الجهاديون في شبه القارة الهندية وسوريا والعراق

الجهاديون في شبه القارة الهندية وسوريا والعراق

الجهاديون في شبه القارة الهندية وسوريا والعراق


25/03/2024

منحت التحولات السياسية والصراعات الراهنة التنظيمات المتطرفة فرصة، لإعادة ترتيب صفوفها من جديد، في ظل انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية التي تقترب من دخول عامها الثالث، لتتصاعد المخاوف الدولية من تمدد نشاط هذه التنظيمات، خاصة مع تأزم المشهد بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، وامتداد أبعاد الصراع إلى الحدود الإسرائيلية اللبنانية والحدود الإسرائيلية السورية، وإعلان تنظيم داعش مسؤوليته عن الانفجارين اللذين وقعا في كرمان جنوب إيران في 3 يناير 2023.

حركة طالبان

عودة حركة طالبان للحكم عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 30 أغسطس 2021، كانت بمثابة طوق نجاة للتنظيمات المتطرفة في أفغانستان وباكستان، ورغم تأكيد طالبان بأن أفغانستان لن تصبح مرة أخرى ملاذاً للإرهاب، وتوقيعها مع الولايات المتحدة على اتفاق الدوحة في فبراير 2020 وتقديم ضمانات لمكافحة الإرهاب. إلا أن قراراتها المتشددة ضد المجتمع الأفغاني أثارت الكثير من المخاوف، وأصبحت أفغانستان في ظل حكم طالبان، الدولة الوحيدة بالعالم التي تحظر تعلم الفتيات بعد مرحلة الثانوية، وتمنعهن من العمل في المنظمات غير الحكومية والوكالات الأممية، وباتت (80%) من الفتيات في سن الدراسة غير متعلمات.

قررت طالبان في 4 يوليو 2023 إغلاق مراكز تجميل السيدات في غضون شهر، لفرض قيود على النشاط الذي يمثل مصدر دخل كبير للأفغان منذ نهاية 2001، وأزالت طالبان صور النساء التي تحتوي على اللون الأبيض وطمسوها باللون الأسود، نظراً لأن الحركة ترى أن صور النساء تعد إهانة لعلمها الذي يحتوي على اللون الأبيض. وخلال عامي 2021 و2022 أغلقت طالبان المدارس العليا للفتيات ومنعت النساء من الالتحاق بالجامعة ودخول صالات الألعاب الرياضية والمتنزهات، ورصدت منظمة العفو الدولية تعرض النساء المحتجات للاحتجاز والاختفاء القسري، وفي 28 أغسطس 2023 منعت الحكومة الأفغانية النساء من زيارة متنزه “باند- إي– أمير” بولاية باميان، وبررت القرار بأن النساء اللواتي يزرن المتنزه لم يكن ملتزمات بالحجاب.

حصلت بعثة الأمم المتحدة بأفغانستان، على تقارير موثوقة في الفترة من 15 أغسطس 2021 و30 يونيو 2023، تفيد بأن طالبان مسؤولة عن (218) حالة قتل خارج نطاق القضاء و(14) حالة اختفاء قسري، وأكثر من (144) حادث تعذيب وإساءة معاملة و(424) اعتقالاً واحتجازاً تعسفياً. وفي 7 نوفمبر 2023 اعتبر رئيس مركز مكافحة الإرهاب التابع لرابطة الدول المستقلة يفغيني سيسويف، أن تصريح طالبان حول “تصدير الشريعة” يعد خطراً على دول آسيا الوسطى، مشيراً إلى أن طالبان ليست قادرة على التعامل مع خطر تنظيم “داعش- خراسان” لذا تشكل أفغانستان مصدر قلق.

تنظيم القاعدة

تباينت التقييمات بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة حول قدرات التنظيم وعلاقته بطالبان بعد مقتل أيمن الظواهري زعيم القاعدة في أغسطس 2022 في غارة أمريكية، وفي 21 يونيو 2023 أشار تقرير أممي إلى أن علاقة القاعدة بطالبان ليست قوية فحسب، بل أن القاعدة تحمي مسؤولي طالبان وتسعى إلى الوصول للحكومة، وتولى قيادي من طالبان على صلة بالقاعدة منصب نائب مدير المديرية العامة للاستخبارات، وقدمت طالبان للقاعدة مدفوعات اجتماعية شهرياً. وأفاد التقرير بأن تنظيم القاعدة يستخدم أفغانستان كمركز لوجيستي لتجنيد مقاتلين جدد وبناء قدراته للعمليات الخارجية، خاصة وأنه أصبح يميل للامركزية، ويتوزع على مراكز رئيسية مثل كابول وقندهار وهلمند، إضافة إلى معسكرات تدريب جديدة في أفغانستان. بينما قدر مسؤولون أمريكيون خطر القاعدة إلى أنه وصل إلى أدنى مستوياته منذ عقود في أفغانستان وباكستان، مستبعدين عودته من جديد، لخسارته المساحة الجغرافية لتدريب المقاتلين عليها، والتوجه الاستراتيجي بعد مقتل أيمن الظواهري.داعش و”الجهاديون”ـ جدلية طالبان وخراسان في أفغانستان

تنظيم داعش ـ خراسان

اكتسب تنظيم “داعش ـ خراسان” قدرات متزايدة وحرية في الحركة مع صعود طالبان للحكم، ورغم اعتماده في 2015 حينما تأسس، على أعضاء سابقين في تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان وباكستان، إلا أنه استخدم دعاية ضدهما ودخل في منافسة مباشرة معهما. وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن أعداد التنظيم في أفغانستان تتراوح ما بين (8- 9) آلاف مقاتل، بينما تشير التقديرات الأممية إلى (6) آلاف مقاتل. وفي 2023 نفذ التنظيم هجمات أسفرت عن (68) قتيل بينهم (21) من طالبان و(215) مصاب، لذا يعد من أخطر التنظيمات الإرهابية في آسيا الوسطى.

ما بين نهاية 2022 وبداية 2023، هاجم “داعش-خراسان” السفارتين الباكستانية والروسية، ونفذ هجوماً على مجمع للقوات الجوية وآخر على فندق كان يقيم فيه رجال أعمال صينيون. وفي 11 يناير 2023 تبنى هجوماً انتحارياً أمام مدخل الخارجية الأفغانية، نجم عنه (10) قتلى و(53) جريح، ونفذ في 27 مارس 2023 هجوماً آخر أمام الخارجية، أسفر عن (6) قتلى. وفي 27 يونيو 2023 أكد تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، أن ولاية خراسان ضاعفت من هجماتها ضد دور العبادة والمدارس والأسواق ونجم عنها (345) ضحية، وفي 31 يوليو 2023 استهدف تجمعاً لحزب “علماء الإسلام” في باجور بباكستان، وقتل أكثر من (50) شخصاً.

تنظيمات أخرى

نشطت تنظيمات متطرفة أخرى في أفغانستان وباكستان، وفي يناير 2023 وقع انفجار داخل مجمع للشرطة في بيشاور الباكستانية، أدى لمقتل أكثر من (80) رجل أمن، وفي فبراير 2023 قتل (5) أشخاص في هجوم لحركة “طالبان باكستان” على مبنى للشرطة في كراتشي الباكستانية، وفي 20 أغسطس 2023 قتل (11) عاملاً في انفجار عبوة ناسفة على الحدود الباكستانية- الأفغانية، وفي 29 سبتمبر2023، قتل (58) شخصاً وجرح (80) آخرين في تفجير موكباً دينياً خلال احتفالات المولد النبوي جنوب غرب باكستان، وفي 13 أكتوبر 2023، قتل (7) أشخاص في تفجير لمسجد شمال أفغانستان، وقتل (23) شخصاً في هجوم على قاعدة عسكرية شمال غرب باكستان في 12 ديسمبر 2023، وتبنت حركة “الجهاد الباكستانية” الهجوم.ملف: داعش و”الجهاديون”ـ واقع الأمن في الساحل الإفريقي، أفغانستان وسوريا

تنظيم داعش في سوريا والعراق

عاد تنظيم داعش للواجهة من جديد في سوريا والعراق في 2023، رغم خسارته للمساحة الجغرافية وبعض قياداته، وقدرت أعداده ما بين (5- 7) آلاف مقاتل، وفي سوريا نفذ (336) عملية بمناطق النظام السوري والإدارة الذاتية لشمال سوريا، أسفرت عن مقتل (700) شخصاً من العسكريين والمدنيين، من بينها (38) هجوماً على حمص وحماة والرقة ودير الزور، وينشط داعش في (4) آلاف كيلو متر مربع، ما بين المناطق الصحراوية الوسطى والبادية السورية وتدمر وبادية دير الزور وبادية السخنة والسويداء. ويعتمد التنظيم على الإتاوات والضرائب والغنائم التي يستولي عليها أثناء الهجوم على عناصر الجيش السوري، وصهاريج البترول في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”.

شن داعش هجمات دموية في سوريا خلال 2023، من بينها هجوم في 11 أغسطس 2023، أسفر عن مقتل (23) جندياً بعد استهداف حافلة عسكرية بدير الزور الشرقي، وفي 8 نوفمبر 2023 قتل (30) عنصراً من القوات السورية في هجمات متزامنة في البادية عند مثلت ” الرقة- حمص- دير الزور”. وشن في 9 يناير 2024 هجومين، الأول استهدف حافلة عسكرية في ريف حمص الشرقي أسفر عنه 14 قتيلاً، والثاني أدى لقتل ضابطاً بصفوف الجيش وعنصراً من الدفاع الوطني بريف الرقة الغربي.

تمكن داعش بالعراق من الاحتفاظ بموارده المالية، وقدرت أمواله بأكثر من (100) مليون دولار من عائدات الإتاوات وحالات الابتزاز والاختطاف والاتجار بالمخدرات، وتنشط خلاياه في محافظات صلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى وصحراء الأنبار، وتبنى التنظيم (141) هجوماً في العراق خلال 2023، ومن أشد الهجمات انفجار عبوتان ناسفتان في ديالى أسفر عن (11) قتيلاً في الأول من ديسمبر 2023.

خطر تمدد التنظيمات الإرهابية إلى أوروبا

توالت التحذيرات من ظهور جيل جديد من قادة “داعش”، لنشاط التنظيم بالعراق وسوريا خلال النصف الأول من 2023، وفي 18 يوليو 2023 كشفت الاستخبارات البريطانية عن أن داعش والقاعدة، يخططان لهجمات إرهابية في المملكة المتحدة، وحذرت الولايات المتحدة من احتمالية عودة داعش، لشن هجماته على السجون التي تضم عناصره بسوريا، وتتخوف أجهزة الاستخبارات الغربية من احتمالية فرار عناصر داعش والتوجه لأوروبا، نظراً لتوسع استخدامهم للإنترنت لنشر أفكاره وتجنيد عناصر جديدة، وحذرت الخارجية الفرنسية في 6 أغسطس 2023، من اتخاذ داعش أشكالاً جديدة في الخفاء والعودة مجدداً. وحذر رئيس مركز مكافحة الإرهاب برابطة الدول المستقلة يفغيني سيسويف، في 7 نوفمبر 2023 من توجه المقاتلين الأجانب لأوروبا ممن اكتسبوا خبرة في سوريا والعراق تحت ستار “مهاجرين غير شرعيين”.داعش و”الجهاديون” في سوريا ـ أسباب ظهور داعش من جديد (ملف)

تقييم وقراءة مستقبلية

– تتشابه أجواء عام 2024 مع فترات صعود تنظيمات مثل القاعدة وداعش الأعوام الماضية، من حيث تأجج الصراعات السياسية في عدة مناطق بأوروبا والشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، وتداعياتها على زيادة سباق التسلح بين دول العالم، واستمرار أزمات اللجوء والغذاء والطاقة، ما يزيد من احتمالية ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية وعودة تنظيمي القاعدة وداعش، وظهور تنظيمات منبثقة عنهما.

– تحالف حركة طالبان مع تنظيم القاعدة، يزيد من فرص إعادة بناء قدراته للعمليات خارج أفغانستان وباكستان، ويهدد أمن الدول المجاورة لهما، خاصة وأن نشاط القاعدة يصب في صالح طالبان لضرب أهداف داعش داخل آسيا الوسطى، ما يزيد من المنافسة بين التنظيمين ويضاعف من حجم الهجمات داخل آسيا وخارجها.

– استراتيجية “داعش ـ خراسان” التي تعتمد على الدعاية الإلكترونية وشن هجمات بالخارج عبر الذئاب المنفردة، تمنحه نقاط قوة أمام القاعدة وطالبان، ولكنه يعاني أيضاً من نقاط ضعف تتعلق بكثرة خلافاته مع طالبان، واستهدافه لفئات عرقية أقلية في باكستان وأفغانستان، ما يدفعه لعقد صفقات مع تنظيمات متطرفة صغيرة لكسب شعبية على أرض الواقع.

– رغم ما تحاول حركة طالبان تصديره بشأن مكافحة الإرهاب، لكن نشاط داعش بالمنطقة، وإجراءات الحركة المتشددة ضد النساء والحريات، تضعها في مأزق أمام الرأي العام العالمي، ويجعل من أفغانستان مساحة لنمو الإرهاب.

– انخفاض الهجمات الإرهابية في سوريا والعراق في 2023 نسبياً مقارنة بسنوات سيطرة داعش، لا يعني انتهاء الإرهاب وزوال الخطر، بل أن الوضع الراهن يشير إلى عودة قوية للتنظيم، في ظل بقاء عناصره بين حدود البلدين وداخل السجون والمخيمات بسوريا، ومطالبة العراق لـ “قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش” بإنهاء مهمتها، في إطار التصعيد بمنطقة الشرق الأوسط واستهداف الولايات المتحدة لمقر للحشد الشعبي مؤخراً، وتعد هذه الأحداث مواتية لداعش لترتيب صفوفه وشن هجمات أشد دموية.

ـ نشاط داعش في سوريا والعراق، يهدد أوروبا بشكل مباشر، لعودة الضغوط الدولية على الحكومات لاستعادة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم، ولسهولة تواصل داعش مع الذئاب المنفردة في أوروبا لشن هجمات كمحاولة لإثبات وجوده مجدداً.

–  تباين الرؤى بين الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة، حول خطورة التنظيمات في شبه القارة الهندية، يزيد المخاوف بشأن التوافق الدولي حول مواجهة تنظيمي “القاعدة” و”داعش -خراسان”، ما يهدد الأمن والسلم العالميين.

– توسع دائرة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، يزيد من خطر الإرهاب في المنطقة وأوروبا أيضاً، في ظل استمرار الصراع الروسي الأوكراني، وارتفاع الهجمات المرتبطة بدوافع إسلاموية متطرفة وأخرى مرتبطة بدوافع يمينية متطرفة، الأمر الذي يتطلب من أوروبا إعادة طرح ورقة التفاوض لإنهاء حرب أوكرانيا، والتدخل لتحجيم أبعاد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، منعاً من تحول بعض المناطق إلى بؤرة إرهاب وزيادة التهديدات الأمنية

عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية