تحولات لافتة... كيف أثرت حرب غزة على نشاط الجماعة الإسلامية في لبنان؟

تحولات لافتة... كيف أثرت حرب غزة على نشاط الإخوان في لبنان؟

تحولات لافتة... كيف أثرت حرب غزة على نشاط الجماعة الإسلامية في لبنان؟


20/11/2023

أظهرت حرب غزة الأخيرة تحولات لافتة لنشاط "قوات الفجر" الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان، وهي جزء من منظومة الإخوان المسلمين، تمثلت أبرزها في إطلاق صواريخ للمرة الأولى باتجاه إسرائيل، وهو تطور يبدو أنّ له ما قبله وما بعده، حيث يمكن أن يشِي بالكثير، وفق دراسة حديثة صادرة عن مركز (تريندز للبحوث والاستشارات). 

مظاهر التحول

تفند الدراسة عدة ملامح لتحولات الجماعة الإسلامية داخل لبنان، فيما يبدو أنّ الجماعة استطاعت استقطاب قاعدة سُنّية أوسع، وذلك بعد انسحاب رئيس الوزراء السابق سعد الحريري من الحياة السياسية؛ الأمر الذي أدّى إلى تشتُّت التمثيل السياسي السُنّي، خصوصاً في مجلس النواب. 

وبالرغم من ذلك، تشير الدراسة إلى أنّ التمثيل السياسي السُنّي في لبنان يعيش حالة تقلّب مستمر منذ ذلك الحين، وأنّ هناك تنافساً قائماً لملء الفراغ، وأنّه حتى الآن لم تتمكن المجموعات الإسلامية، بالرغم من تنظيمها، من الاستئثار بالقاعدة السُنّية، ومن غير المرجّح أن يتغير هذا الوضع من دون أن تقوم قوة خارجية بدعم كبير لصالح هذه المجموعات. 

بيروت حاضنة رئيسية لقيادات حماس، ومحطة مهمة لوجودها السياسي والأمني

إضافة إلى ذلك، يبدو أنّ هناك تحالفاً متنامياً بين الإسلاموية السُّنية والشيعية على الأراضي اللبنانية منذ عام 2019، حيث باتت بيروت حاضنة رئيسية لقيادات حماس، ومحطة مهمة لوجودها السياسي والأمني. يأتي ذلك في ظل إعادة ترتيب العلاقة بين حزب الله وحماس، التي بدأت منذ عام2017 تزامناً مع تَولّي فريق يحيى السنوار، والمعروف بتيار "الأمن" داخل الحركة، زمام المبادرة، وفق الدراسة. 

مكونات الجماعة الإسلامية في لبنان

أصبحت الجماعة الإسلامية في لبنان تحكم بما بات يُسمّى "الجماعة العميقة"، والتي تتألف بحسب بعض الباحثين من (3) مكوّنات رئيسية؛ وهي أوّلاً: إمبراطوريات الجمعيات والمؤسّسات التربوية والصحية والاجتماعية، التي تتلقّى دعماً ماليّاً ذا وزنٍ من الخارج، وتبلغ قيمة وارداتها السنوية نحو (30) مليون دولار.

ثانياً: الجناح العسكري المعروف بـ "قوات الفجر" بقيادة محمود بديع (أبو خالد)، الذي يتولى قيادة هذا الجناح في صيدا والجنوب منذ مطلع التسعينيات.

وثالثاً: الجناح الأمني الذي أُعيد تفعيله بقوة خلال فترة ولاية أمين عام حزب الله السابق إبراهيم المصري، وحظيَ بصلاحيات واسعة، ومعظم أعضاء هذا الجهاز موظفون في حركة حماس، ويتقاضون منها رواتب شهرية.

تُشكِّل الجماعة الإسلامية أحد أهم النماذج على عسكرة الجماعة؛ كون الحركة ليست مشروع سلطة وتحقيق مكاسب فيها، بقدر ما هي مشروع اجتماعي وعسكري في واقع لبناني متعدّد ومعقّد بما يفوق قدرة التبسيط الإسلاموي الراهن

وهذا تواصل لما يبدو أنّه انقطع في الفترات الماضية، على الأقل على مستوى الخطاب العلني، حيث تروي بعض مراجع الجماعة أنّ أحد معسكراتها كان مركزاً لتدريب شباب من حزب الله، ولاسيّما أنّ "المقاومة الإسلامية" التي انطلقت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، في حزيران (يونيو) 1982، كانت بجناحَين؛ الأوّل لـ "قوات الفجر" الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، والآخر كان لشباب من جنوب لبنان مهدّوا لإطلاق حزب الله رسميّاً عام 1983، كما أكد أنّ "قوات الفجر" كانت عاملة منذ نشأتها.

وربّما أنّ هذا السبب أدى إلى تغيّر العلاقة بين الجماعة والفاعلين في المشهد الإقليمي، حيث تعرّضت العلاقات المحلية والإقليمية للجماعة الإسلامية في لبنان، في سياق التحولات والتطورات الإقليمية والدولية، لضغوط وتحديات في اتجاهين: الأوّل في اتجاه المملكة العربية السعودية وتيار المستقبل، حيث يمكن ملاحظة الفجوة التي باتت تفصل بين الجانبين، ربّما أكثر من أيّ وقت مضى، خصوصاً بعد ما حدث في مصر بعد عام 2013، والآخر في اتجاه إيران وحزب الله، حيث يلاحَظ تقارب مطّرد، خصوصاً بعد تفعيل حماس دَور مكتبها في بيروت أكثر من أيّ وقت مضى.

تحولات كشفت عنها حرب غزة

تلك التحولات السابقة كانت ظاهرة للعيان قبل الحرب الأخيرة على غزة، التي اندلعت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ولكنّ تلك الحرب أظهرت بدورها تطوراً آخر، وهو الكشف عن امتلاك صواريخ أُطلِق بعضها على إسرائيل، وهو تطور يستحقّ التوقف أمامه وتحليله؛ نظراً لرمزيّته البالغة للباحثين العاملين في شؤون الجماعة، ولمراقبي التحولات الأمنية والعسكرية في المنطقة، حيث عدّ مراقبون أنّ صواريخ "قوات الفجر"، برغم محدودية تأثيرها، قد تؤدي إلى انفجار الجبهة بين لبنان وإسرائيل. 

ما دلالة إطلاق صواريخ؟ 

تجمل الدراسة أهم دلالات إطلاق صواريخ من قِبل الجماعة على إسرائيل، كالأتي:

أوّلاً: الحرب في غزة يمكن أن تتسع رقعتها لتشمل فصائل إسلاموية سُنّية وشيعية على الجبهة الشمالية بجانب حزب الله، وبين مساعي الحزب لكسب أوسع غطاء بالداخل اللبناني، طائفيّاً وسياسيّاً، في معركة عنوانها الاستئثار بالقضية الفلسطينية والدفاع عن فلسطين. 

 تشير التحولات الراهنة في نشاط الجماعة الإسلامية بلبنان إلى تأصّل عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية للدول

وثانياً: أنّ هناك تحولات في جماعة الإخوان والأفرع التابعة لها، لأنّ التغيّرات الكبرى التي حصلت في المنطقة وداخل الدول ستفرض بتداعياتها وتأثيراتها الجيوسياسية تغيّرات أو تحولات أو كشف للإمكانيات العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين.  

وثالثاً: تُشكِّل الجماعة الإسلامية أحد أهم النماذج على عسكرة الجماعة؛ كون الحركة ليست مشروع سلطة وتحقيق مكاسب فيها، بقدر ما هي مشروع اجتماعي وعسكري في واقع لبناني متعدّد ومعقّد بما يفوق قدرة التبسيط الإسلاموي الراهن. 

تلك التحوّلات في الجماعات الإسلامية هي عكس ما كان يتوقعه معظم الباحثين بخصوص تخلّي جماعة الإخوان وأفرعها، خصوصاً فرعها اللبناني، عن العنف

وتلك التحوّلات في الجماعات الإسلامية هي عكس ما كان يتوقعه معظم الباحثين بخصوص تخلّي جماعة الإخوان وأفرعها، خصوصاً فرعها اللبناني، عن العنف. 

ورابعاً: شرعية طرح العديد من الأسئلة المشروعة حول درجة عسكرة أفرع الجماعة وحول إمكانية استخدام أسلحتها، إن وُجدت، في وجه شركاء الوطن في يوم من الأيام. وفي كل الأحوال لم يكن من المتداول امتلاك الجماعة الإسلامية صواريخ قبل الكشف عن ذلك عن طريق الجماعة ذاتها أثناء حرب غزة الأخيرة. 

ما تأثير حرب غزة على الجماعة؟ 

تخلص الدراسة إلى أنّ تسليح الجماعة لنفسها أو عسكرة الجماعة، بحسب ما يسمح به السياق الذي تعمل فيه، بات أمراً ضروريّاً، في ضوء التحولات الراهنة. 

وفي اللحظات الحاسمة من عُمر الجماعات الإسلاموية، عادةً ما نكتشف مدى التقارب بين الإسلاموية السُّنية والشيعية، وهو تقارب يصل في بعض الأحيان إلى التطابق في المواقف، مثل ما حدث في الأيام الأولى من الربيع العربي، وقبل الاختلاف الذي حدث في سوريا، وفق الدراسة. 

أيضاً تشير التحولات الراهنة في نشاط الجماعة الإسلامية بلبنان إلى تأصّل عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية للدول، وعدم الإيمان الكامل بمفهوم الدولة الوطنية، وسيادة الولاء للجماعة على حساب الولاء للدولة. 

وأخيراً تتوقع الدراسة انعطافة الجماعة الإسلامية (السُنّية، والتي هي امتداد لتيار الإخوان المسلمين في لبنان) نحو علاقات أوثق مع حزب الله (الشيعي)، ربّما تؤدي إلى مزيد من الخلافات والتباينات بين بعض القادة في الجماعة. 

مواضيع ذات صلة:

"حزب الله" وإيران: من استنساخ النموذج إلى الاعتماد المتبادل

في حال توسع الصراع... ماذا يخبئ حزب الله للسفن الأمريكية؟

ليبرمان: تنتهي الحرب عندما تتم إزالة حزب الله برمّته



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية