ما أهمية أن يربّي الغزاويون القطط؟

ما أهمية أن يربّي الغزاويون القطط؟

ما أهمية أن يربّي الغزاويون القطط؟


18/11/2023

العنود المهيري

 منذ اندلاع الحرب في غزة، تزايدت المساعي لمناهضة الخطاب الذي رسّخته الصهيونية لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، أو لاعتبارهم "حيوانات بشرية"، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. ويبدو أنّ الفكرة كانت ببساطة أن نظهر الفلسطينيين كبشر طبيعيين، جيدين، خيّرين، مسالمين، لطفاء، يود المرء العيش بينهم، ومصادقتهم، ومشاركتهم لف ورق العنب.

أرى صوراً ومقاطع فيديو لعوائل غزاوية فرّت متمسّكةً بأقفاص طيورها الأليفة، وأخرى للقطط التي تستمر في تدليلها كالملوك، وأخرى لغزاويين يحاولون بكل رحمة إطعام جرو أرعبه القصف. يذكّرنا مناصرو القضية الفلسطينية بأنّ هؤلاء الغزاويين "أشخاص جيدون"، فهذه معلّمة موسيقى تصقل موهبة تلاميذها، وهناك أطباء ومسعفون متطوعون لخدمة الناس، وهؤلاء أرامل يتكفلن بصنع كعك العيد لدار الأيتام.

بالطبع، ندرك جميعاً - حتى من يسعون بنشاط إلى "أنسنة" الفلسطينيين - أنّ رفضنا للمجازر التي تُرتكب في حق المدنيين العُزّل لا يجب أن يحتاج إلى أي تبريرات أو تعليلات. كما نعلم بأنّ طيبة الغزاويين، أو أخلاقهم العالية، لا يُنتظر منها أن تصبح "الحسنة" التي تنقذهم من جحيم العقاب الجماعي الممارس ضدّهم. هذه بديهيات لا ضرورة إلى تكرارها.

ولكني أخشى أن يكون الانشغال بـ"وضع وجه بشري" على جثث الفلسطينيين، خصوصاً في أعين الغرب المتحيّز، والتصدّي لخطابات الكراهية والتحريض ضدّهم، فتح أبواباً لا داعي لها. 

شعرت شخصياً بـ"الورطة" حينما تساءل صهيونيٌّ خبيث في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، مخاطباً جمهوره الغربي بلسان إنكليزي مبين، لماذا ترتفع أعلام مجتمع الميم في المسيرات المؤيّدة لفلسطين، ولكنها لا تجرؤ على الارتفاع في فلسطين نفسها، وتحديداً غزة؟ إنّه يقول للمجتمع الغربي، "استيقظوا، إنّ من تحسبونهم جيدين وخيّرين هم كارهون للمثلية".

وقد يشير صهيوني ثانٍ إلى إحصائيات العنف الأسري المقلقة في غزة، والتي تصل إلى 70 في المئة من النساء المتزوجات، فيما يُكافأ مرتكبو جرائم الشرف بأحكام مخففة، وينفد المغتصب من العقوبة بمجرد "تكرّمه" بالزواج من الضحية. إنّهم "ميسوجينيون" أيضاً، يا للهول. 

وربما تأتي ثالثة الأثافي حينما يكشف صهيوني آخر عن ميل الغزاويين إلى ضرب صغارهم بـ"الشحاطة" إذا لم يستذكروا دروسهم. وحينها قد نضطر فعلياً إلى رفع راية الاستسلام.

بعيدا من السخرية، أتفهم - طبعاً - أهمية إعادة الصفة الإنسانية المنزوعة عن الفلسطينيين. 

ولكن مَن ماطل وتردّد، وتأخّر في تعاطفه، حتى رأى طفلاً نازحاً يحمل قطته "لولو"، ويواسي خوفها من الانفجارات، ثم "تأكّد" بذلك من أنّه "طفل غزاوي طيب"، وبأنّه "غالباً" لا يستحق القتل بالقنابل الفوسفورية، فلا حاجة لفلسطين بتأييده.

بل ليُبقي على "الإنسانية" التي اضطر إلى "اكتشافها"، والتحقق من وجودها، في بشر مثله، يتألمون ويحبون ويحلمون. كم هو أحوج بأهل غزة منها.

لطالما ردّد الصهاينة، "العربي الجيد هو العربي الميت". والعربي الجيد - في اعتقادي - هو الذي لن يستميت ليبرهن على أنّه "عربي جيد" لمن يوزّعون تعاطفهم بـ"القطّارة". 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية