بعد إذعان فرنسا لحكام النيجر.. ماذا يعني الخروج من الباب الضيق؟

بعد إذعان فرنسا لحكام النيجر.. ماذا يعني الخروج من الباب الضيق؟

بعد إذعان فرنسا لحكام النيجر.. ماذا يعني الخروج من الباب الضيق؟


27/09/2023

في النيجر، أصبح من المعتاد أن يتجمع مئات المتظاهرين أمام السفارة الفرنسية كل أسبوع للمطالبة برحيل القوات الفرنسية عن بلادهم، وفي يوم الجمعة الماضي أقام المتظاهرون اعتصاماً للصلاة. وطالب الإمام عبد العزيز عبد الله أمادو الحشود بالتحلي بالصبر، قائلاً، بحسب مراسل (بي بي سي): "كما أنّ الطلاق بين رجل وامرأة يستغرق وقتاً، فإنّ طلاق النيجر من فرنسا سيستغرق أيضاً وقتاً".

وأخيراً، جاء قرار فرنسا بسحب سفيرها وقواتها العسكرية من النيجر، الحليف الرئيسي الأخير في منطقة الساحل، وسط موجة من المشاعر العدائية، ممّا اعتبره مراقبون ضربة أخرى لنفوذ باريس في مستعمراتها الأفريقية السابقة.

يعتقد النيجيريون أنّ فرنسا حظيت بامتيازات غير مستحقة، سيطرت من خلالها على الموارد الطبيعية في البلاد لفترة طويلة جداً، ويرون في الانقلاب فرصة لطيّ صفحة الاستغلال، واستعادة السيادة، والتخلص من النفوذ الفرنسي

القيادة العسكرية في النيجر رحبت بإعلان الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الأحد 24 أيلول (سبتمبر) الجاري، سحب بلاده سفيرها وفرقتها العسكرية من النيجر، باعتبار ذلك "خطوة نحو السيادة"، بالتزامن مع خروج القوات الفرنسية بالفعل من مالي، وبوركينا فاسو، المجاورتين، في أعقاب الانقلابات العسكرية التي جرت مؤخراً.

ويعتقد النيجيريون أنّ فرنسا حظيت بامتيازات غير مستحقة، سيطرت من خلالها على الموارد الطبيعية في البلاد لفترة طويلة جداً، ويرون في الانقلاب فرصة لطيّ صفحة الاستغلال، واستعادة السيادة، والتخلص من النفوذ الفرنسي.

الخروج من الباب الضيق

يمكن القول إنّ باريس اختارت الخروج من الباب الضيق، إثر تعاملها بقدر من الاستخفاف في البداية، وعدم قدرتها على استشراف مآلات الأمور، في ظل تخبط الرئيس المعزول محمد بازوم، واستشراء فساد النخبة المتحالفة مع فرنسا، التي فشلت مرة أخرى في التعامل مع الانقلابيين، وتجاهل التأييد الشعبي للانقلاب.

 الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ظنت فرنسا أنّ بمقدورها تجاهل مطالب النظام العسكري؛ ممّا أدى إلى تفاقم مشاعر العداء، الذي وصل إلى حدّ تحدي السلطة العسكرية لفرنسا، فقد فرضت حظراً على تحليق الطائرات الفرنسية فوق المجال الجوي للبلاد، قبل يوم من إعلان ماكرون، كما علقت بوركينا فاسو عمل قناة الأخبار الفرنسية (جون أفريك) في البلاد، ممّا يعني أنّ باريس ربما باتت خارج معادلة النفوذ في منطقة الساحل والصحراء.

وفي هذا السياق، يقول مجاهد دورماز، كبير المحللين في شركة (فيريسك مابلكروفت) للمخاطر، ومقرها لندن، في تصريحات لوكالة (رويترز) للأنباء: إنّ "الجمهور في دول غرب أفريقيا أصبح حذراً بشكل متزايد من استضافة أيّ وجود عسكري غربي". وأضاف: "الخروج الفرنسي من النيجر سيدفع القوات الغربية بعيداً عن وسط الساحل".

محاولات احتواء النفوذ الروسي

أكدت تقارير عديدة أنّ موسكو نجحت في وضع قدم، بالفعل، في وسط وغرب أفريقيا، ممّا دفع الولايات المتحدة إلى محاولة ملء الفراغ الذي تركته فرنسا، ممّا يفسر تحركات واشنطن الأخيرة، في سياق السعي تجاه منع موسكو من التمدّد والهيمنة على النيجر خاصة، حيث التقى وزير الخارجية أنتوني بلينكن بممثلين عن الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لمناقشة الأزمة السياسية المعقدة في النيجر، ووجّه الشكر لـ (إيكواس) على الجهود الرامية للتوصل إلى حل يحفظ النظام الدستوري في النيجر، وإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم وعائلته وجميع المعتقلين، واستعرض بلينكن الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة للضغط من أجل استعادة الديمقراطية، بما في ذلك تقييد أكثر من (600) مليون دولار من المساعدات الأمنية والتنموية لنيامي، وتعليق اتفاقيات وكالة تحدي الألفية (MCC).

من الصعب تصور قبول وجود عسكري قوي لفرنسا، التي أصبحت لا تحظى بشعبية كبيرة لدى الرأي العام في المنطقة

الولايات المتحدة حذّرت العسكريين الذين سيطروا على النيجر من تجميد الدعم الأمريكي، ما لم يتم إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم، بكل ما يعنيه ذلك من سحب لمساعدات بمئات الملايين من الدولارات. وأكد بلينكن في أعقاب الانقلاب أنّ "الشراكة الاقتصادية والأمنية مع النيجر، التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات، تعتمد على استمرار الحكم الديمقراطي والنظام الدستوري الذي تعطل".

جدير بالذكر أنّ واشنطن اعتمدت في آذار (مارس) الفائت حزمة مساعدات إنسانية للنيجر بقيمة (150) مليون دولار، كما استفادت النيجر أيضاً من المساعدات العسكرية الأمريكية، والتدريب على مكافحة الإرهاب بمئات الملايين من الدولارات، وتستضيف النيجر على أراضيها حوالي (1100) جندي أمريكي.

بدوره، أعلن الاتحاد الأوروبي وفرنسا، في بيانين منفصلين، أنّهما قطعا التمويل عن النيجر. وسبق أن خصّص الاتحاد الأوروبي ميزانية قدرها (554) مليون دولار للنيجر، في الفترة من العام 2021 إلى العام 2024.

وربما يؤدي كل ذلك إلى تفاقهم الوضع الإنساني في النيجر، في ظل وجود نحو (4.3) ملايين شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، خاصّة مع قيام الأمم المتحدة بتعليق رحلات المساعدات الجوية بسبب إغلاق المجال الجوي للبلاد.

انفراط عقد الحلفاء

أشار تحليل حديث نشرته مؤسسة (كارنيجي) للسلام الدولي، ومقرها واشنطن، إلى أنّ "الأحداث في نيامي تمثل ضربة قاصمة لنفوذ باريس في منطقة الساحل". ولفت التقرير إلى أنّ الانسحاب الفرنسي، رغم ترحيب المجلس العسكري في النيجر، يثير قلق الخبراء، الذين يقولون إنّ تصاعد انعدام الأمن في مالي وبوركينا فاسو، بعد الانقلابات، قد يكون علامة على ما ينتظر النيجر في المستقبل، حيث قتل المسلحون بالفعل مئات المدنيين، في الأعوام الأخيرة.

موسكو نجحت في وضع قدم، بالفعل، في وسط وغرب أفريقيا

وبعد انسحابها القسري من وسط الساحل، لم يبقَ لفرنسا سوى تشاد، والدول الساحلية في غرب أفريقيا مثل: كوت ديفوار والسنغال، وربما بنين، كدول حليفة. ولكن وفقاً لتحليل (كارنيجي)، فإنّه حتى في دول غرب أفريقيا من الصعب تصور قبول وجود عسكري قوي لفرنسا، التي أصبحت لا تحظى بشعبية كبيرة لدى الرأي العام في المنطقة، حيث "لم يعد التعاون مع فرنسا في المسائل الأمنية أمراً ضرورياً".

في المقابل، فإنّ استعداد موسكو لدعم الأنظمة العسكرية، وعدم انشغالها بمسألة الحكم الدستوري، يمنح أفضلية كبيرة في التمدد والهيمنة، وهو ما تمّ بالفعل في مالي وبوركينا فاسو وغيرها، وعليه فإنّ الحزام الروسي في الساحل والصحراء أصبح أمراً واقعاً يشي بالكثير من السيناريوهات في المستقبل القريب.

مواضيع ذات صلة:

مالي والنيجر وبوركينا فاسو تشكل تحالفاً دفاعياً جديداً.. هل قرعت طبول الحرب؟

انقلاب النيجر: هل خسرت أوروبا رهانها على غاز أفريقيا؟

خبراء: النيجر تشعل التوتر بين الجزائر وفرنسا وتكشف تخبط "إيكواس"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية