قتل وغضب ومواجهات... من يُحرّك ملف المهاجرين الأفارقة في تونس؟

قتل وغضب ومواجهات... من يُحرّك ملف المهاجرين الأفارقة في تونس؟

قتل وغضب ومواجهات... من يُحرّك ملف المهاجرين الأفارقة في تونس؟


06/07/2023

عقب أشهر من التوترات المتزايدة في مدينة صفاقس بجنوب شرق تونس، التي تحولت إلى نقطة انطلاق أساسية لقوارب المهاجرين القاصدين السواحل الأوروبية، شهدت المدينة اشتباكات دامية بين سكان محليين ومهاجرين أفارقة، أدت إلى سقوط قتيل تونسي مساء الإثنين الماضي.

الحادثة فجّرت الأوضاع الأمنية غير المستقرّة بطبعها، إذ لم تهدأ وتيرة العنف منذ مطلع الأسبوع الجاري، فبعد تشييع التونسي الذي قتل خلال اشتباكات مع مهاجرين أفارقة، عادت دعوات الترحيل لتملأ صفحات مواقع التواصل التونسية، ممّا أثار المخاوف من تجدد العنف. 

وكان الضحية، من مواليد 1982، قد قتل طعناً خلال اشتباكات اندلعت بين عدد من أبناء المدينة، التي أصبحت معبراً نحو أوروبا، ومهاجرين أفارقة (جنوب الصحراء)، على خلفية التوترات الشديدة التي تشهدها تونس عموماً وصفاقس خصوصاً بسبب قضية الهجرة.

غضب ومواجهات

وتقع مدينة صفاقس على بعد نحو (270) كيلومتراً جنوب تونس العاصمة، وقد شهدت الثلاثاء مقتل شاب تونسي على يد عدد من المهاجرين الأفارقة، ممّا أثار سيلاً من ردود الفعل الغاضبة المطالبة بطرد المهاجرين غير القانونيين من المدينة.

وصفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية، هي نقطة انطلاق لعدد كبير من عمليات العبور غير القانونية للمهاجرين غير النظاميين نحو السواحل الإيطالية.

الحادثة فجّرت الأوضاع الأمنية غير المستقرّة بطبعها

وتجمّع المئات من السكان في عدة أحياء بهذه المدينة الساحلية وفي الشوارع طوال الليل مطالبين بمغادرة جميع المهاجرين غير القانونيين على الفور.

وأغلق البعض الشوارع، وأضرموا النار في إطارات مطاطية للتعبير عن غضبهم بعد مقتل مواطن يبلغ من العمر (41) عاماً طعناً في صدامات ليل الإثنين مع مهاجرين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عناصر شرطة وهم يطردون العشرات من المهاجرين من منازلهم وسط هتافات سكان المدينة، قبل تجميعهم في سيارات الشرطة.

شهدت المدينة اشتباكات دامية بين سكان محليين ومهاجرين أفارقة، أدت إلى سقوط قتيل تونسي

 

كما أظهرت مقاطع أخرى مهاجرين على الأرض وأيديهم على رؤوسهم ومحاطين بعدد من السكان في انتظار وصول الشرطة لتسلّمهم.

ورفع محتجون لافتات تعبّر عن قلقهم مثل "لماذا صفاقس" و"صفاقس تستغيث" و"نعيش معاً لكن نعيش في سلام". وانتقد آخرون المفاوضات التي تديرها السلطة مع الاتحاد الأوروبي، وحمل محتج لافتة عليها عبارة "المساعدات الأجنبية حصان طروادة النفوذ الأجنبي".

ويحتج سكان صفاقس بانتظام على وجود المهاجرين غير القانونيين في مدينتهم مطالبين برحيلهم. وغالباً ما تقع اشتباكات سواء كلامية أو جسدية في الأحياء الشعبية من المدينة حيث يقيم المهاجرون.

مؤامرة خارجية لتوطين المهاجرين الأفارقة؟

ويتمسّك الرئيس التونسي برفضه أن "تصبح البلاد منطقة عبور أو أرضاً لتوطين الوافدين الأفارقة عليها"، ولا تقبل كذلك أن تكون حارسة إلا لحدودها.

وأضاف: "هناك شبكات إجرامية على الدولة التونسية تفكيكها، وهناك قرائن عديدة دالة كلها على أنّ هذا الوضع غير طبيعي".

وتابع سعيّد: "كيف يقطع هؤلاء الوافدون على تونس آلاف الكيلومترات ويتجهون إلى مدينة بعينها (صفاقس) أو إلى حيّ بعينه؟ فهل يعرفون هذه المدن أو الأحياء وهم في بلدانهم؟ وهل هؤلاء مهاجرون أو مهجّرون من قبل جماعات إجرامية تتاجر ببؤسهم وبأعضائهم، وتستهدف قبل هذا وذاك السلم الأهلي في تونس؟".

أظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عناصر شرطة وهم يطردون العشرات من المهاجرين

 ودعا الرئيس التونسي إلى "ضرورة فرض احترام القانون على من يستغل هؤلاء البؤساء في تونس"، محذراً من أنّ تأجير المنازل للأجانب يقتضي إعلام السلطات الأمنية، كما أن التشغيل يخضع للتشريعات التونسية".

 وتابع سعيّد مؤكداً أنّه "لا مكان في مؤسسات الدولة لمن يسعى لتفكيكها والمسّ بأمنها القومي، ولا مجال للتسامح مع من يدبّر لتأجيج الأوضاع ويقف وراء الستار".

ولفت إلى أنّه "لا يكاد يمرّ يوم واحد إلا وتُختلق معه أزمة، ولوبيات الفساد التي ما زالت تعربد لا مكان لها في مؤسسات الدولة، ولا مكان لمن يخدمها ويهيئ لها الأوضاع حتى تستمر في غيّها وفسادها".

 وقدّم الزعماء الأوروبيون حزمة استثمارية كبيرة، ووعدوا ببذل جهود دبلوماسية لمساعدة تونس في الحصول على قرض بقيمة (1.9) مليار دولار من صندوق النقد الدولي لتمكينها من تخفيف أزمتها المالية الحادة.

غالباً ما تقع اشتباكات سواء كلامية أو جسدية في الأحياء الشعبية من المدينة حيث يقيم المهاجرون

 

 لكنّ الرئيس سعيّد قال: إنّ تونس لا تريد أن تلعب دور الحارس المتقدم للسواحل الأوروبية، ويطالب بمؤتمر يجمع دول المنطقة بشمال وجنوب المتوسط ودول الساحل والصحراء من أجل التوصل إلى حل جماعي.

 وتعيش تونس أزمة معقدة مترتبة على الوضع الاقتصادي الصعب، وتفاقمها موجات الهجرة غير الشرعية المتزايدة، في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي لتحويلها إلى منطقة عازلة.

تنديد حقوقي 

وشجبت (23) منظمة غير حكومية محلية ودولية في بيان مشترك "خطاب الكراهية والترهيب ضد المهاجرين (من أفريقيا جنوب الصحراء) المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يساهم في التعبئة ضد الفئات الأكثر ضعفاً، ويؤجج السلوك العنيف ضدهم".

 واستنكرت شخصيات ومنظمات حقوقية طرق التعامل مع المهاجرين، محمّلة السلطات مسؤولية تفاقم الأوضاع، وسط مطالب بالتسريع في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد من لا يملكون هويات ووثائق قانونية تثبت وجودهم في تونس.

الرئيس قيس سعيّد: تونس لا تريد أن تلعب دور الحارس المتقدم للسواحل الأوروبية

 وكان المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد علق على هذه الأحداث، معتبراً أنّ "الوضع في صفاقس مأساوي ومرشح لسيناريوهات أبشع".

وفي منشور بصفحته على (فيسبوك)، قال بن عمر: إنّ خطاب الكراهية انتقل "من الافتراضي إلى الواقع الميداني بتصوير المهاجرين كتهديد صحي وأمني نتيجة غياب الدولة وانفلات الخطاب الإعلامي نحو التهييج"، وحذّر من أنّه "في غياب الدولة تتعمد مجموعات منفلتة إخلاء منازل المهاجرين بالقوة وما ينتج عن ذلك من عنف".

 تفاقم أعداد المهاجرين غير الشرعيين

وسُجلت مؤخراً زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين المغادرين للسواحل التونسية، كما سُجّل ارتفاع أيضاً بأعداد الضحايا من المهاجرين الذين غرقت قواربهم أثناء محاولتهم الوصول للسواحل الأوروبية، خاصة قبالة صفاقس.

 وكالة حرس الحدود الأوروبية (فرونتكس) كانت قد سجلت زيادة بنسبة 1100% منذ مطلع العام في عمليات العبور من تونس باتجاه أوروبا، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

 من جهتها، أعلنت السلطات التونسية الأحد الماضي عن إحباط (65) عملية هجرة غير نظامية، وضبط أكثر من (2000) شخص أثناء محاولتهم الإبحار إلى أوروبا.

يتمسّك الرئيس التونسي برفضه أن تصبح البلاد منطقة عبور أو أرضاً لتوطين الوافدين الأفارقة عليها

 

 وفي بيان على صفحتها بـ (فيس بوك) قالت الإدارة العامة للحرس الوطني في تونس: إنّ "وحدات إقليم الحرس البحري في الوسط (المناطق البحرية في صفاقس وقرقنة والمهدية) تمكّنت من إحباط (47) عملية اجتياز للحدود البحرية خلسة، وإنقاذ (1879) مجتازاً، من بينهم (1858) من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء، و(21) تونسياً".

 وكان النائب عن جهة صفاقس وعضو مؤسس لكتلة (الأحرار) في مجلس النواب التونسي، معز برك الله، قد أعلن سابقاً في تصريح لقناة (نسمة) التونسية، أنّه تم ترحيل نحو (1200) مهاجر غير شرعي من دول أفريقيا جنوب الصحراء منذ أول أيام عيد الأضحى.

 يُذكر أنّ عدد المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء الذين وصلوا إلى تونس يبلغ نحو (21) ألف شخص، وينتمون إلى (3) أصناف: الصنف الأول من لهم إقامة قانونية، والصنف الثاني هم من طالبي اللجوء السياسي، وأمّا الصنف الثالث، فهم يعدّون في خانة المهاجرين غير النظاميين، ومنهم من تجاوزت تأشيرته فترتها القانونية.

مواضبع ذات صلة:

تقرير أممي: تدفق المهاجرين الأفارقة إلى اليمن في 2023 سيكون الأعلى منذ 5 أعوام

هل يغير الاتحاد الأوروبي سياسته المتعلقة بالمهاجرين؟ .. بنود المشروع الجديد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية