إيران تفقد عواصمها العربيّة الأربع!

إيران تفقد عواصمها العربيّة الأربع!


25/03/2021

محمد قواس

تتلاشى قبضة إيران على العواصم العربية التي أعلنت بفخر سيطرتها عليها (علي رضا زاكاني عضو البرلمان الإيراني أول من استخدم هذا التعبير عام 2014). وإن تعبِّر طهران عن توتر في صيانة حضورها في لبنان، فذلك أنها تعتبر أن بيروت ما زالت أكثر العواصم خضوعاً لنفوذها ولسطوة سلاح حزبها هناك، وتحرص على أن لا تتيح لأي طرف خارجي أن يتقدم منقذاً (باريس مثلاً) أو يتطوع وسيطاً (موسكو مثلاً آخر)، ولا تسمح بقيام حكومة لا يمتلك "حزب الله" الإمساك الكامل والشامل بمفاتيحها.

فقدت إيران زمام المبادرة في اليمن. لم يكن خبراً سعيداً أن يطل الرئيس الأميركي جو بايدن على الشرق الأوسط فلا يرى من أزماته إلا الحرب في اليمن. ولم يكن خبراً سعيداً أن تعيّن واشنطن مبعوثاً خاصاً إلى اليمن (تيموثي ليندركينغ) يهندس انخراطها لوقف المأساة في هذا البلد. ولئن تفاءلت جماعة الحوثي برفع واشنطن اسمها عن لوائح الإرهاب، إلا أن طهران أدركت أن المطالبة الدولية، في المقابل، بالسلم في اليمن، ستسقط من أيديها ورقة لا يمكن استثمارها إلا على قاعدة العنف والحروب واللا دولة.

أساءت طهران قراءة إطلالة واشنطن على اليمن. استندت الى الموقف الأميركي الجديد لتسعير هجمات ميليشياتها في مأرب وتكثيف اعتداءاتها الصاروخية وعبر المسيّرات على السعودية. وتفاجأت لاحقاً بالتحوّل النوعي للهجمات العسكرية للتحالف العربي، والديناميات اللافتة للجيش اليمني في الدفاع عن مأرب، وفتح جبهات جديدة، وتوسيع رقعة العمليات الميدانية.

وفق هذا المعطى الميداني السياسي الدبلوماسي، أطلقت الرياض مبادرتها للسلام في اليمن. صفّقت العواصم البعيدة والقريبة. ارتبكت جماعة الحوثي. تعثرت طهران، وبدا أن خط التواصل بين واشنطن والرياض يسحب ورقة اليمن من خزائن طهران.

تفقد إيران زمام المبادرة في العراق. خسرت جنرالها الشهير قاسم سليماني داخل هذا البلد. تحوّلت وجماعاتها من موقع الهجوم والهيمنة إلى موقع الدفاع والحفاظ على ما يمكن المحافظة عليه. قال العراقيون كلمتهم منذ "ثورة تشرين" 2019. أطاحوا حكومة عادل عبد المهدي، وفرضوا على الطبقة السياسية التي تخترقها طهران، القبول بحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي تستجيب لغضبهم وتفرض تنظيم انتخابات تشريعية مسبقة. عجزت آلة القمع الرسمية عن إسكات الناس في بغداد والناصرية والبصرة والنجف وغيرها، فارتدّت جماعات إيران إلى سلوك العصابات في اغتيال الناشطين والغدر بهم.

تلعثمت إيران في التعامل مع زيارة البابا فرنسيس العراق. اكتشفت أن العراق والعراقيين يذهبون مذاهب أخرى في الوصل مع العالم والقطع، من خلال استقبال بابا الكاثوليك، مع العصبيات الدينية التي تسوّقها طهران في بلادهم. بدا أيضاً أن الولايات المتحدة تعزّز نفوذها، وتلمّح ببقاء قواتها، وتغير مقاتلاتها (25 شباط / فبراير الماضي) على مواقع لميليشيات عراقية تدعمها طهران قرب البوكمال في سوريا. رسالة واشنطن: "لن نتسامح مع الهجمات التي تستهدف رعايانا أو شركاءنا العراقيين"، وفق المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي.

بدا أيضاً أن الحضور العربي يتقدم داخل العراق، ليس فقط بما يتطور في علاقات هذا البلد بالسعودية ودول الخليج، بل بما يتمأسس وفق "مشروع المشرق الجديد" بين مصر والأردن والعراق، الذي يلتقي قادته مجدداً في بغداد نهاية هذا الشهر. تتأمل طهران هذا المشهد. تدرك نهائية حركته ومحال عودته إلى الوراء، وتستنتج تحلل ورقة العراق من قبضتها.

تفقد إيران زمام المبادرة في سوريا. تراقب هيمنة روسيا على المشهد العسكري والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي. تنقل الأخبار أخيراً قيام "الفيلق الخامس" السوري التابع لموسكو بطرد ميليشيات "فاطميون" التابعة لإيران من حقل "الثورة" النفطي جنوب غربي الرقة، بعد ساعات من سيطرتها على حقل "توينان" للغاز في منطقة الطبقة في ريف الرقة. تراقب طهران احتفاظ روسيا بـ"الوكالة" الغربية لتدبير شؤون سوريا والعمل على رسم مآلاته. تلاحظ حركة موسكو باتجاه الخليج وأوروبا والولايات المتحدة للاهتداء إلى نقطة توازن استراتيجية لتعويم "الحل الروسي" في سوريا.

وفق تقاطع عربي أوروبي أميركي حول ضرورة خروج إيران من سوريا، يتأسس أي "حل روسي" بالإمكان تسويقه. ووفق هذه القاعدة تستمر إسرائيل، كما تفعل منذ سنوات، في فلاحتها النارية ضد أي أهداف تابعة لإيران وميليشياتها التي تعتبرها خطراً على أمنها. يجري الأمر بتواطؤ وتنسيق مع روسيا التي تستقبل قبل أيام وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي لتأكيد ذلك التعاون الاستراتيجي الخبيث.

تتأمل إيران تآكل استثماراتها في سوريا وتصدّع حضورها داخل عملية أستانا. سيؤدي الانفتاح "الموعود" بين تركيا ومصر ودول الخليج حكماً إلى عزل إيران في حجّها السوري، بما سيزيد من تآكل قيمة ورقتها السورية في البورصات الجيوستراتيجية الدولية.

ولئن تتأمل إيران تصدّع مستقبلها داخل العواصم الثلاث، إلا أنها غير واثقة بديمومة تمكنها من ورقة بيروت. يشي سلوك "حزب الله" وتوتر أمينه العام السيد حسن نصر الله في مقاربة أزمة البلد الاقتصادية والسياسية أن طهران تفقد أيضاً زمام المبادرة في هذا البلد. 

واجه "حزب الله" بتوتر مبادرة البطريرك بشارة الراعي في الدعوة إلى حياد لبنان وعقد مؤتمر دولي لمساعدة البلد. فسواء باعتبار الأمر "مزاحاً"، على حد تعبير نصر الله، أو بالمسارعة إلى تفعيل قناة تواصل حزبه مع البطريركية، فإن الأمر يعبّر عن توجّس من هذا الحضور الدولي في خطاب الزعيم الروحي المسيحي في لبنان، يشبه توجس طهران وميليشياتها في العراق من زيارة البابا هذا البلد. 

لم يعد "حزب الله" قادراً على إخفاء قلقه من مبادرة فرنسا في لبنان. أخفى ذلك القلق حين زار رئيسها إيمانويل ماكرون البلد (آب / أغسطس الماضي)، ساعياً لمسايرة مواقف باريس من الحزب (فرنسا ما زالت لا تعتبر الحزب إرهابياً على منوال بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة). بيد أن نصر الله اضطر أخيراً للتصريح برفضه لمعايير فرنسا، مشككاً بنجاعة حكومة مستقلين، مستشرفاً فشلها، ومشجعاً ضمناً حليفه الرئيس ميشال عون على تعطيل تشكيلها. يكشف الأمر عن قلق حقيقي لدى إيران من خسارة ورقتها اللبنانية داخل خرائط التحولات المقبلة في المنطقة.

تفقد طهران شيئاً فشيئاً العواصم العربية الأربع. الزمن يتغير، والتحولات الجارية حالياً ترسم كل يوم أفول طموحات إيران وتقادم "ثورتها" وتساقط أوراقها. وحين تتساقط الأوراق فتلك، ربما، أعراض خريف قادم في إيران؟

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية