إخوان تونس يزعمون "اختطاف الديمقراطية".. من فعل ذلك حقاً بعد الثورة؟

إخوان تونس يزعمون "اختطاف الديمقراطية".. من فعل ذلك حقاً بعد الثورة؟

إخوان تونس يزعمون "اختطاف الديمقراطية".. من فعل ذلك حقاً بعد الثورة؟


02/10/2023

في رسالة وجهها رئيس حركة النهضة الإخوانية إلى أنصاره في ذكرى تأسيسها، وسرعان ما تم سحبها من الموقع، أشار راشد الغنوشي الذي يقبع في السجن على خلفية قضايا متعددة تتعلق بالإرهاب وتبييض الموال وغيرها، في رسالته كما في عدد من المناسبات، أشار إلى "الديمقراطية المختطفة" في تونس. لذلك يهتم هذا المقال بالإجابة عن سؤال مهم: من اختطف الديمقراطية حقاً في تونس بعد 2011؟ وما الذي تعنيه الديمقراطية في عرف راشد الغنوشي وأتباعه وأتباع الحركات الإسلاموية الإخوانية؟

تمكنت حركة النهضة الإخوانية في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2011، أول انتخابات في تونس بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وفراره من تونس، تمكنت من حصد أغلبية برلمانية سيطرت بها على مجلس نواب الشعب، وكونت تحالفاً عُرف حينها بالترويكا، وأصبحت تحكم بقبضة حديدية بأغلبية مريحة. ولكن سرعان ما بدأ التونسيون والتونسيات يكتشفون الوجه الحقيقي لهذه الحركة بعد عقود قضتها في جبة المظلومية واللعب على أوتار العواطف في مجتمع عاطفي حدّ النخاع، وتمكنت بتلك الجبة من حشد الدعم في الداخل والخارج، وتلقّت الدعم والتمويل من منظمات دولية وجمعيات وأحزاب ومؤسسات متعددة راهنت عليها ومولتها بسخاء، على رأسها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. غير أنّ تلك الحركة التي تمثل في تونس "الخوف من الله" و"التدين الحقيقي" و"حب الخير" وغيرها من الشعارات سرعان ما انكشفت لمّا أعلنت هذه الحركة عن برنامجها الحقيقي في تغيير المجتمع التونسي، وأعادت إلى السطح قضايا كان المجتمع التونسي قد حسمها منذ ما قبل الاستقلال تخص الهوية واللغة ودين الدولة وغيرها، وحاصرت الإعلام والمجتمع المدني وضربت بيد من حديد كل التحركات الشعبية الرافضة لسياساتها العنجهية (أحداث قصف المتظاهرين بالرشّ في سليانة نموذجاً)، كما تعاملت بكبرياء وعنجهية ضد الرافضين لسياساتها بلغت بأحد قيادييها حينها بعبارته الشهيرة التي تقترح على كل رافض لسياساتها أن "يشرب من ماء البحر"، معلنة أنّ الديمقراطية والشرعية قد نصبتها حاكمة للشعب التونسي.

 الرئيس التونسي قيس سعيّد

كما أنّ الديمقراطية منحتها الأغلبية على حدّ زعمها فأغرقت الإدارات التونسية والوزارات والدواوين والمدارس وغيرها من المنشآت العمومية بسيلٍ من التعيينات دون مناظرات، ومنحت أتباعها أموالاً طائلة من التعويضات فأغرقت المالية العمومية بكتلة أجور لا تحتمل، وما زالت الدولة التونسية تعاني تبعاتها إلى حدّ الآن. والحجة التي تواجه بها معارضيها حينها هي الديمقراطية، وتبرر سياساتها في استنزاف الدولة ومواردها المتهالكة بطبعها بأنّ الديمقراطية في العالم تقضي بأن يفعل الفائز بالأغلبية ما يشاء.

الديمقراطية التي تتغنى بها حركة النهضة الإخوانية ليست سوى ديكور يخفي جرائم متعددة، منها تهريب الأموال وتبييضها وشراء الأصوات ومخالفة قانون الأحزاب والجمعيات

وفي الوقت نفسه تجاهلت حركة النهضة والثنائي الحاكم معها (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بقيادة المنصف المرزوقي وحزب التكتل من أجل العمل والحريات بقيادة مصطفى بن جعفر) تجاهلت المرسوم الذي تأسس عليه المجلس التأسيسي، سواء من حيث المدة، وهي عام بالضبط حسب نص المرسوم، كما تجاوزت صلاحيات المجلس في حد ذاته وحوّلته من مجلس تأسيسي مهمته الحصرية كتابة دستور جديد للبلاد إلى مجلس نواب تغوّل في كل المستويات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً. وكانت حركة النهضة بالتالي أول منقلب على مرسوم كان حينها بمنزلة الدستور، بما أنّ دستور 1959 قد انتهى العمل به بعد سقوط النظام مباشرة. وكانت النهضة بذلك أول من اختطف الديمقراطية وكاد يودي بالبلاد إلى نار حرب أهلية لولا "التوافق" بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي في ما بات يعرف بلقاء باريس، الذي اقتسما بموجبه السلطة في الأعوام اللاحقة حتى وفاة قائد السبسي واندثار حزبه.

وبعد الثورة أوحت حركة النهضة الإخوانية للتونسيين بأنّها حزب بمؤسسات تصنع قراراتها وتوجهاتها عن طريق الانتخاب مثل الأحزاب المعاصرة، غير أنّ الشعب التونسي سرعان ما اكتشف زيف هذا الادعاء أيضاً لمّا برزت تقارير إعلامية وتسريبات جادة تثبت تلقي الحركة لتمويلات بالمليارات من الخارج بطرق مختلفة، فقد أكد أكثر من قيادي فيها وأكثر من تقرير صحفي أنّ أموالاً طائلة كانت تعبر عبر مطار تونس قرطاج الدولي لمّا كانت تمتلك السلطة والنفوذ على كل شيء في البلاد وتتصرف فيها مثل ضيعة خاصة، كما تمر التمويلات الضخمة عن طريق آلاف الجمعيات التي تأسست أغلبيتها الساحقة في 2011 و2012، وكان بعض قيادييها يرأسون كثيراً منها في خرق واضح للقانون الذي يمنع الجمع بين القيادة الحزبية والقيادة الجمعياتية. كما كانت الأموال الطائلة تمر عن طريق تبييض الأموال وطرق ملتوية أخرى، ومن أهمها ما كشفته عقودها المبرمة مع شركات الضغط في أمريكا وأوروبا، إذ كشف أحد العقود عن إبرامها عقداً قيمته (330) مليون دولار لفائدة حركة النهضة، والغريب أنّ امرأة باكستانية قد أبرمت العقد مع الشركة، رغم أنّ أهداف العقد تهم تبييض صورة حركة النهضة وتمكينها من مراكز النفوذ في أمريكا وأوروبا ووصولها إلى الإعلام، وقد رأينا نتيجتها عندما نشر الغنوشي بعض المقالات باللغة الإنجليزية في صحيفة أمريكية يستحيل الوصول إليها دون شركات ضغط.

إنّ كل ما سبق قد كشف للتونسيين أنّ الديمقراطية التي تتغنى بها حركة النهضة الإخوانية ليست سوى ديكور يخفي جرائم متعددة، منها تهريب الأموال وتبييضها وشراء الأصوات ومخالفة قانون الأحزاب والجمعيات ومخالفة قوانين الحملات الانتخابية وتجاوزها والتحيل على تمويلها وتمويل آلاف الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه خصومها والتعدي على المراسيم التي حلت محل الدستور وغيرها من الجرائم.

والأهم من كل ما سبق أنّ حركة النهضة لا تتعامل مع الديمقراطية إلّا بوصفها أداة للحكم، وذاك هو مفهومها الأوحد. فإذا كانت في طريقها إلى الحكم عظّمت من شأنها كي يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات ويُعترف فيما بعد بنتائجها، بما أنّها تدرك حجم ما تبذله من تمويلات وخروقات للقانون للفوز، وإذا كانت في الحكم داستها ووظفتها أداة للاستبداد والغطرسة وحرمان الآخرين من انتقادها والتضييق عليهم بشتى الوسائل.

وبالتالي فإنّ تعاملها مع الديمقراطية لا يخرج عن عادتها في التعامل مع مختلف نواحي الحياة بازدواجية تضمر غير ما تظهر. ويبرز ذلك خاصة في الفرق بين خطابها وهي في الحكم وخطابها وهي خارجه، ذلك أنّها تطالب بالديمقراطية وتحضر بكثافة في خطاباتها عندما تكون في طريقها إلى الحكم، وحالما تتمكن من السلطة تستبد وتمرّغ وجه الديمقراطية في التراب، بما تعنيه من حرية وتعددية وحق في المعارضة.

دفعت حركة النهضة الإخوانية الثمن غالياً بفقدان الأغلبية الساحقة من قاعدتها الانتخابية بعد عشرية يصفها التونسيون بأنّها "سوداء"، كما فقدت التعاطف والدعم وأغلقت عليها أغلب منافذ التمويل الخارجي

إنّ أول من اختطف الديمقراطية في تونس بعد الثورة هي حركة النهضة التي انتهجت سياسة استبدادية متعالية، وكانت تسمّي معارضيها "جماعة صفر فاصل" للتقليل من وزنهم الانتخابي، خلافاً لكل ديمقراطية حقيقية تفرض على صاحب الأغلبية احترام الحق في المعارضة أوّلاً.

وربما لهذه الأسباب دفعت حركة النهضة الإخوانية الثمن غالياً بفقدان الأغلبية الساحقة من قاعدتها الانتخابية بعد عشرية يصفها التونسيون بأنّها "سوداء"، كما فقدت التعاطف والدعم وأغلقت عليها أغلب منافذ التمويل الخارجي، ولم يعد أحد يستمع إلى نقدها "استبداد قيس سعيّد" كما تصفه، بما أنّها أذاقت المجتمع التونسي استبداداً عنيفاً طيلة (10) أعوام من القمع والاغتيالات السياسية والتعدي على القانون والدستور.

مواضيع ذات صلة:

لماذا تخلى إخوان تونس عن رئيس حركتهم في محنته؟

مناورة إخوان الجزائر في تونس ... اعتداء والتفاف وتعمية

هل قطعت حركة النهضة التونسية حقاً مع الإخوان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية