"طالبان" تمنع تدريس النساء "ولو ألقيت علينا قنبلة ذرية"

"طالبان" تمنع تدريس النساء "ولو ألقيت علينا قنبلة ذرية"

"طالبان" تمنع تدريس النساء "ولو ألقيت علينا قنبلة ذرية"


18/06/2023

تآكل حقوق المرأة لا يبدو جديداً أو مباغتاً منذ صعود طالبان للحكم، في أفغانستان، الأمر الذي ينطبق على سائر تجارب الحكم المماثلة للإسلام السياسي.

فالمرأة تصنف ضمن الأقليات، بينما لا تحظى بأيّ حقوق مدنية أو مواطنية. وتظل الرؤية المتوجسة والأمنية هي الحاكمة للعلاقة عير المتكافئة بين الطرفين. بالتالي، تشرعن القوانين التي تفرض الحجاب على النساء، وتحظر عليهن أيّ نشاط، سياسي أو مجتمعي، وكذا الاختلاط بالرجل، فضلاً عن منعهن أو بالأحرى تعطيل مسارهن التعليمي. كل هذه الممارسات العدوانية تهدف إلى شلّ إرادة النساء وإخضاعهن في نطاق نفوذ ومراقبة سلطة المعممين.

لا حقوق للمرأة لدى طالبان

لا يختلف وضع المرأة في أفغانستان، اليوم، مع عودة حكام كابل الجدد للسلطة، عما كانت عليه في السابق تحت سيطرتهم، في النصف الثاني تسعينات القرن الماضي. فالاضطهاد ذاته يُمارس بحقهن على المستويات كافة، وبخاصة ما يتصل بالحريات والتعليم والعمل. فضلاً عن الحقوق المدنية والدستورية. ورغم أنّ دستور عام 1964 أقر المساواة بين الرجل والمرأة الأمر الذي ساهم في ترقي وضعها الاجتماعي، وتعزيز دورها السياسي والاقتصادي، وقد نجم عن ذلك انخفاض نسب الأمية المتفشية إلى أقل من النصف، إلا أنّ واقع الحال يكشف عن تلاشي مختلف المكتسبات الحقوقية التي حظيت بها المرأة.

وبشكل مبكر، في آب (أغسطس) عام 2021، قامت حركة طالبان بإبلاغ جميع المنظمات المدنية بإنهاء عقود العاملات لديها. وفي نهاية العام ذاته، نفذت قرارها بمنع الفتيات من الذهاب إلى الجامعات الأفغانية "لأجل غير مسمى". كما حظرت الحركة المتشددة على الفتيات اللجوء للمتنزهات وارتياد الحدائق وصالات الرياضة والمسابح العامة.

عامر الوائلي: تشدّد رغم المحاولات البراغماتية

وقال وزير التعليم العالي في طالبان ندا محمد نديم: "أبلغكم جميعاً بتنفيذ الأمر المذكور بوقف تعليم الإناث حتى إشعار آخر". فيما عقّب محمد نديم على المواقف الدولية التي دانت سياسات طالبان التمييزية قائلاً: "لو ألقوا علينا قنبلة ذرية لن نتراجع" عن قرار منع التعليم الجامعي للنساء. وتابع: "مستعدون لعقوبات توقع علينا من جانب المجتمع الدولي".

مطلع العام، أعلنت هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة، أنّ 86% من منظمات تقدم المساعدات الإنسانية تقودها النساء أو تركز عليها في أفغانستان أصبحت لا تعمل أو قلصت أعمالها. وقالت المنظمة على صفحتها الموثقة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" إنّه بعد أسبوع من الحظر المفروض على النساء العاملات في المنظمات غير الحكومية في أفغانستان، تم سؤال 151 منظمة تقدم مساعدات إنسانية، معظمها تقودها نساء أو تركز عليها، عن مدى تأثير الحظر على قدرتها على تقديم الخدمات، وتبين أن الحظر كانت له آثار خطيرة.

"أحكام الشرع" وشرعنة العنف

وذكر رامز الأكبروف المنسق المقيم للأمم المتحدة في أفغانستان للصحافيين: "دعوني أوضح لكم أنّ الأمم المتحدة ملتزمة بشدة مع شركائها في المجال الإنساني بتقديم الخدمات المنقذة للحياة لشعب أفغانستان".

وقال الأكبروف في مؤتمر صحافي إنّ الاحتياجات الإنسانية لأفغانستان "هائلة للغاية".

المرأة الأفغانية تصنف ضمن الأقليات، بينما لا تحظى بأيّ حقوق مدنية أو مواطنية. وتظل الرؤية المتوجسة والأمنية هي الحاكمة للعلاقة عير المتكافئة بين الطرفين

لكنّ نائب الناطق بلسان حركة طالبان بلال كريمي، قال إنّ قرار منع تعليم المرأة في الجامعة يخضع "لأحكام الشرع". وزعم كريمي في لقاء مع قناة "العربية" أنّ الحركة لديها رؤية في مسألة التعليم والتنمية، ومنحت "المرأة حقوقاً لم تكن موجودة في السابق".

إذاً، فالحديث عن طالبان وعلاقتها بالمرأة هو "حديث شاق وممتد، وربما، تقليدي، فقد التزم رجال الدين في حركة طالبان بتطبيق أكثر تفسيرات الشريعة تشدداً، منها إقامة الحدود والإعدامات والعقوبات الجسدية والعنف ضد النساء. وعندما وصلوا من جديد إلى الحكم، سرعان ما عادت التفسيرات المتشددة ذاتها التي طبعت حكمهم سابقاً إلى حيز التنفيذ والممارسة بشكل قسري وعدواني، رغم محاولاتهم البراغماتية التأكيد على تغير سياساتهم"، حسبما يوضح الباحث العراقي الدكتور عامر الوائلي.

ويقول الوائلي لـ"حفريات" إنّه رغم الفقر وعدم التنمية في أفغانستان، بالإضافة إلى المعاناة الشديدة التي يقع تحت وطأتها نحو 20 مليون شخص، إلا أنّ حكومة طالبان قد أبلغت جميع المنظمات غير الحكومية بوقف عمل موظفاتها بل هددتها في حال عدم التنفيذ بإلغاء التراخيص لهم. ويردف: "كان إلى جانب هذا القرار قرارات أخرى أكثر عنفاً (رمزياً) على النساء منها؛ حظر السفر من دون محرم، وارتداء النقاب، وحظر ارتياد المتنزهات والحدائق وصالات الرياضة والمسابح العامة. ثم منع النساء من الانخراط العديد من الوظائف الحكومية. ومنع التعليم في الجامعات".

حرب طالبان على النساء

قالت منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية في تقرير جديد، إنّه ينبغي التحقيق في القيود الصارمة التي تفرضها حركة طالبان وحملتها القمعية غير القانونية على حقوق النساء والفتيات باعتبارها جرائم محتملة بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي.

وفي التقرير المعنون: "حرب طالبان على النساء: جريمة ضد الإنسانية متمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي في أفغانستان"، قدمت المنظمة تحليلاً قانونياً مفصلاً للكيفية التي يمكن أن ترقى فيها قيود طالبان الصارمة على حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، إلى جانب استخدام السجن والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، إلى جريمة ضد الإنسانية تتمثل في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي.

حملة قمعية غير قانونية تقوم بها حركة طالبان تجاه النساء والفتيات

وترى منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية أنّه ينبغي للمدعيين العامين للمحكمة الجنائية الدولية أن يدرجوا الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد القائم على النوع الاجتماعي في تحقيقاتهم الجارية حول الوضع في أفغانستان. كما تدعو المنظمتان الدول الأخرى إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية أو غيرها من الوسائل القانونية لتقديم أعضاء طالبان المشتبه في مسؤوليتهم بشكل معقول عن ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي إلى العدالة.

الباحث العراقي عامر الوائلي لـ"حفريات": رغم الفقر وعدم التنمية بأفغانستان، إلا أنّ طالبان أبلغت جميع المنظمات غير الحكومية بوقف عمل موظفاتها

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الصحفي المصري، أحمد البرديني، المختص بالقضايا المجتمعية والحريات، إنّ وضع المرأة في أفغانستان لا يحمل أي استثناءات مقارنة بسلوك الأنظمة الدينية الأخرى، موضحاً أنّ "سجل التاريخ يحمل صورة دقيقة عن الانتهاكات المريرة التي طاولت المرأة في السودان مع حكم البشير مروراً بأوضاع مماثلة ومستمرة في إيران مع الملالي وحتى تونس مع سيطرة حركة النهضة، فضلاً عن خطاب العنف والكراهية ضد المرأة على يد السلفيين في فترة ما بعد الربيع العربي وحتى صعود الإخوان للحكم في مصر".

ووفق البرديني، فإنّ سياسات طالبان ليس من المتوقع أن تتغير بهذا الشأن، لافتاً إلى أنّ "مزاعم الحركة عن التغيير قبل الوصول للسلطة هي ضمن الحيل التكتيكية والبراغماتية التي تمارسها في سبيل الوصول لمرحلة التمكين السياسية. وستواصل الحركة قيودها التمييزية على النساء وشن حملة اضطهاد ممنهجة بحقهن؛ لأنّ ذلك يعني تعميم سياسات طالبان بل وضمان استمرار نموذج الحكم الراديكالي الخاص بهم".

مواضيع ذات صلة:

قتلى وجرحى… تمرد إثني يضرب حركة طالبان لهذه الأسباب

مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟

حركة طالبان تمهد أفغانستان وآسيا الوسطى أمام تركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية