المساواة في الميراث بتونس جدل ديني على تخوم الصراع السياسي

تونس

المساواة في الميراث بتونس جدل ديني على تخوم الصراع السياسي


14/03/2018

شاركت مئات التونسيات، في مسيرة حاشدة مؤخراً انطلقت إلى مقرّ البرلمان التونسي للمطالبة بالمساواة في الميراث مع الرجل؛ الأمر الذي أعاد للواجهة جدل المسألة التي تثير حفيظة رجال الدين والتيارات الإسلامية.

كمال: تخشى تيارات الإسلام السياسي، من دخول  المطالبات بالمساواة بالإرث حيز التنفيذ، كما يخشى الأزهر من انتقال العدوى للبلاد الإسلامية

ونجح الائتلاف الداعي للمسيرة، المكوَّن من 67 جمعية ومنظمة للمجتمع المدني، المعروف باسم "التحالف التونسي من أجل المساواة في الميراث"، في التعبئة والحشد، حيث ضمت المسيرة رجالاً يؤيدون القضية، بغية الضغط لسنّ قانون، يقرّ المساواة في الميراث، وذلك تطبيقاً لنصّ في الدستور التونسي، يؤكّد المساواة الكاملة بين الجنسين.

ويعدّ "مهدي بن غربيه"، وزير الهيئات الدستورية، في الحكومة التونسية، المسؤول الوحيد بالدولة، الذي شارك في المسيرة، وحضر بملابس غير رسمية.

بداية القصة وأصل الجدل

تعود تفاصيل إثارة تلك القضية، عندما أعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، في آب (أغسطس) الماضي، أنّ بلده يتّجه للمساواة التامة بين الرجل والمرأة، في كلّ المجالات، ومن بينها المساواة في الميراث، التي جاءت بعد قرار لم يكن بأقل خطورة وتعقيد، على المستويين؛ الاجتماعي والديني، عند مطالبته الحكومة، بإلغاء المنشور الذي يمنع زواج المرأة المسلمة من غير المسلم.

ولئن تباينت الآراء والمواقف بين المهادنة والرفض الصريح، المصحوب بالهجوم، الذي وصل حدّ "التكفير والخروج على العقيدة"؛ فقد رفض حزب النهضة مطالب السبسي وعدّها "إعادة البلاد إلى نقطة الصفر"، والدخول في "خندق الصراع الأيديولوجي من جديد".

ردود الفعل.. حزب النهضة والأزهر

كما صرحت النائبة البرلمانية عن حزب النهضة، محرزية العبيدي، بأنّ حركة النهضة لن تصوت في البرلمان مع قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث؛ حيث سبق لجمعية النساء الديمقراطيات التونسية، بالتعاون مع جمعيات أخرى، أن وجهت عريضة بتعديل قانون الميراث، باعتبار أنّ "المرأة التونسية شريكاً فاعلاً ومباشراً في مداخيل الأسرة وكل المسؤوليات الأخرى".

بينما صرّح وكيل الأزهر، عباس شومان، بأنّ القرار يعدّ "خروجاً وتصادماً"، مع الشريعة، وعدّ تحديد ميراث المرأة ليس فيه اجتهاد؛ فقد حدّده النص القرآني، ووصف محاولات مساواتها بالرجل، بأنّها "عين الظلم"، وأشار إلى أنّ تحريم زواج المرأة المسلمة من غير المسلم لا خلاف فيه كمثل تحريم زواج المسلم من كتابية.

تحول عدة اعتبارات في المجتمع التونسي، دون إقرار صيغة للتساوي في الميراث، بين الرجل والمرأة، وتعديل الوضع القائم، والذي عدّ أحد "التابوهات" التي صنعتها القوى الدينية والمحافظة، وعدم التمكن من توسيع الحريات الفردية، وحمايتها على المستوى القانوني والدستوري والاجتماعي.

الإصلاح التشريعي وحقوق المرأة قيد الإقامة الجبرية

وجاء تأجيل تقرير "لجنة الحريات الفردية والمساواة"، لمشروع قانون المساواة في الميراث، إلى ما بعد الانتخابات البلدية، المقررة في شهر أيار (مايو) المقبل، مبدداً أحلام التونسيات في جدية المشروع وإقراره، والذي كان بمثابة خطوة أولية، في مسار إصلاحات عديدة، لا تتوقف عند قضية الميراث؛ بل تتجاوزها إلى قضايا أخرى مثل: حقّ المرأة في إسناد لقبها العائلي إلى أبنائها، وإلغاء المهر من شروط عقد الزواج.

تقول الباحثة التونسية المتخصصة في قضايا الفكر الديني، لطيفة كرعاوي لـ "حفريات": إنّه منذ طرحت مسألة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، في تونس، والجدل واللغو واللغط يحيط بها، ومن أمثلة هذا الجدل: "قضية الميراث من المسائل التي حسمها الشرع، أحكام الله ثابتة لا تقبل التبديل والتغيير، آيات الميراث قطعية الدلالة ثابتة المعنى، والثوابت لا تناقش، وفتح باب العبث بأحكام الشرع يؤدي إلى نسف الدين، نحن مع تطبيق شرع الله".

لماذا ترفض القوى المحافظة مساواة المرأة في الميراث؟

وتتساءل كرعاوي: "لماذا رفض هؤلاء الساخطون مبدأ المساواة في الميراث، واحتجوا بمقولة تطبيق شرع الله، في الوقت الذي لم يطبق هذا الشرع، في مسائل لا تقل أهمية عن الميراث: مثل السرقة والزنا وتعدد الزوجات؟ أليست الآيات فيها قطعية أيضاً مثل الميراث؟!"

وتشير إلى مثال بسيط على نمط "تفكير" هؤلاء الساخطين، وهو "تفكير منافق"، وفق وصفها؛ فهو "يتذكر شرع الله ويطالب بتطبيقه تارة، ويتجاهله تارة أخرى، وينتقي من الآيات ما يريد، ويغض النظر عن آيات أخرى، وهذا دأبه".

كرعاوي: اللغو المترافق مع قضية الإرث غير مفهوم في ظلّ مدنية الدولة التونسية ودستورها، الذي ينصّ على مبدأ المساواة بين المواطنين

وعدّت كرعاوي اللغو الذي يترافق مع قضية الإرث الجدلية، "غير مفهوم، في ظلّ مدنية الدولة التونسية ودستورها، الذي ينصّ على مبدأ المساواة بين جميع المواطنين، والقوانين التي تنظم العلاقات بينهم" منوهة إلى أنّ تونس "خطت خطوات مهمة في مجال قوانين الأسرة والأحوال الشخصية، ويعدّ مبدأ المساواة المذكور أعلاه، من الطبيعي والبديهي، أن يشمل المساواة في الميراث، ودون إقرار وتنفيذ الأخير، سنسقط في منطق التناقض: نتساوى في أشياء ونتفاوت في أخرى".

وتقول كرعاوي "نحن في عالم تتغير أحواله باستمرار؛ فإن كان لا بدّ من "فقه"، فإنّ هذا "الفقه" يجب أن يكون نابعاً من واقع المجتمع في راهنيته، وبكل تناقضاته"، أمّا مسألة الإيمان بالله، فتبقى، برأيها، "خاصة، وذاتية جداً؛ إذ إنّ المؤمن الحق هو ذاك الذي يسعى باستمرار، إلى توطيد علاقته بربه بعيداً عن الاستعراض الطقوسي، وهو أيضاً ذاك الذي يبلور إيمانه عملياً، في حسن تعامله مع الآخر المختلف. فيما تظلّ الأخلاق هي الجامع المشترك بين كلّ مواطني الدولة المدنية، حتى وإن تباينت قناعاتهم الدينية".

المساواة بالإرث تثير حفيظة الإسلامويين

من جهتها اعتبرت الكاتبة والإعلامية المصرية رباب كمال، الجدل الدائر في تونس حول المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة "ليس جديداً"، فما يجري يذكرها، وفق قولها، بأطروحات قديمة؛ منها ما طرحه، على سبيل المثال لا الحصر، المفكر المصري الدكتور منصور فهمي في كتابه: "أحوال المرأة في الإسلام"، والذي ذهب فيه العام 1913، إلى فرضيات مفادها أنّ "التغيرات الزمانية المكانية، تفرض علينا ألا نتمسك بجمود النصوص، بشكل عام، وبالنص الخاص بالإرث، على وجه الخصوص".

رباب: تخشى التيارات الإسلاموية، بما يعرف باسم تأثير "الدومينو"؛ حيث شهدت كثير من البلاد العربية دعوات مماثلة

وأوضحت رباب لـ "حفريات" أنّه بالرغم من كل الإنجازات التي حصدتها النساء في العالم العربي، إلا أنّ "قوانين الأحوال الشخصية، والإرث، كانت دوماً أكثر ما يثير الحفيظة، وتغيرها أو حتى مراجعة فلسفتها، أمر يعدّ مرفوضاً من القوى المحافظة،  وتيارات الإسلام السياسي، تحديداً؛ لأن الخروج عن النصوص من وجهة نظر هذه الجماعات، يعد خرقاً لأهدافهم الرامية لتأسيس مجتمع الصراط المستقيم، برأيهم".

وتابعت رباب: تخشى التيارات الإسلاموية، بما يعرف باسم تأثير "الدومينو"؛ حيث شهدت كثير من البلاد العربية دعوات مماثلة وفردية، وتنتقل بسرعة، فقد طالبت الحقوقية الصحفية المصرية منيرة ثابت، صاحبة كتاب "ثورة في البرج العاجي"، بالمساواة في الإرث، منذ عشرينيات القرن الماضي؛ فالأمر قائم بصورة متواصلة، بهدف تكريس الحقوق المهدرة، والنضال لإثبات عدالتها، بينما الجديد والمتغير؛ هو خشية تيارات الإسلام السياسي، من دخول هذه المطالبات إلى حيز التنفيذ، والتحقق على الأرض، كما يخشى الأزهر أن تكون هذه الحقوق، بمثابة العدوى (في مخيلتهم)، والتي تنتشر في البلاد الإسلامية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية