الدبلوماسية الدينية في الإمارات: بناء جسور التسامح والتعايش والحوار

الدبلوماسية الدينية في الإمارات: بناء جسور التسامح والتعايش والحوار

الدبلوماسية الدينية في الإمارات: بناء جسور التسامح والتعايش والحوار


17/06/2023

أصبحت الدبلوماسية الدينية (Religious Diplomacy) أداة أساسية في السياسة الخارجية الإماراتية. وتتجلى أهمية هذه الأداة في بناء جسور الحوار بين الأديان، ونشر قيم السلام والتسامح والتأثير على السياسات الخارجية للدول.

ورعت دولة الإمارات منصّات ومنابر وجوائز ومبادرات متعددة لترسيخ التسامح والتعايش والحوار بين الأديان وتعزيز التنوع والأخوّة الإنسانية، حيث انعقد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مؤتمر "الدبلوماسية الدينية.. الفرص والتحديات الدولية" الذي نظمته جامعة السوربون في أبوظبي، وأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، ورعاه سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش.

وفي هذا الإطار صدر، مؤخراً، كتاب "دور دولة الإمارات في تمكين الدبلوماسية الدينية" للباحثة الدكتورة ابتسام الكتبي عن مركز الإمارات للسياسات، إذ يتمحور عمل الدبلوماسية الدينية في بذل الجهود كي تعمل الأديان مصدراً حقيقياً ومؤثّراً وديناميكياً للسلام والتقدم والازدهار. وكما يؤكد العلاّمة عبد الله بن بيه، فإنّ الفيصل في مقولة إنّ "الدين يمكن أن يكون على الدوام جزءاً من الحلّ، وليس جزءاً من المشكلة...يعتمد على القيادات الدينية والروحية والفكرية، التي يعود إليها إيجاد التأويل الأنسب للدين؛ لأنّ الأديان هي في أصلها خير ورحمة وحكمة وعدل ومصلحة" كما ذكر الموقع الإلكتروني لمركز الإمارات للسياسات.

وفي ضوء كتاب الكتبي، فإنّ القيمة المضافة المنشودة التي يمكن أن تقدمها الدبلوماسية الدينية هي تركيزها على ضرورة وأهمية "أنْسَنَة" الخطاب الديني و"أنْسَنَة" السياسة في آن معاً... "وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

الدبلوماسية الدينية وخفض التوترات

يطمح الكتاب أيضاً إلى النجاح في الإسهام في الجهدين المنهجي والموضوعي اللذين يسلّطا الضوء على أهمية الدبلوماسية الدينية ودورها في خفض التوترات وتسوية النزاعات، وبالتالي توسيع المصالح المشتركة بين البشر، وتقليل الحواجز وعناصر الصراع بينهم.

قيمة الدبلوماسية الدينية تكمن في أنسنة السياسة والخطاب

وسيطرت هذه المحاور على مؤتمر الدبلوماسية الدينية، العام الماضي، الذي شارك فيه أكاديميون، ورجال دين، وشخصيات دبلوماسية مرموقة وخبراء في الشؤون الخارجية من مختلف أنحاء العالم.

وبحث المؤتمر ثلاثة جوانب مرتبطة بالدبلوماسية الدينية، بما في ذلك دورها الفاعل في تهدئة النزاعات من خلال تحديد الأطراف التي تشترك في دعم الحوار بين الأديان والتعددية الثقافية، كما سلط الضوء على مفهوم الدبلوماسية الدينية بوصفها بديلاً فاعلاً للدبلوماسية الكلاسيكية وتحديد أساليب عملها وأهدافها، إضافةً إلى إبراز دور الدبلوماسية الدينية كأداة قوية مؤثرة في السياسات الخارجية للدول.

الدبلوماسية الدينية التي تسعى دولة الإمارات إلى تمكينها هدفها دعــم الحــوار بيــن الأديــان، ودعم التعدديــة الثقافيــة، وإظهــار مكانــة الدبلوماســية الثقافيــة كبديــل للدبلوماســية الكلاســيكية

وخلال افتتاح المؤتمر، قال وزير التسامح والتعايش: في دولة الإمارات، سعينا دائماً لأن نكون محفزين لقيم السلام والتسامح والتفاهم وإرساء دعائم الاستقرار في العالم، ونعلم جيداً أهمية إيجاد العوامل المشتركة بين مختلف الأديان والمعتقدات، ونؤمن بأنّ مبادئ توحيد الناس الذين ينتمون لديانات وتقاليد وثقافات مختلفة وتسخير القيم الأساسية المشتركة بين جميع الأديان يجب أن تقود إلى عالم أكثر تسامحاً وعدالةً، عالم خال من التطرف والعنف والكراهية، عالم يسوده السلام والازدهار والأمان ومستقبل أفضل لجميع البشر.

وتظهر الحاجة إلى التركيز على أهمية الترابــط الــذي ينبــع مــن العولمــة التــي تتزايــد يومــاً بعــد يــوم، ما يــؤدي إلــى ظهــور نزعــات الهويــة لــدى الــدول والانكفــاء علــى الــذات. وتتعــرض العلاقــات الدوليــة أيضــاً لتوتــرات متعارضــة، ولا بــد أن تعالــج الدبلوماســية ذلــك بإيجــاد وســائل جديــدة للتوفيــق بيــن مصالــح الــدول والحفــاظ علــى الســلم والأمــن الدولييــن.

ويرى خبراء أنّ الظاهــرة الدينيــة منتشــرة فــي كل مــكان وذات تأثيــر مــزدوج، فقــد تكــون مصــدراً للاضطــراب، أو الاســتقرار فــي العلاقــات بيــن الــدول أو المناطــق، وهــو مــا ينبغــي متابعتــه وتحليلــه.

الجغرافيــا السياســية الدينيــة

في مؤتمر الدبلوماسية الدينية، جرى الالتفات إلى مجــال جديــد فــي الدراســة وهــو: "الجغرافيــا السياســية الدينيــة". فبنفــس القــدر قـد تكـون مصـدراً لتهدئـة النزاعـات وقد تسـاعد فـي لـمّ شـمل طوائـف المجتمـع. ولذلـك، فــإن الدبلوماســية الدينيــة أصبحــت إحــدى أدوات السياســة الخارجيــة للــدول.

المؤتمرون قرأوا النمـط الجديـد لعلاقـات القـوة، منوهين بأنّ الأيديولوجيات التقليديـة - كالتـي كانـت سـائدة فــي فتــرة الحــرب البــاردة - تميــل إلــى الاندثــار. ولمــا كانــت تتستــر تحــت الأيديولوجيات الأقنعة، فـإن الدبلوماسـية الدينيـة باتـت أداة لنـزع فتيـل الصـراع بيـن الحضـارات والـذي يميّز أيضـاً القـرن الحـادي والعشـرين، بحسـب مـا ذكـره صامويـل هنتنجتـون.

غيــر أنّ الدبلوماســية الدينيــة ليســت معروفــة، وتعانــي مــن "البداهــة"، ولاســيما فــي  الســياق الدولــي للمواجهــة بيــن العديــد مــن القيــم المتنافســة. وفــي حيــن أنّ هــذا  المجـال مـن الدراسـة لا يحظـى بحقـه مـن البحـث، كما أفاد منظمو المؤتمر، فـإنّ اسـتخدام الخطـاب الدينـي فـي الخطابــات السياســية، أو فــي عمليــة تســوية النزاعــات يتزايــد بوضــوح، ييسّرالحوار حينما يبدو التبادل مستحيلاً؛ وتدعم التسـامح عندما تبدو الدبلوماسـية الدينية فـي حالـة مـن الجمـود. فالخطـاب الـذي ينقلـه المبعوثـون الدينيون أفضــل قبــولاً وأوســع لــدى الحكومــات؛ لأنه يبــدو بعيــداً عــن المكايــدات السياسـية، ويتصـف بالحكمـة أو الروحانيـة، ويفهمـه كذلـك الحاكمون ويدعمونـه.

 ولهذا تقـوم الدبلوماسـية الدينيـة علـى الحـوار والوقايـة والتشـاور مـع كل الأطـراف الفاعلـة. ولا ينبغـي علـى المـرء أن يتغاضـى عـن أنّ ذلـك يرتبـط فـي معظمـه بالإسـتراتيجية.

الدبلوماسية الدينية التي تسعى دولة الإمارات إلى تمكينها هدفها دعــم الحــوار بيــن الأديــان، ودعم التعدديــة الثقافيــة، وإظهــار مكانــة الدبلوماســية الثقافيــة كبديــل للدبلوماســية الكلاســيكية.

يؤدي القادة الروحيون وعلماء الدين والمشتغلون في الحقول الدينية دوراً مؤثراً في إرساء السَكينة والتآخي والتكافل وعمل الخير وتعزيز التعايش وصون كرامة الإنسان وحماية حقوقه

وتكمن أهمية الدبلوماسية الدينية في خفض التصعيد، كما ترى الدكتورة ابتسام الكتبي، ومع تزايد بؤر التوتر والملفات الساخنة حول العالم، تتزايد الحاجة للاستفادة من جميع الجهود والمؤثرين؛ من أجل خفض التصعيد وزيادة عوامل الاستقرار ومحاصرة أعمال العنف والتحريض والكراهية التي تغذي الحروب والصراعات. وفي هذا الصدد يؤدي القادة الروحيون وعلماء الدين والمشتغلون في الحقول الدينية دوراً مؤثراً في إرساء السَكينة والتآخي والتكافل وعمل الخير وتعزيز التعايش وصون كرامة الإنسان وحماية حقوقه.

وترى الكتبي، في مقال نشره الموقع الإلكتروني لمركز الإمارات للسياسات، مطلع آذار (مارس) الماضي، أنّ من المهم تأهيل الدبلوماسيين للتعامل الحصيف مع المُمْكنات التي تتوافر عليها الأديان والقادة الروحيون؛ سواء في دور الأديان في تشكيل وعي الأفراد وبناء هويتهم وصياغة أفكارهم وبعض دوافع سلوكهم، أو في قدرتها على خلق خطاب صحي يساعد على فضّ النزاعات والحثّ على قيم العفو والمسامحة، إلى جانب العدل والصدق والتضامن، وعدم التعدي على الضعفاء والفقراء والأقل قوّة ممن يحظون بالقوة والنفوذ.

مواضيع ذات صلة:

حقوق الإنسان في الإمارات... سجل حافل وإنجازات ملهمة

كيف ساهم مجلس الإمارات للإفتاء ورابطة العالم الإسلامي والإفتاء المصرية في محاربة التطرف؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية