كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟

كيف نقرأ زيارة رئيس الحكومة العراقية إلى سوريا؟


18/07/2023

تضمن المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس السوري بشار الأسد خلال استضافته رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي يزور دمشق على رأس وفد اقتصادي وعسكري وأمني، جملة من العبارات الدبلوماسية التي تؤكد على الأخوّة العراقية السورية، ومتانة العلاقات الثنائية بين بغداد ودمشق، وبمرجعيات العروبة والإسلام، وأنّه تم بحث العديد من القضايا موضع الاهتمام المشترك، بما فيها من عناوين سياسية تؤكد على وحدة أراضي الدولة السورية ومواجهة الإرهاب وتهريب المخدرات، وتعاون اقتصادي مأمول قد يصل إلى إعادة العمل بأنبوب النفط العراقي من كركوك العراقية إلى بانياس السورية على البحر المتوسط، وعسكري وأمني بين البلدين، يترجم مفهوم الأمن المشترك ومواجهة الإرهاب العابر للحدود بين البلدين، بالتزامن مع إجراءات أخرى لمواجهة تهريب المخدرات، كما تم التأكيد على المواقف المشتركة المتضمنة رفض الإجراءات التركية الخاصة بخفض حصص المياه السورية والعراقية في نهر الفرات. وبعيداً عن هذا الخطاب المفعم بعبارات دبلوماسية تتراوح ما بين أمنيات ورسائل معلنة وأخرى مشفرة موجهة لأطراف فاعلة في الملفين السوري والعراقي، فإنّ سياقات هذه الزيارة وتوقيتها، بمرجعية التطورات التي يشهدها الإقليم، تشير إلى أنّها جاءت في ظل:

أوّلاً: العلاقات الإيرانية مع بغداد ودمشق

تنخرط الحكومتان "السورية والعراقية" في تحالف تقوده إيران ومن بين أعضائه حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين اليمنية، يُعرف بـ "جبهة الممانعة العربية والإسلامية"، وعليه من المؤكد أنّ القيادة الإيرانية، صاحبة اليد الطولى في العراق عبر الحشد الشعبي العراقي وعلاقاتها مع منظومة الحكم في العراق، كانت موضوعاً يتراوح تموضعها ما بين كونها تشكل غطاء لهذه الزيارة وأنّ مخرجاتها ستصب في صالح استراتيجية القيادة الإيرانية، الهادفة لتأمين الربط بين طهران، بغداد ثم دمشق ومنها إلى بيروت، أو أنّ القيادة الإيرانية كانت موضوعاً للزيارة ومن بين أهدافها، باتجاه إنهاء الوجود العسكري والتأثير السياسي والاقتصادي الإيراني على سوريا وفيها، عبر الميليشيات التابعة لها، وسيطرتها على مفاصل اقتصادية في سوريا.

تم بحث العديد من القضايا موضع الاهتمام المشترك

ثانياً: العلاقات العربية السورية

تأتي الزيارة في سياق انفتاح عربي تم تتويجه بقرار القمة العربية التي عقدت في السعودية في أيار (مايو) الماضي، يتضمن ما أصبح يُعرف بمقاربة "الخطوة بخطوة" بالانفتاح على الحكومة السورية، وهو ما أكده السوداني قبل بدء الزيارة، غير أنّه من غير الواضح مدى كون الزيارة جاءت بهذا السياق أو أنّها ترجمة له، فهل بغداد ملتزمة بـ "الخطوة بخطوة" مع دمشق، أم أنّها ومعها دمشق منخرطتان في المشروع الإيراني في المنطقة؟ ويبرز هنا ما تردد في تسريبات عراقية أنّ السوداني نقل رسالة سعودية لدمشق مفادها أنّ الرياض والدول العربية ستعمل ضمن خطة تتضمن إنهاء التدخل الخارجي في سوريا والمتمثل بتدخلات أنقرة والتحالف الغربي بقيادة واشنطن، مقابل خطوات سورية جادة بإنهاء التدخل الإيراني، وهو ما سيفضي لتحقيق مطلب عربي وسوري بخروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية.

ثالثاً: التصعيد بين أمريكا وإيران فيما يُعرف بشرق الفرات

لعل الحقيقة المؤكدة على هذا الصعيد، أنّه لا يمكن عزل زيارة السوداني إلى دمشق عن تطور بارز يتمثل بتصعيد غير مسبوق بين روسيا ومعها إيران من جهة، مع قيادة التحالف بقيادة واشنطن في مناطق شرق الفرات من جهة أخرى، فروسيا وإيران تتبنيان مشروعاً شرق سوريا يتضمن استنزاف القوات الأمريكية واستنساخ النموذج العراقي في مقاومة التواجد الأمريكي عبر المقاومة، بما فيها من تطورات باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة واستقطاب العشائر وأهالي المناطق التي تتواجد بها القوات الأمريكية، فيما بدأت ملامح مشروع أمريكي يستهدف السيطرة على كل مناطق شرق الفرات من شمال شرق سوريا "المناطق الكردية" مروراً بدير الزور حيث الغالبية العربية وصولاً للمثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، وهو ما يفسر التعاون المستجد بين القوات الأمريكية وتشكيلات عسكرية من العشائر العربية التي ظلت تشكو من السيطرة الكردية على شرق الفرات، والتوسع في تزويد القواعد الأمريكية بأسلحة جديدة من بينها منظومات صواريخ "هيمارس"، علاوة على احتكاكات بين طائرات أمريكية مسيّرة وطائرات سلاح الجو الروسي في سوريا.

 وعليه، فإنّ زيارة السوداني غير معزولة عن ضغوط أمريكية تمارس عليها لتفكيك فصائل الحشد الشعبي العراقي بما توفره من غطاءات للحرس الثوري الإيراني وفصائل شيعية "زينبيون وفاطميون"، وتسهيل خطوط الإمداد والدعم اللوجستي الذي يقدمه الحشد لهم في سوريا، وهي ضغوط ربما استجابت لها الحكومة العراقية في إطار اتفاق إيراني ـ أمريكي كان من بين نتائجه اتفاق النفط العراقي مقابل إمدادات الغاز الإيراني للعراق، وإفراج بغداد عن مليارات الدولارات من مستحقات ديون إيرانية على العراق.

زيارة السوداني غير معزولة عن ضغوط أمريكية تمارس عليها لتفكيك فصائل الحشد الشعبي العراقي

وفي الخلاصة؛ فإنّ المعطيات السابقة، التي تشكل السياقات التي تمّت بها هذه الزيارة، تشكل مفاتيح لفهم الزيارة دون الوصول إلى حقائق مؤكدة حول ما تم الاتفاق عليه، وما هي ردود الرئيس السوري على المطالب التي نقلها السوداني، سواء ما يتعلق منها بمطالب سعودية والترجمات المطلوبة لمقاربة الخطوة بخطوة، أو لجهة المطالب الأمريكية حول ضبط تحركات وكلاء إيران واستثمار الفوضى الأمنية في مناطق الحدود السورية ـ العراقية، وهو ما يعني أنّ نتائج الزيارة ستبقى في إطار رهانات على استجابات سورية محتملة، لكنّ مرجعياتها ستبقى بالضرورة روسية وإيرانية، في إطار تحالف دمشق مع طهران وموسكو، والترويج عبر خطابات مكثفة بأنّ كل ما نشهده من انفتاح عربي وإقليمي على دمشق إنّما يشكل دليلاً على انتصار محور المقاومة، وهو انتصار موضع تساؤلات كبيرة تجيب عليها تطورات ما بعد وقبل هذا الانفتاح، وهو ما يطرح مجدداً تساؤلات حول مقولات تم التأكيد عليها أكثر من مرّة في المؤتمر الصحفي الذي عقد بنهاية الزيارة بين الرئيس بشار ورئيس الحكومة العراقية حول المرجعية القومية العربية بين البلدين.

مواضيع ذات صلة:

توترات في سماء سوريا بين موسكو وواشنطن... ما الدلالات والرسائل؟

عودة سوريا إلى الجامعة العربية والتقارب مع تركيا... الإخوان يعيشون أسوأ أيامهم

الإخوان في سوريا: إدانة العرب والتبرير لتركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية