هل غيّرت تركيا سياستها وأصبح الاقتصاد أولاً والسياسة ثانياً؟

هل غيرت تركيا سياستها، وأصبح الاقتصاد أولاً والسياسة ثانياً؟

هل غيّرت تركيا سياستها وأصبح الاقتصاد أولاً والسياسة ثانياً؟


23/07/2023

بعيداً عن المبالغات في توصيف زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى (3) دول خليجية هي: المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، بوصفها زيارة استراتيجية، فإنّ المرجح وفقاً لتصريحات رسمية تركية وأخرى خليجية قبيل وخلال الزيارة، وما تم الإعلان عنه حول نتائجها، والاتفاقيات ذات العناوين الاقتصادية التي تم توقيعها بين أنقرة والدول الخليجية، فإنّها ترتبط مباشرة بالهدف الجوهري لهذه الزيارة وهو استقطاب المال الخليجي، وعرض الفرص الاستثمارية في كافة القطاعات أمام دول الخليج، بما فيها بيع بعض الأصول، وفقاً لما أعلنته المعارضة التركية، لإنقاذ الاقتصاد التركي من أزماته المركّبة والمتصاعدة.

الزيارة لم تنهل من القاموس السياسي الذي اعتاد أن يغرف منه الرئيس أردوغان حول العثمانية الجديدة وقيادة الأمّة الإسلامية والدفاع عن المظلومين الذين يفترض أن يمثلهم الإسلام السياسي

فالزيارة من جهة، بلا عناوين سياسية، ولم تنهل من القاموس السياسي الذي اعتاد أن يغرف منه الرئيس أردوغان حول العثمانية الجديدة وقيادة الأمّة الإسلامية والدفاع عن المظلومين الذين يفترض أن يمثلهم الإسلام السياسي، ومن جهة أخرى تشكّل محطة في خط بياني متصاعد يؤشر لحجم التغييرات والتحولات التركية على الصعد: الداخلية والإقليمية والدولية، وعنوانها المزيد من البراغماتية و"تجميد" الخطاب الإيديولوجي، وسياسات المحاور والاصطفافات، التي رتبت على تركيا خسارات اقتصادية ضخمة، يبدو أنّ القيادة التركية كانت تؤجل معالجتها بـ "واقعية" لما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية، وهو ما يفسّر توجهات السياسة التركية الحالية، بما فيها القرار التركي الخاص بانضمام السويد إلى حلف الناتو، وما أعقبه من تحفظات روسية كانت تأمل ابتعاد تركيا عن الغرب لصالح مشروعها بمواجهة الغرب.

تتضمن الخطط التركية أن يتم خلال الزيارة استقطاب استثمارات من دول الخليج

تتضمن الخطط التركية أن يتم خلال الزيارة استقطاب استثمارات من دول الخليج الـ (3)  "السعودية والإمارات وقطر" بحوالي (50) مليار دولار، تشمل استثمارات في مجالات الطاقة والصناعات الدفاعية، وصفت بالخطة الشاملة للتعاون والتطوير بين تركيا والسعودية، وهو ما تم إنجازه عبر العقود التي تم توقيعها مع الرياض لشراء صفقة طائرات تركية مسيّرة (بيرقدار)، "بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية"، كما جاء في تصريحات وزير الدفاع السعودي، وبالتزامن فمن غير المتوقع أن تكون الاستثمارات التي تم الاتفاق عليها بين أنقرة والدوحة بحجم الاستثمارات مع السعودية، ذلك أنّ هناك أكثر من (80) اتفاقية موقعة بين قطر وتركيا في مجالات تعاون متعددة تشمل كافة القطاعات الاستثمارية، بما فيها العسكرية والدفاعية، ويقدّر حجم  استثمارات قطر في تركيا بـ (33.2) مليار دولار، مقابل ما قيمته (22) مليار دولار تشكّل قيمة مشاريع نفذتها شركات تركية في البنية التحتية بقطر .

وتستند العلاقات بين تركيا والإمارات إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي وقّعت في أبو ظبي في آذار (مارس) 2023، والتي تشمل التعاون بين أنقرة وأبو ظبي في كافة المجالات، ورغم أنّ حجم التجارة غير النفطية بين تركيا والإمارات بلغ حوالي (19) مليار دولار في 2022، فقد شهدت زيارة الرئيس التركي الحالية للإمارات توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة (50.7) مليار دولار، ستنفذ من خلال تفاهمات اللجنة الاستراتيجية العليا التي تم تشكيلها بين الدولتين، التي ستتابع تنفيذ التفاهمات في مجال الاستثمارات والتعاون القضائي وتبادل التكنولوجيا في مجالات الطاقة والصناعات الدفاعية، وهو ما يعني أنّ التعاون تجاوز الاستثمارات الدفاعية والمشاريع الاقتصادية، ونفذ إلى حقول وقطاعات أخرى تميز العلاقات بين البلدين.

تستند العلاقات بين تركيا والإمارات إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي وقّعت في أبو ظبي في آذار 2023، والتي تشمل التعاون بين أنقرة وأبو ظبي في كافة المجالات

ومن الجدير بالذكر أنّ بيانات رسمية تركية تم الإعلان عنها بالتزامن مع توجه أردوغان في جولته الخليجية تضمنت ازدياداً في عجز الميزانية بمقدار (8) مليارات دولار تقريباً،  واقترب التضخم السنوي من 40%، وتراجعت الليرة بنسبة 29% هذا العام، وهي بيانات على محدوديتها تعطي مؤشرات أوّلية حول عمق المأزق الاقتصادي الذي تعيشه تركيا، ودوره في التغييرات التي أقدم عليها الرئيس أردوغان في تشكيلة الفريق الوزاري، لا سيّما الفريق المالي القادم من مرجعيات مرتبطة بصندوق النقد والبنك الدوليين.

المصالحة بين أنقرة وكل من الرياض وأبو ظبي تم إنجازها قبل أعوام

القول إنّ الخطوات التركية التي عبّرت عنها زيارة الرئيس أردوغان، واستقطاب المال الخليجي لإنقاذ الاقتصاد التركي، لم يعد جديداً وأصبح حقيقة واضحة، والزيارة ليست وليدة اللحظة، فالمصالحة بين أنقرة وكل من الرياض وأبو ظبي تم إنجازها قبل أعوام، لكنّ الجديد هنا هو أنّ الزيارة بعناوينها الاقتصادية هي الأولى بعد إعادة انتخاب الرئيس أردوغان قبل شهرين في هذا العام، ولا يمكن عزلها عن خطوات أخرى بتغيير فريقه الاقتصادي وممارسة دور إيجابي جديد في حلف الناتو باعتباره أحد عناوين العلاقة مع الغرب بقيادة واشنطن.

لكنّ الأهم من كل ذلك، وما يمكن وصفه بالمعضلة الشائكة والمعقدة التي تواجه التحولات التركية الجديدة، سواء في الداخل التركي أو على المستوى الإقليمي في عناوين العلاقات مع الخليج وإيران والجمهوريات الإسلامية، والدولي بالعلاقات مع واشنطن والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، هي مرجعيات ومستويات الثقة بالاتجاهات والتحولات التركية في المستويات الـ (3)، في ظل صورة تشكلت عن القيادة التركية باحتمالية الانقلاب على مواقفها وكسر تحالفاتها، وإذا كان هذا الانقلاب على المواقف يمكن احتواؤه في أبعاده السياسية والأمنية، فإنّ محاذير غير معلنة لدى الأطراف التي يراهن عليها الرئيس التركي ستحدّ من حجم المغامرة ومنح أنقرة ثقة مطلقة في إقامة مشاريع استثمارية ضخمة في تركيا، وفقاً لمقولة "رأس المال جبان"، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الدول الخليجية ستتعاطى مع أنقرة في تنفيذ مذكرات التفاهم والتعاون بسياسة "الخطوة مقابل خطوات"؟.

مواضيع ذات صلة:

بوتيرة متسارعة... لماذا يسعى أردوغان لتحسين علاقات بلاده مع دول الخليج؟

قصة الإسلاميين في تركيا.. أردوغان في مواجهة غولن



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية