعطِّل بلا شك سياستَها الرامية إلى تحسين العلاقات مع أنقرة. وبالتالي، فإنّ رفع الحظر على مبيعات الأسلحة، وخاصة تسليم طائرات إف-16، مهدّد بالتباطؤ، في حين أنّ تركيا بحاجة ماسة إلى اللحاق بالركب في مجال الطيران. ومع ذلك، في هذا الشأن، لا تزال أمام تركيا فرصة للحصول على الضوء الأخضر من الكونجرس. في الواقع، لم يحصل انضمام السويد إلى نادي الناتو بعدُ على موافقة البرلمان التركي الذي يماطل، لإعطاء أردوغان المزيد من الحرية في سياسته تجاه الغرب. ومن دون تسليم طائرات إف-16، يبدو من غير المرجح أنّ يجد البرلمان التركي الوقت في جدول أعماله لتخصيص جلسة لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي.

نظام عالمي جديد

وأخيراً، فإنّ التأثير الأكثر ضرراً هو التوقف الكامل لعملية التطبيع مع إسرائيل. ورغم أنّ سنوات من الجهود التي بذلها الجانبان أدّت أخيراً إلى التقارب بين البلدين فإنّ موقف أردوغان يعمل مرّة أخرى على تعطيل العملية، ولا شك أنّ الاقتصاد التركي هو الذي سوف يعاني. وبطبيعة الحال فإنّ قطع العلاقات الدبلوماسية لن يوقف التجارة، بل قد يؤدي إلى إبطاء نموّها بشكل خطير. أمّا مشروع التعاون الكبير في مجال استثمار حقول الغاز الإسرائيلية الجديدة عبر تركيا في اتجاه أوروبا فقد يكون من الصعب جداً التفاوض بشأنه.

ومع ذلك، حتى لو كانت آثار هذا الموقف جد ضارة على المدى القصير فقد سلطت الأزمة الضوء على الصدوع في النظام الدولي التي لم يعد الغرب المؤيد لإسرائيل سيّدَه الوحيد. يتعارض الدعم الغربي الإجماعي لإسرائيل مع "الجنوب العالمي" ويبدو اليوم أنه يشكل أقلية في هذا الشكل الجديد من القطبية الثنائية. وبالتالي فإنّ خيار عدم الثقة إزاء الغرب المتدهور قد ينبئ بخيار أكثر تبصراً من جانب تركيا لِنمو جنوبٍ يطمح إلى السيادة وإلى استقلال أكبر يمكن لتركيا أن تحتل فيه مكاناً مهمّاً.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://orientxxi.info/magazine/turquie-le-soutien-hautement-risque-du-president-erdogan-au-hamas,6940

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية