منصور يافاش: هل وجدت تركيا رجلها البديل لأردوغان؟

كشف استطلاع رأي شعبيّ، أجرته مؤسسة "متروبول" للأبحاث والاستطلاعات، في تركيا تقدّم رئيس بلدية أنقرة المعارض، منصور يافاش، على الرئيس التركيّ، رجب طيب أردوغان، بفارق ثلاث نقاط، في انعكاس واضح لمدى تراجع شعبية النظام الحاكم في تركيا، الذي يتخبّط سياسياً، وتجلّى هذا التخبط، من خلال أعمال القمع التي مارستها شرطة النظام، مع طلاب جامعة البسفور.

يبرهن حزب الشعب الجمهوري، بمرشحيه الأقوياء، على كذب الادّعاء الإخواني الأردوغاني، القائل إنّ هذا الحزب لن يقدر على إدارة الدولة

وجاء هذا الاستطلاع بعد أيام من حصول يافاش على جائزة الشفافية الخاصة، من جمعية الشفافية الدولية، وذلك في أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2020، والتساؤل الذي يطرح نفسه؛ هل وجدت المعارضة التركيّة البديل المناسب لإزاحة حزب العدالة والتنمية عن سدة الحكم؟

الرجل المناسب في المكان المناسب

اجتذب منصور يافاش الانتباه كمرشح لبلدية العاصمة في الانتخابات المحلية، في آذار (مارس) 2009، بعد حصوله على 27 % من الأصوات في بلدية أنقرة الحضرية، وكان قد ترشّح للانتخابات المحلية لعام 2004 عن حزب الشعب الجمهوريّ، بحصوله على 43.83٪، كما تمّ انتخابه عمدة بلدية أنقرة بنسبة 50.93٪ من الأصوات في الانتخابات المحلية، التي أجريت في 31 آذار (مارس) 2019.

تولّى يافاش منصب مستشار البلدية، بين عامَي 1989 و1994، ثم أصبح عمدة مرشحاً عام 1994 في بيبازاري. وفي عام 1999 انتخب رئيساً لبلدية بيبازاري بعد حصوله على 51٪ من الأصوات في الانتخابات البلدية ارتفعت أصواته إلى 55٪، في انتخابات 18 نيسان (أبريل) 2004، وأصبح عمدة بيبازاري للمرة الثانية.

اقرأ أيضاً: مسرحية أردوغان الجديدة في ليبيا: الميليشيات تحارب الإرهاب!

أدرك الرئيس التركي مبكراً؛ أنّ نجم يافاش الآخذ في الصعود ينبغي أن يُقاوم، وبدأت أولى محاولاته للالتفاف على شعبيته خلال العملية الانتخابية الأخيرة، عام 2019، حيث اتهمه أردوغان بالتورط في أعمال مشبوهة، بعد أن وجّهت النيابة العامة لائحة اتّهام ضدّ يافاش، بحجّة سوء السلوك والاحتيال والتزوير، وخلال حديثه إلى الحشود من أتباعه في منطقة ييني بمدينة أنقرة، اتّهم أردوغان حزب الشعب الجمهوري المعارض بالتواطؤ، بعد أن رشّح يافاش، بالرغم من استقالته الحزبية التي قدّمها، خلال السباق الانتخابي لعام 2014.

اقرأ أيضاً: أردوغان.. من سبي عفرين إلى عسكرة إدلب

ويبدو أنّ حزب الشعب الجمهوري أدرك لعبة حزب العدالة والتنمية، فلم يخشَ من التصريح بأنّ اتهامات أردوغان تأتي في إطار جهوده لإجبار يافاش على الانسحاب من المعركة الانتخابية؛ إذ يعرف أردوغان جيداً أنّ يافاش سيسحب من أسفل أقدام حزبه بساط مدينة أنقرة، بعد ما يقارب عقدين من سيطرة إخوان تركيا على المعارضة التركية، وهو ما حدث بالفعل في الانتخابات الأخيرة مع يافاش في أنقرة، وأكرم إمام أوغلو في إسطنبول.

اقرأ أيضاً: لماذا تستهدف حكومة أردوغان جامعة البسفور؟

فيما ذهب أردوغان إلى ما هو أبعد من ذلك، بعد انتقاده لتحالف الأمة المُعارض، الذي برز في الانتخابات الأخيرة، مطلقاً عليه اسم "تحالف الحرباء"، وبينما انشغل أردوغان في تخوين المعارضة، وعلى رأسهم يافاش، كان الأخير منصرفاً إلى أداء مهامه الإدارية.

يافاش...بطل موقعة الكورونا

في استطلاع أجرته مؤسسة "Area Research" لتقييم استجابة بلدية أنقرة، التي يترأسها يافاش، لأزمة فيروس كورونا، رأى 65 % من المشاركين في الاستفتاء أنّ الإدارة كانت ناجحة جداً في إدارة الأزمة، بينما كان نصف ناخبي حزب العدالة والتنمية لهم الرأي الإيجابي نفسه حول استجابة البلدية.

هذا ما جعل صحيفة "فاينشال تايمز" تصف يافاش بالنجم المفاجئ لكادر المعارضة الجديد؛ ففي غضون أسابيع من وصول فيروس كورونا إلى البلاد، أعلن عمدة أنقرة خططاً وبرامج لدعم عمال النظافة وسائقي سيارات الأجرة ومصففي الشعر، وغيرهم من الفئات التي حرمت من مصادر دخلها، كعرض للجائحة، كما سعى يافاش للحصول على تبرعات عامة عبر الإنترنت، ودعا المحتاجين لتقديم طلب إلى البلدية للحصول على المساعدة، وما كان من  أردوغان إلّا أن تصدّى لهذه الحملات، بعد أن أعلن أنّ هذه الحملة والمبادرات المماثلة في المدن التي تسيطر عليها المعارضة غير قانونية، وجمّد الأموال، وبدأ في جمع التبرعات الوطنية الخاصة به، تحت صندوق سياديّ سمّاه باسمه.

الباحث التركي إسلام أوزكان لـ"حفريات": هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة جدّدت التساؤل الشعبي حول إمكانية استمرار الحزب في إدارة العملية السياسية

وكردّ فعل على تعديات أردوغان، أنشأ يافاش نظاماً عبر الإنترنت يمكّن المتبرعين من دفع فواتير الخدمات، وتحويل الأموال إلى المحتاجين من أبناء البلدية، بينما تعمل الإدارة المحلية مجرّد وسيط بين الطرفين، تمكّنت هذه المبادرة، التي انتهت في منتصف حزيران (يونيو) الماضي، من جمع 28 مليون ليرة تركية، بالإضافة إلى 3.5 مليون ليرة تركية من التبرعات المالية المجمدة.

اقرأ أيضاً: لماذا يتجه أردوغان نحو مزيد من التصعيد في سوريا؟

ساعدت المبادرة التي حملت اسم "اللطف معدي"، في حصول رئيس بلدية أنقرة، على معدّلات موافقة عالية، بعد أقل من عامين على انتزاع المدينة من سيطرة الحزب الحاكم، ويبدو أنّ يافاش قد تعلّم الدرس من طريقة حشد الجماهير وفق نهج العدالة والتنمية، الذي بدأ حشد الجماهير عن طريق تقديم الخدمات العامة، لكنّه انقلب عليهم لاحقاً، وعلى العملية الديمقراطية بأسرها.

 ويتبع كلّ رؤساء البلديات عن حزب الشعب الجمهوري هذا النهج، الذي يمكّنهم من سحب البساط من تحت أقدام أردوغان ونظامه، بعد الكوارث الاقتصادية التي تسبّب بها حكم الإخوان في تركيا.

 صفعة على وجه أردوغان

يبرهن حزب الشعب الجمهوري، بمرشحيه الأقوياء، على كذب الادّعاء الإخواني الأردوغاني، القائل إنّ هذا الحزب لن يقدر على إدارة الدولة، ويصف الباحث التركي، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "إسلام أوزكان"، الهزيمة التي مني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، بالأزمة التي ضاعفت المخاوف والانتقادات في أوساط القاعدة الشعبية للحزب، وجدّدت التساؤل الشعبي حول إمكانية استمرار العدالة والتنمية في إدارة العملية السياسية، كحزب الأغلبية الحاكم.

ويضيف أوزكان، في تصريح لـ "حفريات": "بذل حزب العدالة والتنمية، بعد كلّ التبديلات التي جرت، جهوداً مكثفة من أجل الفوز بالانتخابات، لكنّ الواقع لم يساعده؛ حيث كانت الهزيمة المزدوجة لبلدية إسطنبول الكبرى، ورغم كلّ الإجراءات الإصلاحية التي حاول الرئيس إجراءها في بنية التنظيم نفسه، إلّا أنّ مردودها لم يكن كافياً، ليحقق مبتغاه الأساسي، لكنّ ما كشفه الواقع أثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ إصلاحات أكبر وأعمق يحتاجها الحزب الحاكم، لتغيير نتائج الانتخابات المحلية".

يقول رئيس مكتب أنقرة التابع لصندوق مارشال الألماني، أوزغور أونلوهيسارجيكلي، في تصريح له عبر "فايننشال تايمز": "يبدو أنّ يافاش رجل دولة أكثر من كونه سياسياً".

اقرأ أيضاً: هكذا حوّل أردوغان دبلوماسييه إلى مافيات لاختطاف المعارضين

اختار يافاش العمل مع الناس بدلاً من الردّ على انتقادات الحزب الحاكم، كما يفعل نظيره أكرم إمام أوغلو، وهو ما جعل الأول يحظى باحترام كبير بين جماهير البلدية التي يبلغ تعداد سكانها 5.5 مليون نسمة، فيما تثير شعبية حاكم أنقرة تساؤلات المراقبين عن إمكانية أن يصبح السياسيّ الأكثر حضوراً في تركيا، هو الخليفة الشرعي لأردوغان، لكن مما لا شكّ فيه؛ أنّ رؤساء البلديات من خارج الحزب الحاكم يسببون صداعاً للنظام الحاكم، ويزعزعون عرش الخليفة أردوغان.