تنامي الحركات المهدوية في العراق: هل يشكل "أهل القضية" أزمةً لمقتدى الصدر؟

 تنامي الحركات المهدوية في العراق: هل يشكل "أهل القضية" أزمةً لمقتدى الصدر؟

تنامي الحركات المهدوية في العراق: هل يشكل "أهل القضية" أزمةً لمقتدى الصدر؟


26/04/2023

شكّلت قضية المهدي المنتظر حجر الزاوية في الفكر الإمامي الشيعي على مدى قرون عدة، إذ لطالما عانت الطائفة الشيعية من الحركات المهدوية، على الرغم من إيمانها العميق بظهور الإمام المُخلّص في نهاية الزمان. اعتقاد رسمي لدى جمهور الطائفة، يقابله رفضٌ معلن ومبطّن لكلّ من يحاول أدلجة القضية المهدوية سياسياً. ويُعدّ العراق الميدان الذي لطالما تبارت فيه تلك الحركات مع السلطتين السياسية  والدينية خلال القرنين الماضي والحالي، إلّا أنّ رفض المرجعيات الشيعية لتثوير القضية المهدوية وضع الشيعة عموماً في خانة الحياد عن تلك الجماعات الراديكالية.

وذهبت زعامات روحية لشيعة العراق إلى الصِدام العلني مع المهدويين من أولئك المؤدلجين للفكرة وتثويرها في العالم، وعدّهم في خانة الخروج عن الملة والدين والمذهب. وهذا الأمر يحصل مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (الزعيم الشيعي الأكثر شعبية في البلاد بعد المرجع علي السيستاني)، إذ يعاني الصدر من المغالين باسمه وعائلته داخل تياره العقائدي الواسع، وهذا ما يضعه في خانة الحرج السياسي أمام المجتمع الدولي، والحرج العقائدي أمام المرجعيات الدينية البارزة في العراق.

في الآونة الأخيرة اصطدم زعيم التيار الصدري مع جماعة من أتباعه حملوا اسم (أصحاب القضية)، وكانوا يعتكفون أواخر شهر رمضان في أحد المساجد، جنوب البلاد، معتقدين في شخصه تمثيلاً وتجسيداً لفكرة الإمام المهدي الغائب عن الأنظار منذ قرون.

من هم "أصحاب القضية"؟

لا تختلف جماعة "أصحاب القضية" عن سائر الجماعات المهدوية التي ظهرت في المجتمعات الإسلامية عامة، والشيعية على نحوٍ خاص، وتلتقي هذه الجماعات مع سائر المجموعات المهدوية في فكرة التمهيد لظهور الإمام المهدي المنتظر، عبر إشاعة الظلم والفجور والمفاسد، إذ لا يظهر المهدي إلّا بعد أن "تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ليملأها قسطاً وعدلاً"، وفقاً لنصوص المدونة الروائية الشيعية، إلّا أنّ ما يميز "أصحاب القضية" هو رمزية القائد الذي يدعون له، ويكون بمثابة النائب العام عن الإمام الغائب.

شكّلت قضية المهدي المنتظر حجر الزاوية في الفكر الإمامي الشيعي على مدى قرون عدة

وإبّان فترة العنف الطائفي في العراق، بين عامي 2007 و2008، تشكلت مجموعة شيعية شابة تنتمي إلى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، تؤمن بإمكانية حلول "روح شخص في جسد شخص آخر"، وهو ما يطلقون عليه "الحلول في القضية".

ويعتقد أصحاب "أهل القضية" أنّ روح الإمام الثاني عشر لدى الشيعة، والذي عاش قبل حوالي (12) قرناً، والذي يعتقدون أنّه غاب لكنّه ما يزال حياً، وسيظهر في آخر الزمان ليحقق العدل في الأرض، يعتقدون أنّ روحه قد حلت في جسد مقتدى الصدر.  
"تحول راديكالي"

ودائماً ما تنبثق الحركات المهدوية من رحم المجتمعات المسحوقة، والراديكاليات الدينية الفاعلة فيها، إذ لطالما شهدت تلك البيئات الهشة اقتصادياً صعود الجماعات التي ترفع راية الانتصار للمُخلص القادم من جهة الغيب، إلّا أنّه في بعض الأحيان  تتجاوز تلك الجماعات رموزها الدينية العليا، لتتصادم معها على مساحة العمل الثوري المشترك.

شكّلت قضية المهدي المنتظر حجر الزاوية في الفكر الإمامي الشيعي على مدى قرون عدة

وفي مطلع الثمانينيات المنصرمة نشب صراع معلن بين جماعة الحجّتية (جماعة إيرانية تؤمن بالتبشير المهدوي عن طريق العنف)، مع مرشد الثورة الإيرانية روح الله الخميني، وهذا الصراع جاء بعد تحالف الاثنين لمنع اليسار العلماني من قيادة الثورة في إيران. وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي اصطدم المرجع الشيعي في العراق آية الله محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر) مع جماعة السلوكيين (جماعة باطنية انتشرت في مدن شيعية عراقية عدة)، التي ترى في الصدر الأب  الممثل الرسمي لمشروع الإمام المهدي الغائب.

وبعد الغزو الأمريكي للعراق في نيسان (أبريل) 2003، ظهرت عدة جماعات مهدوية مارست العنف السياسي والعمل المسلح في البلاد، الأمر الذي أدى إلى مواجهتهم من قبل الحكومة العراقية على مدار الأعوام الأولى من التغيير.

ويرى الباحث والأكاديمي العراقي نصيف جاسم عاتي أنّ "هذه الحركات عادت إلى الظهور وبقوة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، بعد انقطاع امتد لأعوام طويلة، والأنكى من ذلك تحولها من التنظير والتبشير الكلاسيكي إلى خيارات أخرى سياسية وعسكرية، في تحول راديكالي شكّل مصدر قلق وإرباك لعملية إعادة النظام الاجتماعي وبناء الدولة الحديثة".

أزمة الصدر مع مغاليه

يُشكّل الغلاة الشيعة من المنتمين إلى التيار الصدري أزمة سياسية وثقافية لزعيم التيار مقتدى الصدر، الذي بات يعلن نفسه زعيماً وطنياً خارج الحسابات الطائفية والفئوية الضيقة في العراق. ومن وقت إلى آخر يُعنِّف الصدر في بياناته الكثير من الصدريين الذين يستثمرون في اسمه وعائلته لصالح قضايا خاصة، إلّا أنّ مكمن أزمته مع المقتنعين به بوصفه إماماً مهدياً أو الشخص المُمهّد لدولة الإمام المنتظر.

دائماً ما تنبثق الحركات المهدوية من رحم المجتمعات المسحوقة

يجد الزعيم الشيعي الشاب أزمةً في التعاطي مع من يطلقون على أنفسهم "أهل القضية"، إذ لا يستطيع التعامل معهم وفق أطر قانونية أو عقائدية لأنّهم مؤمنون به حقاً، بل أخذوا يسوِّقون لبيعته علناً، مستثمرين كافة الوسائل المتاحة في الميديا المحلية، وهو ما دفع الصدر إلى إصدار بيان غاضب يتبرأ فيه من تلك الجماعة المغالية فيه.

ختم الزعيم الصدري تغريدته الغاضبة بقوله: إنّ "من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث، وبراني السيد الشهيد (مكتب والده)، لمدة لا تقل عن عام"

وأعلن الصدر، في الليالي الأخيرة من شهر رمضان، بُعيد اعتكاف المنتمين لـ "أهل القضية" في مسجد الكوفة جنوب بغداد، عن تجميد كافة مفاصل تياره، وقال في تغريدة له على (تويتر): "أن أكون مصلحاً للعراق، ولا أستطع أن أصلح التيار الصدري، فهذه خطيئة. وأن أستمر في قيادة التيار الصدري وفيه (أهل القضية) وبعض الفاسدين وبعض الموبقات، فهذا أمر جلل".

وختم الزعيم الصدري تغريدته الغاضبة بقوله: إنّ "من المصلحة تجميد التيار أجمع ما عدا صلاة الجمعة وهيئة التراث، وبراني السيد الشهيد (مكتب والده)، لمدة لا تقل عن عام".

وأعطى موقف الصدر الأخير إيذاناً للسلطات العراقية في اعتقال الكثير من المعتكفين في مسجد الكوفة، إذ أعلنت السلطات عن توقيف (65) شخصاً، من أفراد جماعة (أصحاب القضية) التي تروّج لأفكار "تسبب إثارة الفتن والإخلال بالأمن المجتمعي". 

مواضيع ذات صلة:

تغريدة الصدر عن "الخليج العربي" تفتح صندوق الضغائن الإيرانية

بين الصدر والحائري: ما قصة اعتزال السياسة والمرجعية؟

لماذا اختارت إيران مواجهة الصدر عسكرياً في العراق؟ 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية