إيران وتوترات القوقاز: هل تتصاعد الأزمة بين طهران وأذربيجان؟

إيران وتوترات القوقاز: هل تتصاعد الأزمة بين طهران وأذربيجان؟

إيران وتوترات القوقاز: هل تتصاعد الأزمة بين طهران وأذربيجان؟


14/12/2023

حذرت إيران في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي من "أي تغيير جيوسياسي" في منطقة القوقاز، معترفة في الوقت نفسه بسيادة أذربيجان على ناغورني قره باغ.

وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي "نحن نعارض أي تغيير في الحدود الدولية والتغييرات الجيوسياسية للحدود الدولية".

وكان كنعاني يشير، كما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية، إلى مشروع ممر زنغزور الممتد على الحدود مع إيران، والذي يفترض أن يتيح لباكو تأمين استمرار في الأراضي، وصولاً إلى ناخيتشيفان، الجمهورية الخاضعة لحكم ذاتي والواقعة بين أرمينيا وإيران وتركيا والملحقة بأذربيجان.

وضم هذه الطريق الاستراتيجية، بحسب طهران، سيقطع وصول إيران إلى أرمينيا وأوروبا.

من جانب آخر، ذكر كنعاني أنّ إيران "أيدت على الدوام عودة الأراضي المحتلة" في ناغورني قره باغ "إلى أذربيجان".

وكان الانفصاليون الأرمن من ناغورني قره باغ استسلموا، قبل تصريخات كنعاني بأسبوع، أمام هجوم خاطف شنته أذربيجان أوقع حوالي 600 قتيل، فيما نزح أكثر من مئة ألف أرمني من هذه المنطقة.

وزير الخارجية الإيراني يستضيف نظيره الأرمني في طهران

وأدلى المتحدث الإيراني بهذه التصريحات فيما يقوم مسؤول أرمني رفيع هو أمين سر مجلس الأمن أرمين غريغوريان، بزيارة إلى طهران التقى خلالها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان.

وأكدت طهران مجدداً في هذه المناسبة دعمها ليريفان مع علاقات وثيقة تربط البلدين، وخصوصا تجارية.

وعند استقباله غريغوريان، شدد أمين مجلس الأمن القومي الايراني علي أكبر أحمديان على ضرورة بذل جهود لاعادة الهدوء بهدف "عدم تأجيج الأزمة".

وتقول الوكالة الفرنسية إنّ العلاقات بين باكو وطهران تقليدياً حساسة، إذ إنّ أذربيجان الناطقة بالتركية حليفة مقربة لتركيا، المنافسة التاريخية لإيران.

من جانب آخر، تشتري باكو أسلحة من إسرائيل، الخصم الكبير الآخر للسلطات الايرانية.

وتضم إيران مجموعة ناطقة باللغة الآذرية تعد حوالي عشرة ملايين شخص، وكذلك مجموعة أرمنية تضم حوالي مئة ألف شخص. 

آخر توغلات إيران في القوقاز

وفي آخر توغلاتها الدبلوماسية في سياسات جنوب القوقاز، ومن خلال استضافتها وزير خارجية أرمينيا، أعلنت طهران تأييدها لمحادثات السلام بين باكو ويريفان. وتؤكد الاستضافة التي تأتي في أعقاب الجهود الإيرانية لتخفيف التوترات المتصاعدة مع أذربيجان رغبة طهران في تجنب دفع جارتها الشمالية الغربية المنافسة أكثر إلى حضن إسرائيل وحماية مصالحها في جنوب القوقاز.

وفي السياق ذاته، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دعم إيران لسيادة أراضي جميع دول المنطقة ووحدتها.

كما أكد الرئيس الإيراني أنّ طهران لا تقبل أي تغييرات للحدود أو الجغرافيا السياسية للمنطقة. وأضاف أنّ التدخل الخارجي لن يؤدي إلا إلى "تفاقم" المشاكل القائمة.

 

خلال حرب عام 2020 بين أذربيجان وأرمينيا على منطقة ناغورنو كاراباخ، أُفيد بأنّ أذربيجان تلقت مساعدة من إسرائيل وتركيا بينما امتنعت إيران عن الانحياز 

 

وفي تحليلها لهذه التطورات تقول منصة "أمواج ميديا" على موقعها الإلكتروني إنّ علاقات أذربيجان الآخذة في التوطيد مع إسرائيل في السنوات الماضية، شكلت مصدراً رئيسياً للخلاف بين باكو وطهران. كما اندلعت التوترات مؤخراً بسبب جهود أذربيجان المزعومة لقطع اتصال إيران البري بأرمينيا.

وخلال حرب عام 2020 بين أذربيجان وأرمينيا على منطقة ناغورنو كاراباخ، أُفيد بأنّ أذربيجان تلقت مساعدة من إسرائيل وتركيا بينما امتنعت إيران، الحليف القديم لأرمينيا، بحذر عن الانحياز لأي طرف خلال الحرب.

واستولت أذربيجان على أراض شاسعة خلال الصراع الذي استمر 44 يوماً. وانتهت الحرب باتفاق وقف إطلاق النار بوساطة روسية. وكجزء من هذا الاتفاق، وافقت أرمينيا على إنشاء ممر في منطقة سيونيك الجنوبية المتاخمة لإيران. ومن شأن ممر زنغزور أن يربط بين البر الرئيسي الأذربيجاني وجيب ناختشيفان.

وترى وسائل الإعلام الإيرانية في ممر النقل البري خطوة مدعومة من تركيا لفصل إيران عن أرمينيا حيث تسعى أنقرة لتوسيع نفوذها في جنوب القوقاز. وفي هذا السياق، حذر المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً من "تغييرات حدودية" في المنطقة.

واتخذت العلاقات المتوترة بالفعل بين باكو وطهران منعطفاً نحو الأسوأ في أعقاب سلسلة من التطورات في وقت سابق من هذا العام.

وفي 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، أدى هجوم مميت على السفارة الأذربيجانية في طهران إلى مقتل رئيس الأمن بالمبنى الدبلوماسي. وألقت إيران باللوم في الحادث على خلاف شخصي. ورفضت أذربيجان تبريرات إيران وأمرت بإخلاء سفارتها.

لجوء سكان ناغورنو كاراباخ إلى أرمينيا

ولعل ما زاد الطين بلة، بحسب منصة أمواج، قيام أذربيجان في أواخر آذار (مارس) بافتتاح سفارة لها في إسرائيل، العدو اللدود لإيران. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب توسع العلاقات العسكرية بين باكو وتل أبيب.

في أوائل نيسان (أبريل)، طردت أذربيجان أربعة دبلوماسيين إيرانيين. وأدى ذلك إلى اتخاذ طهران إجراءات مماثلة بعد شهر.

وتعد الحدود بين أرمينيا وإيران ذات أهمية كبيرة لكلا البلدين. ووُصفت الحدود التي تبلغ 48 كم (29.8 ميلاً) بأنها "شريان حياة" بالنسبة لأرمينيا، التي تجد نفسها بين مطرقة تركيا وسندان أذربيجان.

وتوفر الحدود الأرمينية لإيران طريق عبور برياً يمكن الاعتماد عليه إلى جورجيا وما وراءها. هذا أمر ذو قيمة عالية بشكل خاص بالنسبة لطهران في الأوقات التي تشهد العلاقات مع باكو وأنقرة اضطرابات. علاوة على ذلك، تعتبر إيران جنوب القوقاز منطقة نفوذ تاريخية وترى أي خسارة للحدود البرية مع الدول هناك تهديداً لهذه المكانة الأوسع.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إيران حذرة من الانتشار المستمر للخطاب الانفصالي المؤيد للترك في شمال غربها، حيث تعيش الإثنيات الأذربيجانية.

وتتوقع منصة "أمواج" نشوب نزاع مسلح بين أذربيجان وإيران، على الرغم من أنه غير مرجح  يمكن أن يشمل أطرافاً خارجية متعددة بسرعة. وقد يعني ذلك أيضاً مواجهة ثانية كبيرة في منطقة جنوب القوقاز التي لا تزال تعاني تداعيات من حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020.

على الرغم من التوترات الشديدة، تشير المناورات التصالحية الأخيرة إلى رغبة كل من باكو وطهران في تجنب مواجهة شاملة.

وينظر إلى ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب على أنه مشروع موجه لربط روسيا والهند عبر إيران والخليج ويمر عبر أذربيجان. ويشكل هذا الأخير حافزاً قوياً لطهران لمواصلة تحسين العلاقات مع باكو، خاصة وأنّ عائدات العبور هي المفتاح لطموحات إدارة رئيسي الاقتصادية.

من المرجح أن تواصل إيران السعي لتحقيق توازن بين الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع أرمينيا من دون السماح بتفاقم العلاقات مع أذربيجان.

استراتيجية إيران في منطقة جنوب القوقاز 

أخذت إيران وقتاً طويلاً لفهم التغيرات شديدة التعقيد على حدودها الشمالية الغربية. وتحاول طهران اليوم تصميم استراتيجية جديدة لها في منطقة جنوب القوقاز، لكنّها تبدو خطوة متأخرة للغاية، بحسب تقدير موقف نشره أمس على موقعه الإلكتروني مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي.

ولم تُظهِر روسيا على مدى العقدين الأخيرين رغبةً بمنح إيران دوراً نشطاً في جنوب القوقاز، وذلك عائدٌ لأسباب منها منح موسكو الأولويّة للتفاعل الروسي- التركي في المنطقة، وإخفاق طهران في تبنّي نهجٍ ثابت وخارج عن النمط الأيديولوجي المعتاد.

وتجد إيران أنّ أفضل الخيارات المُتاحة حالياً هي العمل على استعادة توازن القوى بين أذربيجان وأرمينيا؛ وهو ما يتطلب كسب الوقت لاتخاذ خطوات جديدة، مع استخدام التهديدات والتطمينات في وقت واحد لكلٍّ من باكو ويريفان.

تتمثّل إحدى أكبر التهديدات التي تواجه طهران في منطقة القوقاز الجنوبي، بحسب المركز، بالتغييرات السريعة التي تحدث في توازنات القوى في هذه المنطقة؛ حيث يتزايد وزن ومجال تأثير المحور (الإسرائيلي- التركي- الأمريكي)، وبشكل خاص، حلف شمال الأطلسي، والغرب.

 

مركز الإمارات للسياسات: من المتوقع أنْ تشهد المنطقة تصعيداً مُتبادلاً متعدّد الأبعاد ضد طهران في جنوب القوقاز بعد انتهاء الأزمة في غزة

 

وبشكل عام، تعود هذه التطورات للتغيرات في السياسة العالمية، وزيادة نفوذ منافسي طهران في المنطقة؛ خاصة خلال العقدين الأخيرين، نتيجة لانشغال إيران في صراعات مختلفة على الساحة العالمية، وتصاعد نطاق التوتر مع الولايات المتحدة، وغيرها من الدول. وقد أدّى هذا الانشغال إلى إهمال أقسام متخصصة في وزارة الخارجية، حتى تم تجاهل التحليلات، والدراسات المتخصصة للأوضاع والتطورات السريعة في منطقة القوقاز .

وكانت طهران تتوقع أنْ تحقق تقدُّماً ملحوظاً في تحريك عمليّة السلام والتعاون في جنوب القوقاز، بعد استضافتها اجتماع مجموعة الـ (3+3) في طهران، تحت عنوان التعاون والتنمية؛ حيثُ تتطلّع طهران، كما يقول مركز الإمارات للسياسات، إلى تحقيق آمالها وأفكارها في المنطقة، بعد توقف وتقاعس دام عقدين من الزمان. وهي تلعب الآن دوراً فاعلاً، وتُعدُّ من الأطراف المؤثرة في المنطقة إلى جانب روسيا، وتركيا. وعلى سبيل المثال، تمكنت طهران من وضع خطة ممرّ آراس موضع التنفيذ، لكنّ الأوضاع الميدانية تُشير إلى أنّ اتفاقات اجتماع طهران، بقيت في معظمها حبراً على ورق، كما كانت في الماضي، خصوصاً بعد هجوم "حماس" على إسرائيل، واشتعال حرب غزة؛ حيث تعتبر تل أبيب، طهران هي المحرض الرئيس وراء هجمات "حماس".

ومن المتوقع أنْ تشهد المنطقة تصعيداً مُتبادلاً متعدّد الأبعاد ضدّ طهران في جنوب القوقاز بعد انتهاء الأزمة في غزة؛ إذْ يعكس الواقع في أذربيجان استعدادها للتصعيد؛ حيث تواصل وسائل الإعلام في باكو هجومها على طهران، رغم الوقف المؤقت للتصعيد الإعلامي. وهو ما يشير إلى فضاء متجه نحو تصعيد التوتر بين البلدين إلى مستويات أكبر ممّا كانت عليه في الأشهر الست الماضية. خاصة إذا ما تمّ النظر إليه إلى جانب التحركات المناهضة لروسيا في يريفان، وتعقيد معادلات القوقاز من خلال جلب أطراف أجنبية أخرى ضد مصالح إيران إلى المنطقة.

مواضيغ ذات صلة:

أذربيجان تعتقل أشخاصاً متهمين بالتخطيط لانقلاب.. ما علاقة إيران؟

تشيع أذربيجان وتشيع إيران

هل تورطت إيران بعملية اغتيال في أذربيجان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية