العراق: أزمة النازحين... تضارب حكومي بشأن أعدادهم ... وسياسيون يعمقون الأزمة

 أزمة النازحين... تضارب حكومي بشأن أعدادهم ... وسياسيون يعمقون الأزمة

العراق: أزمة النازحين... تضارب حكومي بشأن أعدادهم ... وسياسيون يعمقون الأزمة


22/06/2023

تفتقد السلطات العراقية لأيّ بيانات حقيقية بشأن أعداد النازحين عن مناطقهم لدى اجتياحها من قبل عناصر تنظيم داعش الإرهابي في حزيران (يونيو) 2014. وما زال في العراق أكثر من مليون نازح يقطنون في مخيمات النزوح داخل المحافظات الآمنة، ولا سيّما في إقليم كردستان، شمال البلاد.

واعترف الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بأنّ الأسر النازحة تعيش أوضاعاً "صعبة" في مخيمات النزوح، وأنّ أعدادها تجاوزت نصف المليون في عموم العراق، وهو عدد بعيد جداً عن العدد الذي تصرّح به وزارة الهجرة والمهجرين لوسائل الإعلام، فالوزارة تؤكد أنّ الأعداد المتبقية من نازحي المخيمات نحو (36) ألفاً فقط.

في المقابل، ينتقد ناشطون في مجال الإغاثة الإنسانية الأداء الحكومي العراقي تجاه ملف النازحين، مشيرين إلى افتقاد الوزارة لأيّ بيانات حقيقية حول أعدادهم في الوقت الراهن، وأكدوا أنّ جهات سياسية تقف حائلاً دون إنهاء الملف بالكامل.

وتسيطر فصائل مسلحة تعمل ضمن "الحشد الشعبي" على بعض المناطق التي نزح أهلها منها في جرف الصخر شمال محافظة بابل، وفي محافظتي ديالى والأنبار، وقد منعت أهلها من العودة إليها، وكان رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض قد تعهد في وقت سابق بتسهيل عودتهم، من دون نتائج تذكر.

ومنذ العام 2014 نزح (6) ملايين عراقي من (6) محافظات في وسط وغربي وشمالي البلاد، إثر سيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة العراق، وعلى الرغم من عودة معظم هؤلاء النازحين إلى مناطقهم الأصلية خلال الأعوام الـ (5) الماضية التي أعقبت استعادة القوات العراقية السيطرة على هذه المناطق، إلّا أنّه ما يزال هناك (1.2) مليون نازح في المخيمات، وفق آخر إحصائية لمنظمة الهجرة الدولية، وهناك أكثر من (665) ألفاً منهم في مخيمات إقليم كردستان، وفق أحدث الإحصائيات عن مركز إدارة الأزمات بالإقليم.

مخيمات النزوح داخل العراق

ويتوزع النازحون في إقليم كردستان على (25) مخيماً؛ (15) منها في محافظة دهوك، و(6) بمحافظة أربيل، و(4) في السليمانية، ويواجه نازحوها وضعاً إنسانياً صعباً، فضلاً عن تأخر المساعدات الإنسانية المقدمة من وزارة الهجرة، وتراجع الدعم الدولي هذا العام.

في غضون ذلك، ينتشر نحو ثلث العدد الكلي ممّن تبقى من النازحين (200 ألف) في مخيمات عشوائية موزعة في عموم البلاد، ولا تعترف الحكومة العراقية بمسؤوليتها تجاههم، لا سيّما أنّ وزارة الهجرة والمهجرين كانت قد أعلنت العام الماضي إغلاق جميع المخيمات باستثناء مخيمات كردستان ومخيم الجدعة بمحافظة نينوى، ضمن خطة "العودة الطوعية" التي وصفتها منظمات حقوقية بأنّها "غير مدروسة"، وقد انتهت بالكثير من النازحين في العشوائيات وسط ظروف إنسانية مأساوية.

أوضاع صعبة

ولدى لقائه بمساعد الأمين للأمم المتحدة عبد الرزاق الدردي، صرّح الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد بوجود أكثر من نصف المليون نازح داخل العراق، يعيشون أوضاعاً صعبة جراء عدم عودتهم إلى ديارهم.

وبحسب بيان رئاسي، شدد الرئيس العراقي على "أهمية البدء بالعمل الفعلي وتقديم نتائج ملموسة في ملف النازحين"، لافتاً إلى "عدم تقديم أيّ شيء للنازحين على أرض الواقع، كما يجب إنهاء هذا الملف بإعادتهم إلى مناطق سكناهم".

الناشط علي البياتي ينتقد عدم وجود أعداد دقيقة للنازحين لدى الحكومة، ويؤكد وقوف جهات سياسية خلف الملف، لإعاقة عودة النازحين إلى مناطق سكناهم

وأشار إلى "وجود الإمكانات الوطنية من المهندسين والقوة العاملة التي يمكن الاستفادة منها عبر التعاون مع منظمات الأمم المتحدة في هذا الشأن". بدورها، أكدت الأمم المتحدة عن دعمها للعراق بكافة مجالات، وعلى رأسها ملف النازحين، بحسب البيان.

وكانت البعثة الأممية في العراق قد أعربت في وقت سابق عن وجود عجز بنسبة 82% في التخصيصات المالية المطلوبة لموضوع النازحين العراقيين. وقالت إنّه "تم إلى حدّ الآن تأمين (42.4) مليون دولار في صندوقها، وهو يشكل نسبة 18% فقط من المبلغ الكلي المطلوب لتغطية متطلبات برامج الاحتياجات الإنسانية في العراق لعام 2023 والبالغة (239.9) مليون دولار".

ناشطون ينتقدون

من جهتهم، انتقد ناشطون عراقيون في مجال الإغاثة الإنسانية أداء المؤسسات الحكومية إزاء ملف النازحين، وتحديداً وزارة الهجرة والمهجرين. مشيرين إلى وجود "تخبط" في أداء تلك المؤسسات من خلال عدم وجود بيانات تامة عن مجمل الأسر النازحة داخل البلاد.

المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية علي عباس

علي البياتي، رئيس منظمة (مدافعون) لحقوق الإنسان، قال: إنّ "الحكومة غير قادرة على حلّ مشكلة النازحين، وإنّ الجهة المعنية، وهي وزارة الهجرة والمهجرين، لا تمتلك بيانات دقيقة على موقعها الإلكتروني بشأن أعداد النازحين في العراق، كما أنّ الأرقام غير دقيقة لدى مختلف الجهات الرسمية".

ويضيف لـ "حفريات" أنّ "رئيس الجمهورية يتحدث عن أعداد غير الأعداد التي تعلن عنها  الوزارة، كما أنّ منظمة الهجرة الدولية تصرّح بأعداد مغايرة عنهما"، مشيراً إلى أنّ "السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانسكي لدى لقائها وزيرة الهجرة العراقية إيفان جابرو اعتمدت أعداد منظمة الهجرة الدولية، حينما قالت إنّ عدد النازحين العراقيين وصل إلى مليون و(200) ألف".

المتحدث باسم وزارة الهجرة علي عباس يؤكد امتلاك الوزارة لبيانات دقيقة عن النازحين، لكنّ المشكلة في الانشطار داخل الأسر النازحة لدى إقامتها طويلاً في مخيمات النزوح ممّا يضاعف الأعداد

وينتقد البياتي عدم تقديم الحكومة العراقية معالجات حقيقية لهذا الملف، ويوضح أنّ "بعض هؤلاء النازحين يعيش في ظروف سيئة، ويفتقد لحياة طبيعية، بل إنّ بعضهم لا يعيش في مخيمات، وإنّما في هياكل وسط العراء"، لافتاً إلى أنّ "عدم حلّ الحكومة لهذا ملف وبقاء هذا العدد الكبير بمخيمات النزوح يعود إلى عدم قدرتها على توفير العيش الكريم لهم".

ويتابع قوله: "سبق أن أعلنت الحكومة أنّها قامت بإغلاق مخيمات النازحين، من أجل  إجبار النازحين على العودة إلى مناطقهم غير المؤهلة. وهذا ما أشارت إليه إحاطة بعثة الأمم المتحدة لدى العراق في مجلس الأمن الدولي"، مؤكداً "وقوف جهات سياسية خلف الملف لإعاقة عودة النازحين إلى مناطق سكناهم، لأنّ تلك الجهات تستثمر في بعض المناطق المحررة من تنظيم داعش".

الوزارة ترد

من جهتها، ردّت وزارة الهجرة والمهجرين على اتهامها بالتقصير، وعدم امتلاكها لقاعدة البيانات، وأكدت أنّ أرقامها دقيقة، وأنّها تعمل بالتواصل اليومي مع مخيمات النزوح المختلفة.

ويقول المتحدث باسم الوزارة علي عباس لـ "حفريات": إنّ "النزوح نوعان؛ هناك نزوح مطول، وآخر قصير يمتد لـ (45) يوماً نتيجة الكوارث أو الفيضانات، ويمكن معالجتها خلال هذه الأيام، ويعود النازحون إلى مناطق سكناهم".

أسر عراقية مازالت غير قادرة على العودة إلى مناطقها المحررة من داعش سنة 2017

ويضيف :"أمّا النزوح المطول، فمعالجاته تختلف كثيراً، لأنّ الأسر النازحة تنشطر نتيجة للتكاثر ولبقائهم داخل المخيمات فترة طويلة، ممّا يضاعف الأعداد على مدار فترة الإقامة". معتبراً أنّ حسم هذا الملف يحتاج إلى "تعاون الحكومات المحلية، والسلطات المجتمعية مثل العشائر، وإلى توفر الخدمات بشكل كبير"، مبيناً أنّ "كل تلك العوامل تؤدي إلى حلّ ملف النازحين في العراق".

وبشأن الأعداد المسجلة لدى الوزارة، أوضح قائلاً: "إنّنا نمتلك قاعدة بيانات رصينة وتحديثية بشكل يومي. وما أعلن عن وجود أعداد كبيرة هي أعداد النازحين الذي يقطنون خارج المخيمات، وهم الذين نزحوا عن بلداتهم، وسكنوا بلدات أخرى آمنة".  

مواضيع ذات صلة:

"رفض" لمعادلة الحكم الطائفي... حركة عابرة للحزبية في العراق

العراق: أزمة الكهرباء تحرج حكومة السوداني... ما دور واشنطن وطهران؟

في سوريا والعراق... ماذا ينتظر الأكراد بعد فوز أردوغان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية