مظلومية عدنان مندريس في الذهنية الإخوانية ونهج اختلاق الأكاذيب

مظلومية عدنان مندريس في الذهنية الإخوانية ونهج اختلاق الأكاذيب

مظلومية عدنان مندريس في الذهنية الإخوانية ونهج اختلاق الأكاذيب


25/01/2024

العلاقات التركية اليهودية موغلة في القدم، منذ أصدر السلطان بايزيد الثاني (1481 ـ 1512) دعوة رسمية لليهود الفارين من محاكم التفتيش الإسبانية للهجرة إلى بلاده، وكان للدعوة، التي قد تبدو دليلاً على التسامح، بُعد براغماتي، بالاعتماد على ثروات اليهود الذين استوطنوا المدن التجارية الأوروبية، والذين نقلوا رؤوس الأموال إلى الأستانة عرفاناً بالجميل، رداً على دعوة السلطان الذي استخدمهم كذلك في الضغط على الدول الأوروبية المجاورة، وإنعاش حركة التجارة التركية.

في آذار (مارس) 1949 كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بقيام دولة إسرائيل، وكانت فترة حكم عدنان مندريس (1950-1960) بمثابة مرحلة التأسيس لتطور العلاقات بين الطرفين، فعلى الرغم من المظلومية الإخوانية التي جعلت من مندريس ضحية للنظام العلماني الأتاتوركي؛ بداعي دفاعه عن القضية الفلسطينية، ورغبته في محاربة العلمانية، فإنّ الحقائق التاريخية تكشف عن تخلي مندريس بشكل مطلق عن قضية فلسطين، وسعيه نحو التحالف الكامل مع الدولة الصهيونية الوليدة، حيث تطوَّرت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في مختلف المجالات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية.

 التطور الهائل في العلاقات بين تركيا وإسرائيل وُضعت اللبنة الأولى له في عهد مندريس

اعتراف قانوني بإسرائيل

منذ اللحظة التي جلس فيها عدنان مندريس على رأس الحكومة التركية في العام 1950 شرع في تطوير العلاقات مع تل أبيب، حيث أنشأ سفارة تركية هناك، وأصبح السفير سيف الله إسين أول سفير تركي في إسرائيل، قبل أن تعترف تركيا بإسرائيل اعترافاً قانونياً كاملاً، وجرى تبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين، فاستقبلت تركيا ملحقاً إسرائيلياً في أنقرة، وأشرف مندريس بنفسه على عملية تهجير اليهود الأتراك إلى فلسطين، ووصلت العلاقات بين الطرفين ذروتها في العام 1958، حين وقّع مندريس مع دافيد بن غوريون اتفاقية للتعاون ضد التطرف وصد نفوذ الاتحاد السوڤييتي في الشرق الأوسط، وذلك وفقاً للدور الوظيفي للدولة التركية، في سياق حلف شمال الأطلنطي. وسبق الاتفاق عدة اجتماعات سرّية بين مندريس، وبن جوريون، وكذلك بين وزير الخارجية التركي رشدي زورلو، ونظيرته الإسرائيلية جولدا مائير، كما جرت اجتماعات تنسيقية على أعلى مستوى بين القيادات العسكرية من الطرفين، حيث التقى رئيس الأركان التركي إبراهيم فوزي مينغيتش بالسفير الإسرائيلي إلياهو ساسون في روما، وجرى الاتفاق على قيام تركيا بالتحرش العسكري بسوريا، لممارسة الضغط على مصر، في إطار حملة ممنهجة استهدفت المشروع القومي العربي.

تحالف كامل مع إسرائيل

دشن مندريس مرحلة مفصلية في تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية، ممّا جعل إسرائيل أكبر شريك عسكري ومورِّد أسلحة إلى أنقرة، بالإضافة إلى كسر عزلتها الإقليمية، وجرى التنسيق على المستوى العسكري لاستهداف المنطقة العربية، وكان الموقف التركي من العدوان الثلاثي على مصر مؤشراً على سياسات مندريس  العدوانية، فقد انخرط الأخير في إطار حلف بغداد لإرباك التحركات القومية، ودعم السياسات الاستعمارية البريطانية في العالم العربي، ودعم الإنزال البريطاني والأمريكي في الأردن ولبنان، وقدّم تسهيلات لوجستية للأسطول السادس في المنطقة.

 

منذ اللحظة التي جلس فيها عدنان مندريس على رأس الحكومه التركية في العام 1950 شرع في تطوير العلاقات مع تل أبيب، حيث أنشأ سفارة تركية.

 

ويمكن القول إنّ التطور الهائل في العلاقات بين تركيا وإسرائيل وُضعت اللبنة الأولى له في عهد مندريس، الذي أُعدِم عقب الانقلاب عليه إبّان صراعه مع المعارضة، لكنّ الذهنية الإخوانية آثرت أن تصنع مظلوميتها الخاصة بالحديث عن مندريس الذي قضى في سبيل الإسلام ونصرة فلسطين، وكيف أنّ إعدامه جاء بسبب انقلابه على النظام العلماني.

العدالة والتنمية على نهج مندريس

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 دعا الرئيس التركي عبد الله غول نظيره الإسرائيلي شيمون بيريز لزيارة تركيا، وألقى الأخير خطاباً أمام مجلس الأمّة التركي، أكد فيه أنّ "تركيا لاعب كبير بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل"، ممّا يؤكد الطبيعة السياسية لحزب العدالة والتنمية، وتشدقه بالشعارات للتغطية على حقيقته كوكيل حصري للأجندة الأمريكية.

وقد دفع حزب العدالة والتنمية اتفاقية التجارة الحرة التركية ـ الإسرائيلية  إلى الأمام، ووصل التعاون الاقتصادي إلى مستويات غير مسبوقة، ليشمل مجالات: بناء خطوط لنقل المياه العذبة من تركيا إلى إسرائيل، بالإضافة إلى الكهرباء والغاز والنفط، وعقود عسكرية بمئات ملايين الدولارات، وجرى توقيع عدة عقود لشراء أسلحة إسرائيلية متطورة.

سامح مهدي: مندريس حاول تصفية معارضيه، وأراد أن يصنع غطاءً سياسياً لممارساته

وعلى الرغم من المستويات الهائلة التي وصل إليها التعاون التركي الإسرائيلي في مختلف المجالات، ما يزال الرئيس التركي يزايد على الجميع، ويمارس سياساته وأكاذيبه، وسط دعاية إخوانية تسعى إلى ترويج مقولاته العنترية، مثلما روجت من قبل لأسطورة مندريس، ناصر الإسلام وفلسطين!

في حديثه لـ (حفريات)، يؤكد الدكتور سامح مهدي، أستاذ التاريخ المعاصر، أنّ صناعة الأسطورة ووضع الأكاذيب نهج إخواني قديم، والدعاية السياسية التي يدعمون بها سياسات أردوغان العدوانية، لا تنفصل عن أسطورة مندريس التي نجحوا في الترويج لها، لكنّ حقائق التاريخ لا تقبل القسمة، ولا يمكن بناء عوالم خيالية لخداع الشعوب طيلة الوقت، فحتماً يُرفع الستار عن الأكاذيب ولو بعد عقود.

 

الذهنية الإخوانية آثرت أن تصنع مظلوميتها الخاصة بالحديث عن مندريس الذي قضى في سبيل الإسلام ونصرة فلسطين، وكيف أنّ إعدامه جاء بسبب انقلابه على النظام العلماني.

 

ويلفت مهدي إلى أنّ مندريس حاول تصفية معارضيه، وأراد أن يصنع غطاءً سياسياً لممارساته، بحيث يضمن التأييد الأمريكي، فقدّم دعماً للعدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، ونشط في إطار حلف بغداد، وقدّم تسهيلات لوجيستية للمعسكر الغربي  لمنع تصفية المستعمرات القديمة، وكان عليه وقد أحس بالخطر أن يغازل الإسلاميين، فشرع في اتخاذ إجراءات شكلية برفع الأذان بالعربية، وتمرير التعليم الديني، للتغطية على ممارساته الدكتاتورية.

ويختم مهدي بقوله:" وحالياً يعيد الإخوان الكرة، بدعم أردوغان، خليفتهم الوهمي، الذي أصبح طاغية لا مثيل له في التاريخ التركي الحديث، والهدف هو الوصول إلى الحكم، حتى ولو أصبحوا مجرد مرتزقة".

مواضيع ذات صلة:

عدنان مندريس: الوجه الآخر لشهيد المآذن

أردوغان ومندريس.. المسار والنهاية

الصفحة الرئيسية