اللاجئون: خيرٌ أن تكون أوكرانياً من أن تكون أفغانياً

اللاجئون: خيرٌ أن تكون أوكرانياً من أن تكون أفغانياً


كاتب ومترجم جزائري
18/05/2022

ترجمة: مدني قصري

أصبحت حدود أوروبا مناطق خارجة عن القانون تفتح وتغلق أمام اللاجئين مع انتشار الأزمات الدولية. بين الأشخاص الذين فرّوا من أفغانستان، صيف عام 2021، والذين غادروا أوكرانيا الغارقة في حالة حرب، منذ نهاية شباط (فبراير) 2022، كان الاختلاف في المعاملة مذهلاً، في فرنسا، لكن أيضاً في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

في 15 آب (أغسطس) 2021، في كابول، غزت طالبان القصر الرئاسي، وفي اليوم التالي أعلن إيمانويل ماكرون الترحيب بجميع الأفغان الذين عملوا لصالح فرنسا، من 2001 إلى 2014، وهم الآن مهدَّدون من قبل السلطة الجديدة، وفي خطابه إلى الأفغان المنكوبين أكّد أيضاً على إعطاء الأولوية للإجلاء السريع للفنانين والصحفيين والنساء والناشطين والمثقفين.

وإثباتاً لقدرته على الردّ الفوريّ، أنشأ وزير الخارجية الفرنسي رقم طوارئ مرتبطاً بخلية الأزمات، من أجل استلام ملفات طالبي اللجوء الذين يستوفون "المعايير" التي تحدّدها فرنسا، من أجل إخلاء وشيك. هذه الوعود التي قُطعت أمام آلاف الأفغان لم يتمّ الوفاء بها، مما خلق آمالاً زائفة للنساء والرجال المعرضين لخطر الموت، والتي ما تزال آمالاً دون إجابة حتى اليوم.

سياسة متذبذبة على مرّ الأزمات

إنّ عدم وجود منظمة أوروبية مشتركة لا يسهّل عملية طلب اللجوء، وهو دليل على عدم كفاية سياسة الهجرة في فرنسا وكذلك داخل الاتحاد الأوروبي؛ بل إنّ هذه السياسة تتأرجح بحسب أزمات الهجرة والصراعات، ومع ذلك؛ فإنّ الافتقار إلى التنسيق بين الدول الأوروبية في أعقاب الاستيلاء على كابول يتناقض بشدة مع ردود فعلها السريع والمنسق في سياق الحرب في أوكرانيا.

أصبحت حدود أوروبا مناطق خارجة عن القانون تفتح وتغلق أمام اللاجئين مع انتشار الأزمات الدولية

حول هذا الموضوع، تعرض كاثرين ويتول دي ويندين، الأخصائية في قضايا الهجرة، والعالمة السياسية والباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي "CNRS" (باريس) تحليلها للوضع:

"أثارت اتفاقيات جنيف وردودُ الفعل الأوروبية مسألةَ موقف دول أوروبا إزاء الجدل القائم حول الهجرة. تجدر الإشارة إلى أنّ أوروبا لم تكن على توافق مع القرارات المتخذة في المؤتمر الرابع، بتاريخ 12 آب (أغسطس) 1949، بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب. لقد سلطت الإدارة السيئة للغاية لأزمة عام 2015 الضوء على فشل سياسة الهجرة الأوروبية القائمة أساساً على الأنظمة الأمنية الموجَّهة إلى مسألة اللاجئين والترحيل ووضع المسألة على عاتق فريق خارجي، وإلى جانب ذلك لا توجد أرقام منشورة حول سياسة الإرجاع؛ لأنّها حقاً وصمة عار فرنسية".

المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: المجتمع الدولي لا يولي الدرجة نفسها من الاهتمام بحياة السود مثل حياة البيض. العالم لا يعامل الجنس البشري بالطريقة نفسها

"فيما يتعلق بالمحركات القانونية يلجأ القادة السياسيون إلى التعريف الواسع والغامض لوضع اللاجئ ومفهوم الاضطهاد. السلطة التقديرية للنصوص الدولية لا تسهّل مصير طالبي اللجوء، ويتم تطبيق حقّ اللجوء بشكل شخصي وعشوائي تماماً. من غير المرجح أن يتم قبول ميثاق الهجرة واللجوء الذي قدمته المفوضية الأوروبية، في 23 أيلول ( سبتمبر) 2020؛ لأنّ الإجماع مطلوب في المجلس الأوروبي وموقف المجر، الكاره للأجانب، والمدعوم بإعادة انتخاب رئيس وزرائها، فيكتور أوربان، سيجعل اعتماده هذا الميثاق غير مرجح".

"كلّ ما كان مستحيلاً أصبح فجأة ممكناً"

في 22 آذار (مارس) 2022، خطّط رئيس الوزراء جان كاستكس لافتتاح 100000 مكان لاستقبال الأوكرانيين الفارين من الحرب التي بدأها فلاديمير بوتين بالكاد قبل شهر واحد.

"كلّ ما كان مستحيلاً أصبح فجأة ممكناً منذ الحرب في أوكرانيا: فتح فصول لتعلم اللغات الأجنبية، وسوق العمل، ومراكز الاستقبال"، هكذا تفاجأت كاثرين ويتول دي ويندين، مضيفة: "الفجوة صارخة بين النصوص وإستراتيجية الردع، وهي إستراتيجية تغذي نظرية "الاستبدال العظيم"، وهي نظرية وضعها الكاتب رينو كامو، ونشرها اليمين المتطرف، لا سيما إريك زمور، الذي حصل على 7٪ من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية 2022.

في الوقت نفسه، زادت الاعتقالات التي نفذتها شرطة الجو والحدود من 1500 إلى 45000، وهذا لا يعني حدوث 3500 عبور إضافي؛ حيث يمكن أن يعبر البعض عدة مرات، فشرطة الحدود لا تقيم حساباً دقيقاً للتمييز بين أولئك الذين يجتازون الحدود للمرة الأولى، وأولئك الذين يحاولون المرور مرة أخرى، وهذا لسبب بسيط: كلّ استجواب تقابله مكافأة. وفي كلتا الحالتين؛ فإنّ ذلك يشهد على تزايد عدد اللاجئين الأفغان، حتى الآن لم يتمّ منع أيّ أوكراني من الدخول؛ فما الذي يبرّر هذه "المعايير المزدوجة"؟ لا أحد يجرؤ على طرح الفرضية بأنّ اعتبارات عرقية ودينية يغذّيها تفاقم سياسة الهُويات قد تلعب دوراً في هذا التمييز.

زادت الاعتقالات التي نفذتها شرطة الجو والحدود من 1500 إلى 45000

هل سيكون هيبة الله أخوندزاده، المرشد الأعلى الحالي لطالبان والحاكم الفعلي لأفغانستان، منذ هجوم طالبان عام 2021، في نظر قادتنا الأوروبيين أقلّ ذنباً وإثماً من حيث الاضطهاد الظالم من فلاديمير بوتين؟ على هذا السؤال أجابت كاثرين ويتول دي ويندين بالإيجاب:

"إذا كان الخوف الانتخابي يوجّه سياسة الهجرة لقادتنا السياسيين؛ فإنّ السياسة الخارجية تلعب أيضاً دوراً رئيسياً في اختيار الصيغ التي تكون أحياناً استباقية، وأحياناً رافضة، لقد دفع التهديد الذي يواجه حدود أوروبا منذ الحرب في أوكرانيا الدول الأوروبية إلى الردّ والتفاعل؛ لأنّ الأمر أدّى إلى مساءلة سلسلة من الأدوات (لا سيما الناتو) التي تثير قلق المسؤولين الأوروبيين. تلعب علاقة القرب دوراً مهماً".

الافتقار إلى التنسيق بين الدول الأوروبية في أعقاب الاستيلاء على العاصمة الأفغانية كابول يتناقض بشدة مع ردود فعلها السريع والمنسق في سياق الحرب في أوكرانيا

وهكذا؛ فمن خلال فتح أو إغلاق الحدود في وجه السكان المضطهدين يختفي في الواقع تصوّرُ البلدِ المضيف لنظام الاضطهاد.

بعد سقوط سايغون وبنوم بنه، عام 1975، لم تتردّد فرنسا في الترحيب دون قيود بـ "لاجئي القوارب" "boat people"، الفارين من الأنظمة الجديدة التي نصّبها الشيوعيون، في فيتنام كما في كمبوديا.

 لقد بذلت حكومة فاليري جيسكار ديستان، الرئيس الفرنسي آنذاك كلّ ما في وسعها لضمان أن يجد هؤلاء اللاجئون من جنوب شرق آسيا مكانهم اللائق في فرنسا. الهدف من سياسات الفصل هذه هو؛ أولاً وقبل كلّ شيء تجنيس السكان المهاجرين عن طريق اختيار أولئك الذين يُنظر إليهم على أنّهم الأقرب، لكن أيضاً الأكثر "فائدة" والأكثر "تحضّراً" القرارات لا تستجيب لاحتياجات أكبر عدد، لكن لسياسة "نوعية".

سياسة تسترشد بالرأي العام

تستنكر كاثرين ويتول دي ويندين هذا:

"تنتهج فرنسا سياسة هجرة لا تتوافق مع واقع الموضوع، طالما أنّها تخاطب الرأي العام في المقام الأول، في سياق أوروبي يمليه صعود الشعبويات. على مدى 30 عاماً استخدم السياسيون صيغاً رادعة لم تسفر عن أيّ شيء. عمليات الترحيل إلى الحدود لا تجدي نفعاً، لكنّهم يصرّون على اتباع هذا المنطق الذي يكلفنا ثمناً غالياً أيضاً. لقد زادت الميزانية المخصصة لأنشطة "فرونتكس" "Frontex 19" ضغفاً منذ عام 2004".

لقي أكثر من 50000 مهاجر حتفهم منذ عام 1990 في البحر الأبيض المتوسط

لقي أكثر من 50000 مهاجر حتفهم منذ عام 1990 في البحر الأبيض المتوسط، وقد ساهم الوجه غير المرغوب فيه الذي حُرِم من جميع الحقوق، مثل القصّر غير المصحوبين بذويهم (UMA) وكذلك طالبي اللجوء، وبما يتجاوز انتهاكات حقوق الإنسان، في تعزيز شعور فرنسا بالقلق.

 وفق كاثرين ويتول دي ويندين؛ يكمن الحلّ في قانون العمل المطبق في ألمانيا "تعليمات أوروبية لم تطبّق في فرنسا لأسباب أمنية تريدها وزارة الداخلية منذ سنوات، ومع ذلك فقد أظهرت أزمة فيروس كورونا المستجد الحاجة الماسة إلى التوظيف في بعض القطاعات التي تعاني فيها فرنسا من نقص في القوى العاملة، لقد حان الوقت لطالبي اللجوء للحصول على حقوق، بكل بساطة".

في 12 نيسان (أبريل) 2022، خلال مؤتمر صحفي، أعرب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن أسفه لأنّ المجتمع الدولي "لا يولي الدرجة نفسها من الاهتمام بحياة السود مثل حياة البيض، وخلص إلى أنّ "العالم لا يعامل الجنس البشري بالطريقة نفسها".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://orientxxi.info/magazine/refugies-mieux-vaut-etre-ukrainien-qu-afghan,5577


مواضيع ذات صلة:

اللاجئون السوريون في لبنان: البقاء فقر والرحيل مخاطرة!

كيف يطرد اللاجئون من الاتحاد الأوروبي بطرق سرية؟

اللاجئون في اليونان: أطفال يعانون صدمة نفسية وينامون في العراء



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية