دستور طالبان الجديد.. مناورة سياسية أم محاولة لحل الخلافات الداخلية؟

دستور طالبان الجديد.. مناورة سياسية أم محاولة لحل الخلافات الداخلية؟

دستور طالبان الجديد.. مناورة سياسية أم محاولة لحل الخلافات الداخلية؟


24/10/2022

مع سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، بات مصير الدستور الذي خرج إلى النور في عهد الرئيس السابق حامد كرزاي غامضاً، في ظل قيام الحركة بتجميده بشكل ضمني. وفي 28 تمّوز (يوليو) الماضي، أعلن المرشد الأعلى للإمارة الإسلامية، الملا هبة الله أخوندزاده، أنّ جميع القوانين الحالية في أفغانستان من صنع الإنسان، وبالتالي ليس لها مصداقية، وأنّ الشريعة الإلهية هي القانون المطبق في البلاد، وأعادت طالبان التأكيد على رفضها أيّ ممارسة ديمقراطية، وأنّ الشريعة الإسلامية فقط هي التي ستطبق.

الملا هبة الله، أعلن صراحة إلغاء الدستور في بيان رسمي أصدره عقب اجتماع مع ولاة المحافظات، وقال إنّ جميع القرارات يجب أن تُتخذ على أساس الشريعة الإسلامية.

وفي 15 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بعث الملا هبة الله، برسالة أخرى من مقره في قندهار؛ للمطالبة بإلغاء جميع القوانين القائمة في البلاد وتطبيق الشريعة فقط، مضيفاً أنّه سيتم إلغاء القوانين القائمة واستبدالها، كما لفت إلى أنّ علاقات أفغانستان مع الدول الأخرى يجب أن تستند أيضاً إلى الشريعة الإسلامية.

فراغ قانوني

وربما يكون سبب التأكيد المتكرر، بحسب مراقبين، هو صعوبة تنفيذ أمر شامل من هذا النوع. وبحسب موقع (New Straits Time) الناطق بالإنجليزية، فإنّ خلافات داخلية قوية تفجرت داخل صفوف طالبان في كابول؛ بسبب المراسيم الجامحة التي أصدرها الملا هبة الله؛ لفرض الشريعة فقط، الأمر الذي يلقي بالبلاد وحكومتها ونظامها القضائي في فراغ قانوني غير مسبوق.

جدير بالذكر أنّ النظام القانوني في أفغانستان يرتكز على دساتيرها السابقة، وقانونها المدني لعام 1976، به أكثر من 2300 مادة سارية المفعول، وقانونها الجنائي لعام 1977، به أكثر من 523 مادة سارية، بالإضافة إلى عدد كبير من القوانين الأخرى، وبالتالي فإنّ وضع كل هذه الأمور جانباً في أيّ لحظة، أمر غير مسؤول، خاصّة بالنسبة إلى الحكومة التي تفتقر إلى الخلفية المهنية والخبرة.

الملا هبة الله أعلن إلغاء الدستور في بيان رسمي، وقال إنّ جميع القرارات يجب أن تُتخذ على أساس الشريعة الإسلامية

انتقادات كثيرة طالت قرار الملا هبة الله، ذلك أنّ الحكومات السابقة، عادة ما كانت تطبق الشريعة جنباً إلى جنب مع المراسيم الحكومية والقرارات السياسية، وعليه فإنّ قرار الملا هبة الله، الذي يصر على أنّ الشريعة فقط وليس أيّ شيء آخر، يجب أن تطبق في أفغانستان، هو غير واقعي، فباستثناء بعض القوانين المصرفية، التي تتغير أيضاً بسبب الإدخال التدريجي للخدمات المصرفية الإسلامية، فإنّ جميع قوانين أفغانستان، إمّا تستند إلى الشريعة الإسلامية، أو متوافقة مع الشريعة الإسلامية، من المنظور الأصولي. إلى جانب ذلك، تحتوي معظم الدساتير الأفغانية على ما يسمى بشرط التنافر، والذي ينص على أنّه لا يجوز لأيّ قانون في أفغانستان أن يتعارض مع الشريعة والمبادئ الأساسية للإسلام.

انتقادات كثيرة طالت قرار الملا هبة الله، ذلك أنّ الحكومات السابقة، عادة ما كانت تطبق الشريعة جنباً إلى جنب مع المراسيم الحكومية والقرارات السياسية

 

جدير بالذكر أنّ حكومة طالبان تجاهلت عقد الانتخابات الرئاسية المنصوص عليها في الدستور المعطل، وهي الانتخابات التي مارستها أفغانستان في العقود الأخيرة. وبمجرد أن تولت طالبان السلطة في 15آب (أغسطس) 2021، ألغت وزارة شؤون المرأة، واستحدثت وزارة جديدة لتعزيز الخير والوقاية من الشر.

وعرفت أفغانستان الحكومات الدستورية منذ عهد الملك أمان الله في عام 1923، ثم تم تطوير المنظومة الدستورية وإصلاحها بموجب دستور العام 1964. كما أنّ كلّ تغيير لاحق للنظام في أفغانستان ارتكز بدوره على دستور جديد، إلا في ظل نموذج تشاركي أخذ من الدساتير السابقة، لكنّ نظام طالبان تخلى عن كلّ ذلك، فهو نظام ليس لديه دستور، ولم يعلن عن نوع الحكومة أو النظام السياسي الذي يطبقه.

الإعلان عن دستور جديد

في الآونة الأخيرة، ظهرت مطالبات عديدة بضرورة اعتماد دستور جديد للبلاد، بوصفه أحد الاحتياجات الأساسية للحكم، ويبدو أنّ طالبان قررت تثبيت أركان حكمها عبر القيام بذلك، بالإضافة إلى استحالة حكم البلاد بشكل بدائي دون الاحتكام إلى قوانين، كما يرغب الملا هبة الله.

من جهته، أكد الرئيس السابق للهيئة المستقلة للإشراف على تنفيذ الدستور، جول الرحمن قاضي، أنّ عدم وجود دستور سيسبب عدة مشاكل. وأضاف: "الدستور أساس تشريعات الحكومة، قوانيننا من الدستور".

أكد الرئيس السابق للهيئة المستقلة للإشراف على تنفيذ الدستور، جول الرحمن قاضي، أنّ عدم وجود دستور سيسبب عدة مشاكل

 

بدوره، قال سيد اسحق جيلاني، زعيم حركة التضامن الوطني الأفغانية، إنّ وجود دستور للبلاد أمر لا غنى عنه؛ لأنّه لا يوجد قانون يمكن للأمة الأفغانية أن تكيف نفسها معه، والدستور لابد أن يسبق تشكيل الحكومة، وينبغي استدعاء الجمعية الكبرى (البرلمان)، وهو أمر مستحيل في غياب دستور ينظم العلاقة بين السلطات، وعليه يجب أن تبدأ لجنة الدستور في العمل لتشكيل الدستور. مضيفاً:  "في النهاية، يجب أن تتحمل الحكومة بعض المسؤولية، ويجب أن تكون خاضعة للمساءلة أمام المؤسسات".

المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، قال إنّ الجهود جارية الآن؛ لإعداد دستور جديد، يحل محلّ الدستور السابق. وأفادت شبكة "تولو نيوز" أنّ "العمل بشأن الدستور الجديد يجري الآن".

وكان أمين زادة، محافظ باروان، قد أبلغ تجمعاً في المحافظة أنّ الدستور الجديد يجب أن يقوم على الشريعة، رافضاً كلّ دساتير الإدارة الجمهورية السابقة، وما قبلها في عهد ظاهر شاه.

ويبدو أنّ طالبان بدأت تتقبل فكرة وجود قوانين وضعية إلى جانب الشريعة الإسلامية، كما أنّ فكرة الدستور تجعل الحكومة أكثر مشروعية، وتجمل من صورتها أمام الغرب، أضف إلى ذلك تجاوز الخلافات الداخلية في الحركة، وإحكام السيطرة على البلاد.

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات من تصاعد خطر "داعش خراسان" في أفغانستان.. وهذا موقف "طالبان"

روسيا تلوّح بالاعتراف بحكومة طالبان.. لماذا الآن؟

التحول في أفغانستان والحسابات الروسية... لماذا تقبلت موسكو حكم طالبان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية