تونس... سعيد يتحدى النقد الدولي ويطلق سهامه على الغرب

تونس... سعيد يتحدى النقد الدولي ويطلق سهامه على الغرب

تونس... سعيد يتحدى النقد الدولي ويطلق سهامه على الغرب


26/06/2023

تعكس تصريحات أدلى بها الرئيس التونسي قيس سعيّد، على هامش قمّة باريس، توجهاً نحو مقابلة تصعيد الجهات المانحة، سواء أكانت منظمات مالية أو قوى دولية، بالتصعيد والمواجهة.

ويضغط صندوق النقد الدولي وبعض الشركاء الدوليين على غرار دول الاتحاد الأوروبي على الرئيس سعيّد من أجل القبول ببعض الشروط التي تمس قوت التونسيين، وترفضها المنظمات الاجتماعية التونسية، وتقديم تنازلات بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية، مقابل مساعدتها على تجاوز أزمتها الاقتصادية.

سعيّد يتحدى النقد الدولي

وفي أحدث خطواته الرافضة لـ "إملاءات" النقد الدولي، أبلغ سعيّد المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا جورجييفا بأنّ شروطهم لتقديم الدعم المالي لبلده تهدد بإثارة اضطرابات أهلية، وفق بيان نشرته الرئاسة التونسية على صفحتها بـ (فيسبوك).

وجاء في البيان أنّ سعيّد أوضح أنّ "وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي لتونس غير مقبولة، لأنّها ستمس بالسلم الأهلي التي ليس لها ثمن".

وجاءت تصريحات الرئيس التونسي خلال اجتماع مع جورجييفا في باريس على هامش قمة تمويل عقدت مساء الخميس، حسب ما ذكرت الرئاسة التونسية.

وتبدو محادثات تونس مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ متعثرة منذ شهور، ولا توجد مؤشرات تذكر على أنّ سعيّد مستعد للموافقة على الخطوات اللازمة للتوصل إلى اتفاق يساعد البلاد على تجنب أزمة مالية.

سعيّد أوضح أنّ وصفات صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم لتونس غير مقبولة لأنّها ستمس بالسلم الأهلي

وبدون الحصول على قرض، تواجه تونس أزمة كبيرة في ميزان المدفوعات، ومعظم الديون داخلية، لكن هناك مدفوعات قروض خارجية تُستحق في وقت لاحق من العام. وقالت وكالات تصنيف ائتماني إنّ تونس قد تتخلف عن السداد.

وأكد سعيّد مجدداً أنّ أيّ تخفيضات مطلوبة في الدعم ومعظمها في الطاقة والغذاء، يمكن أن يكون لها تداعيات ضارة على البلاد، مشيراً إلى أعمال شغب مميتة شهدتها تونس عام 1983 بعد الإعلان عن رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها، في إشارة إلى أحداث الخبز أواخر كانون الأول (ديسمبر) 1983 وبداية كانون الثاني (يناير) 1984 حين سقط المئات في اضطرابات بعد الإعلان عن رفع الدعم عن الحبوب.

أبلغ سعيّد المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا جورجييفا أنّ شروطهم لتقديم الدعم المالي لبلده تهدد بإثارة اضطرابات أهلية

وجاء في بيان الرئاسة أنّ الرئيس التونسي أكد أنّه "لن يقبل بأن تسيل قطرة دم واحدة"، مضيفاً أنّ جورجييفا رحبت بدعوته لزيارة تونس في موعد لم يتحدد بعد.

كما أكد سعيّد في عدّة مناسبات وجود حلول بديلة، منها على وجه الخصوص داخلية على غرار فرض جبايات على الأغنياء والتعويل على الإنتاج المحلي من الفوسفات وبعض المنتجات الفلاحية الأخرى، فضلاً عن تحسين عائدات السياحة.

من جانبه، قال محافظ البنك المركزي مروان العباسي: إنّ تونس تعمل مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي عادل يأخذ في الحسبان الفئات الأشد احتياجاً.

وتؤكد تصريحات العباسي تقريراً لـ "رويترز" هذا الشهر نقلاً عن مسؤول حكومي رفيع بأنّ تونس تعدّ مقترحاً بديلاً لصندوق النقد يراعي الفئات الضعيفة، بعد رفض الرئيس التونسي شروط الدعم المالي التي يطرحها الصندوق.

وتعثرت المحادثات بشأن قرض بقيمة (1.9) مليار دولار منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما توصلت تونس وصندوق النقد إلى اتفاق على مستوى الخبراء بعد أن رفض سعيّد بشكل قاطع فكرة خفض الدعم وبيع شركات مملوكة للدولة.

سعيّد يوجه سهامه نحو الغرب

وفي كلمته أمام قمة باريس "من أجل ميثاق عالمي جديد" اتهم الرئيس التونسي الغرب بالاستيلاء على أموال القروض التي منحت لدول أفريقية. وقال: "تعلمون، ولديكم الأرقام، أنّ القروض التي منحت للعديد من الدول لم تذهب إلى الشعوب ولم تحقق شيئاً بل تم الاستيلاء عليها، وأنتم تعلمون من استولى عليها، والأموال التي نهبت وتوجد في المصارف في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية لماذا لا تعود إلى شعوبنا؟".

محافظ البنك المركزي: تونس تعمل مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاح اقتصادي عادل يأخذ في الحسبان الفئات الأشد احتياجاً

وتابع: "أود أن أتحدث بكل صراحة، لأنّه لا يمكن أن نبني من جديد، إلا إذا واجهنا الواقع بكل مسؤولية... من يتحمل مسؤولية الانحباس الحراري؟ من الذي يتحمل الجوائح التي عرفها العالم مثل الكوفيد؟ وتعلمون جميعاً كيف تم توزيع حقوق السحب الخاصة، وماذا حصل للأفارقة، وعلى ماذا حصلت الإنسانية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وكثيرة هي الأمثلة عن الجوائح التي دفعنا ثمنها باهظاً".

وأضاف: "كانت الأنظمة الديكتاتورية تمثل الوسيلة التي تتيح لكثير من الدول الإبقاء على مصالحها ضد مصالح الشعوب المعنية... نريد أن نشترك معكم في بناء نظام عالمي جديد تستفيد منه الإنسانية جمعاء وإذا كان العالم اليوم يعيش أزمة، فلا يمكن حلها إلا من خلال قواعد العدل والإنصاف، خاصة في المستوى الدولي".

سعيّد: كانت الأنظمة الديكتاتورية تمثل الوسيلة التي تتيح لكثير من الدول الإبقاء على مصالحها ضد مصالح الشعوب المعنية... نريد أن نشترك معكم في بناء نظام عالمي جديد

ودعا إلى "العمل الند للند من أجل تحقيق المثل العليا التي نشترك فيها، العدل والحرية وبناء نظام عالمي جديد، لأنّ الإبقاء على هذا النظام الذي بلغ مداه، لن يتقدم بنا إلى الأمام، لا نريد أن نكون من ضحايا هذا النظام العالمي الذي يمكن أن يبنى مرة أخرى على مآسينا وآلامنا".

وشارك في القمة الدولية "من أجل ميثاق مالي عالمي جديد" في باريس نحو (100) من رؤساء الدول والحكومات ورؤساء بنوك التنمية المتعددة الأطراف، و(120) منظمة غير حكومية، و(70) شريكاً من القطاع الخاص، و(40) منظمة دولية.

ضغط غربي على تونس

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قد اشترطت أن يكون تقديم الدعم المالي الذي وعدت به بعد حصول تونس على قرض صندوق النقد الدولي.

وأعلنت فون دير لاين عن استعداد التكتل لتقديم دعم مالي لتونس طويل الأمد يصل إلى (900) مليون يورو (980 مليون دولار) لدعم الاقتصاد وتطويره، بعد التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أقرب وقت ممكن. ولم توضح ما إذا كان كل المبلغ سيضخ في الموازنة، أم سيتمّ توجيه جزء منه إلى الاستثمار. وأضافت "كخطوة فورية يمكننا الآن تقديم (150) مليون يورو (165 مليون دولار) إضافية لدعم موازنة تونس".

اشترطت رئيسة المفوضية الأوروبية أن يكون تقديم الدعم المالي الذي وعدت به بعد حصول تونس على قرض صندوق النقد الدولي

وكانت تقارير أوروبية قد تحدثت عن رغبة بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا واليونان والنمسا، في إعادة المهاجرين الذين يتم رفض مطالب لجوئهم في أوروبا إلى "بلدان ثالثة" تعتبرها "آمنة" مثل تونس أو ألبانيا، حتى في حال عدم وجود روابط خاصة (أسرية أو علاقة عمل... إلخ) بين المهاجر المرفوض في أوروبا والبلد الثالث (الآمن)، لكنّ بعض البلدان مثل فرنسا وألمانيا عارضت هذه الفكرة.

وأكدت عدّة شخصيات ومنظمات تونسية أنّه على تونس عدم المراهنة على الأموال الممنوحة من الاتحاد الأوروبي لاستيعاب الملايين من الأفارقة، وأنّ "المقاربة يجب أن تكون شاملة، خاصة في علاقة بدول جنوب الصحراء التي يجب عليها العمل على تقليص تدفق اللاجئين".

مواضيع ذات صلة:

تونس: هل نجح سعيد في اختبار "السيادة الوطنية"؟

خطط أوروبا بتوطين "المهاجرين الأفارقة" في تونس تصطدم بمواقف سعيد.. ما الجديد؟

دوامة الاقتصاد التونسي المنهك... من يتحمل مسؤوليتها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية