كيف أظهرت حرب غزة ازدواجية حقوق الإنسان لدى الغرب؟

كيف أظهرت حرب غزة ازدواجية حقوق الإنسان لدى الغرب؟

كيف أظهرت حرب غزة ازدواجية حقوق الإنسان لدى الغرب؟


19/11/2023

كشفت حرب غزة الأخيرة حقائق صادمة حول ازدواجية التعاطي الغربي مع ملف حقوق الإنسان والديمقراطيات،  ففي الوقت الذي انتفضت فيه دول الاتحاد الأوروبي لنصرة الأوكرانيين ضد الهجمات الروسية وتقديم كافة أشكال الدعم المادي والعسكري واللوجيستي، وادعاء التزام مبادئ القانون وحفظ حقوق الإنسان، تتسامح غالبية الدول الغربية مع فظائع القتل والتدمير داخل قطاع غزة، والتي قاربت على أسبوعها الثامن. 

وأوردت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية للباحث ولاء جاد أنّ العدوان الغاشم الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، على خلفية اتهام عناصر من فصائل المقاومة الفلسطينية بمهاجمة مستوطنات وبلدات تابعة لإسرائيل في منطقة ما يعرف بغلاف غزة، كشف عن ازدواجية فاضحة في تطبيق معايير حقوق الإنسان من جانب الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية الكبرى ذات الشهرة العالمية.

تناقض فاضح

بالرغم من أنّ هذه الحكومات والمنظمات تسارع إلى تبنّي مواقف حقوقية بالغة الحدة وتقود حملات دعائية سلبية ضد الكثير من الدول العربية بدعوى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، إلا أنّ مواقفها المعلنة من الممارسات الإسرائيلية الأخيرة التي تتضمن جرائم حرب واضحة وانتهاكات أكثر قسوة لحقوق الإنسان والشعب الفلسطيني كانت مواقف متخاذلة، بل داعمة أو مبررة للجرائم الإسرائيلية، وتخطت بعض الدول الأوروبية مربع تبرير ودعم الجرائم الإسرائيلية إلى مربع الاعتداء على حق مواطني هذه الدول والمقيمين على أرضها بصورة شرعية في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي، بحسب الدراسة.

تضليل لخدمة إسرائيل

وفق الدراسة، اتسمت المواقف الحكومية المعلنة للدول الغربية وكذلك معالجة منظمات حقوقية كبرى مثل هيومان رايتس ووتش بقدر كبير من المغالطة والقفز على الحقائق وإغفال المقدمات والسياقات الأساسية التي قادت إلى الوضع الراهن الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة. 

كشفت حرب غزة الأخيرة حقائق صادمة حول ازدواجية التعاطي الغربي مع ملف حقوق الإنسان والديمقراطيات

وتبرز الدراسة أهم ملامح هذه المعالجات وردود الفعل في عدة نقاط؛ أوّلاً التجاوز عن أصل الأزمة الحالية وجذورها التاريخية المتمثلة في استمرار الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية وتقويضه المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

وثانياً إغفال المعاناة التاريخية للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، الذي يعيش في أكبر سجن مفتوح في العالم منذ ما يقرب من (16) عاماً متصلة، وتحاصر إسرائيل قطاع غزة بكل الوسائل وتحدّ من حرية حركة مواطنيه، وتفرض معاناة يومية على دخول السلع والبضائع، ممّا يجعل أهالي غزة يعيشون في أزمة مستمرة في الإمداد بالخدمات والوصول لفرص العمل وتأمين احتياجاتهم المعيشية.

كما تعمدت الحكومات والمنظمات الغربية عدم التطرق لاستمرار عدوان إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة وبناء المستوطنات غير القانونية والمبالغة في استخدام وسائل الفصل العنصري.

كافة برامج المساعدات لا تمر عن طريق حماس التي ليست لها صفة قانونية في القطاع، ومن ثم فإنّ الخاسر الوحيد من هذه الإجراءات الأوروبية بوقف المساعدات هو الشعب الفلسطيني في غزة

الملمح الرابع وفق الدراسة، يتمثل في التغافل عن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المقدسات العربية في القدس الشرقية، والتي تبرز في شكل اقتحامات متكررة من قوات إسرائيلية مسلحة ومن شخصيات سياسية وحكومية للحرم القدسي الشريف.

وخامساً عدم انطلاق المعالجات -التي يفترض أنّها تحترم الشرعة الدولية- من حقيقة انتهاك إسرائيل لمجموعة كبيرة من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ عام 1948 حتى الآن، وأهمها قرارات مجلس الأمن أرقام: (194) لعام 1948 المتعلق بحق عودة اللاجئين، وقرار (248) لعام 1968 القاضي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها بالقوة عام 1967، وقرار (271) لعام 1969 القاضي بإلغاء أيّ إجراءات لتغيير وضع القدس، وقرار (2334) لعام 2016 الذي يحث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأخيراً عدم التعرض للمأساة المستمرة للأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون إسرائيل، والذين بلغ عددهم عام 2023 نحو (5200) أسير، من بينهم نساء وأطفال ومحتجزون بقرارات اعتقال إداري دون الخضوع لأيّ محاكمة.

وبإسقاط الحكومات الغربية والمنظمات الحقوقية لهذه النقاط الجوهرية من معالجاتها، وردود أفعالها على الحرب الأخيرة، فإنّها بالتبعية تفرغ هذه المعالجة من مصداقيتها، حيث إنّ التقييم الحقوقي والحكم على مدى التزام أطراف الحرب الأخيرة بالقيم الإنسانية والشرعية الدولية يتطلب بالأساس النظر إلى السياق التاريخي للقضية، ويستلزم توسيع دائرة الرؤية لترصد الصورة الكليّة للمشهد، وليس تثبيت الكاميرا فقط عند لحظة واحدة يقوم فيها الطرف الفلسطيني المقهور، مهدر الحقوق، باستهداف سلطة الاحتلال التي تنتهك وتقوض حقوقه على مدار (75) عاماً متصلة، وفق الباحث. 

دعم سياسات العقاب الجماعي

مع التسليم بأنّ بعض ما قام به مسلحون فلسطينيون بحق بعض المدنيين الإسرائيليين قد يُعدّ انتهاكاً لقوانين الحرب، بحسب الدراسة، فإنّ رد الفعل الإسرائيلي الذي تمثل في شن حرب شاملة أكثر ضحاياها حتى الآن من المدنيين والأطفال والأعيان المدنية، ومن بعده رد فعل عدد من الحكومات الغربية، كان تجسيداً لممارسة "العقاب الجماعي" على شعب بأكمله. 

تعمدت الحكومات والمنظمات الغربية عدم التطرق لاستمرار عدوان إسرائيل على الأراضي الفلسطينية

وتتمثل أبرز الشواهد على تواطؤ الحكومات الغربية في ممارسة العقاب الجماعي لمواطني غزة، في مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية بتحريك حاملة طائرات عملاقة لترسو بالقرب من السواحل الفلسطينية والإسرائيلية، في إشارة واضحة لدعم استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بالكامل.

أيضاً الصمت الأوروبي والأمريكي التام على قيام إسرائيل بقصف وتدمير البنى التحتية وقطع كافة خطوط الإمداد بالخدمات الإغاثية واستهداف المنشآت الطبية ومرافق مياه الشرب وإحكام الحصار على قطاع غزة ورفض دخول أيّ مساعدات غذائية وطبية للقطاع.

من أكثر ردود الفعل الصادمة للحكومات الأوروبية خلال الحرب الأخيرة، قيامها بتقويض ومنع ممارسة مواطنيها والمقيمين بشكل شرعي على أراضيها من ممارسة حقهم القانوني في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي

إضافة إلى قيام دول أوروبية كبرى بتعليق برامج مساعداتها التنموية للسلطة الفلسطينية والمجتمع المدني الفلسطيني وهيئات الأمم المتحدة الإغاثية الموجهة للأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، حيث علّقت الدنمارك (13) مليون دولار، والسويد (5) ملايين دولار، وألمانيا (131) مليون دولار، والنمسا (20) مليون دولار، وشرعت المملكة المتحدة في مراجعة برامجها التنمويّة دون تعليق مدفوعاتها، كما أشار الاتحاد الأوروبي إلى أنّ مساعداته التنموية المستمرة ستخضع لمراجعة لتجنّب أيّ دعم حتى غير مباشر لحماس. 

ويشير الباحث إلى أنّ كافة برامج المساعدات لا تمر عن طريق حماس التي ليست لها صفة قانونية في القطاع، ومن ثم فإنّ الخاسر الوحيد من هذه الإجراءات هو الشعب الفلسطيني في غزة.

تجريم دعم الفلسطينيين

من أكثر ردود الفعل الصادمة للحكومات الأوروبية خلال الحرب الأخيرة قيامها بتقويض ومنع ممارسة مواطنيها والمقيمين بشكل شرعي على أراضيها من ممارسة حقهم القانوني في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي، وفق الدراسة.

فقد قامت وزارة الداخلية الفرنسية بحظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، واستخدمت القوة المفرطة في تفريق مظاهرات منددة بالجرائم الإسرائيلية. كما صرح رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان بأنّ بلاده لن تسمح بأيّ مسيرات تؤيد ما سمّاه بالمنظمات الإرهابية، وهو التوجه نفسه الذي تبنّاه المستشار الألماني أولاف شولتز الذي أكد أنّه سيتم حظر جماعة (صامدون) المؤيدة للفلسطينيين، كما وجّهت وزيرة الداخلية البريطانية رسالة إلى كبار قادة الشرطة في إنجلترا وويلز، تحذرهم من أيّ مظاهر لدعم حركة حماس في الشوارع، وطالبت الشرطة باستخدام القوة الكاملة لمنع ظهور ما وصفته بـ "رموز أو شعارات معادية لإسرائيل في شوارع البلاد".

فقدان الثقة بالمنظمات الحقوقية الكبرى

يكشف تحليل خطاب المنظمات الحقوقية الكبرى التي تعمل على المستوى الدولي عن تباين في مواقفها ما بين ردود فعل منحازة لإسرائيل ومبررة لعدوانها، وفي أفضل المعالجات ردود فعل هلامية تساوي بين الضحية والجلاد. 

ورصدت مواقف (3) منظمات حقوقية أوروبية وأمريكية شهيرة على مدار الأيام الـ (5) الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهي منظمات هيومان رايتس ووتش، والعفو الدولية، والمؤسسة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان.

ردود فعل منحازة لإسرائيل ومبررة لعدوانها

وتخلص الدراسة إلى أنّ الغرب لن يكون قادراً، على الأقل في المستقبل القريب، على لعب دور فاعل ومؤثر في دفع الدول العربية لإحداث إصلاحات في ملف الحقوق والحريات العامة، ولن يكون لمواقفه وبياناته وخطاباته الصدى نفسه الذي اعتمدت عليه في تسويق هذه المواقف. 

وبشكل عام فَقَدَ الغرب عموماً، وأوروبا تحديداً، جزءاً كبيراً من مقومات القدرة على التأثير في هذا الملف.

كما يرى الباحث أنّ التعامل البراغماتي للغرب مع قضايا حقوق الإنسان أصبح مفضوحاً ومكشوفاً أكثر من أيّ وقت مضى، لذا فإنّ التعويل عليه سيكون نوعاً من العبث، وربما يكون ذلك فرصة سانحة للمنظومة الأممية التي اتسمت بقدر أكبر من المصداقية في الأزمة الأخيرة لتستعيد دورها وحيويتها، وتراهن على آلياتها في قيادة حركة إصلاح عالمية لأوضاع حقوق الإنسان قائمة على احترام سيادة الدول ومتجاوزة للضغوط السياسية غير المنزهة عن الهوى.

مواضيع ذات صلة:

حسابات الربح والخسارة.. ماذا حققت إسرائيل من حرب المستشفيات؟

صحيفة عبرية تكشف مفاجأة مدوية تتعلق بهجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)... ماذا حصل؟

الانحياز الصيني لفلسطين: مبادئ أم مصالح؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية