فادي عزام: "داعش" حلم موجود داخل الملايين ولن يموت

فادي عزام: "داعش" حلم موجود داخل الملايين ولن يموت


09/07/2018

أجرت الحوار: أميرة سلام


قال الكاتب والصحفي السوري فادي عزام إنّ اختفاء "داعش" مؤقت وسيظهر بعد سنوات، أشد قوة وفي أماكن لا يتخيلها أحد، مبيناً أنّ الذي انتهى هو هذه النسخة من "الدولة الإسلامية" وأنّها أساساً لم تقم لتبقى؛ بل لتختبر أفكاراً جديدة "وحلمها هو بالحقيقة موجود داخل ملايين البشر وهو حلم لن يموت".

ماتزال الطاقة المولدة لوجود داعش الشبحي تصوغ قوانين العالم تحت شعار مكافحة الإرهاب

وأضاف صاحب رواية "بيت حدد"، في حواره مع "حفريات"، أنّ دمشق ستعيد خلق بشرها وناسها، وأنّ هذا موجود بجينات تاريخها، فهي مدينة عصيّة على النسيان بمجرد أن تعود إليها تعود إليك كاملة مكمّلة، وبالنسبة إلى مستقبل بلده سوريا  أكّد أنّه لا يمكن إعادة بناء أي شيء بدون الحد الأدنى من العدالة، لمحاكمة مجرمي الحرب مهما كانوا.

وفادي عزام كاتب وصحفي سوري نشر في العديد من الصحف العربية مقالات ونصوصاً، وصدر له رواية "سرمدة" وترجمت إلى اللغة الإنجليزية، وله أيضاً "تحتانيات" و"رحلة إلى قبور ثلاثة شعراء".

هنا نص الحوار:

اختفاء مؤقت لـ"داعش"

عزام" "بيت حدد" طرحت فرضية حول (تنظيم الدولة) المعروف بـ"داعش" لا تروق للكثيرين

في روايتك "بيت حدد" دخلت إلى عمق "داعش"، هل تعتقد أنّ حلم التنظيم انهار في سوريا بعد أن تجنيد الآلاف من عناصره بواسطة خبراء في جميع المناحي؟

"بيت حدد" طرحت فرضية حول (تنظيم الدولة) المعروف بـ"داعش" لا تروق للكثيرين؛ فحسب الرواية التنظيم لم يكن ينوي أنّ يؤسس لدولة الخلافة الآن، إنما نقل الصراع إلى مرحلة متقدمة، ما قام به في العراق وسورية، نقلة نوعية في مفهوم جهاد الجبال والانعزال إلى بروفة تقوم على البناء والاكتمال للمشروع القادم، استرد خلالها عناصر جديدة عوضت النزيف خلال السنوات الماضية والأهم صاغت افتراضات جديدة عن جوهر الحرب القادمة.

اقرأ أيضاً: داعش يظهر من جديد في دمشق!

نعم؛ هناك سياق يفهم منه أنّ التنظيم اندحر وتلاشى، وهناك حقائق إنه عاد إلى الاختفاء ليس عن خريطة الحدث والصراع فما تزال الطاقة المولدة لوجوده الشبحي، تصوغ قوانين العالم، تحت شعار مكافحة الإرهاب.

برأيي الشخصي إنه اختفاء مؤقت سيظهر بعد سنوات، أشد قوة وفي أماكن لا يتخيلها أحد؛ فالذي انتهى هو هذه النسخة من الدولة الإسلامية وهي أساساً لم تقم لتبقى؛ بل لتختبر أفكاراً جديدة، وحلمها هو بالحقيقة موجود داخل ملايين البشر وهو حلم لن يموت.

هل سنرى مستقبل داعش في كل من أمريكا والغرب لتكون من حواضرها؟.. هل هذا قابل للتحقيق، وخاصة بعد الأعداد الهائلة التي طغى عندها هذا الإيمان؟

يقول الشيخ غسان في رواية "بيت حدد" حرفياً: "نحن نحب أرض الشام وبلاد الحرمين لما لها من قوة روحية ومعنوية، حين نصل إلى مركز القرار ونفتح كما وعدنا الله روما المعاصرة، ستصبح كل هذه القوة الهائلة التي نهدد بها ملكاً لنا. دولة الإسلام كانت عبر التاريخ حيث يوجد قرار القوة والتحكم، حين كان في دمشق كنا في دمشق واتخذناها عاصمة، وحين أصبح في فارس صنعنا بغداد وأبدعنا في سمرقند، وحين صار في مصر بنينا القاهرة، ثم انتقلنا إلى إسبانيا فوصلنا إلى غرناطة وقرطبة، وعندما تمكنت القسطنطينية كمركز للعالم صارت لنا.

اقرأ أيضاً: مدير آثار سوريا: داعش تعتبرنا عبدة أصنام

اليوم القرار في واشنطن، دعك من باقي المدن التي تعمل كخزانات للأموال وتبني سياستها وتلهي شعوبها وترشوهم بالخدمات، كلهم لا شيء أمام واشنطن ونيويورك.

وجهنا لهم مجرد صفعة واحدة قلبت حياتهم رأساً على عقب، والحمد لله أنهم تصرفوا تماماً كما نريد، وجاؤوا بجحافلهم ليكونوا السبب في صناعة ما نحن عليه اليوم".

أتفق مع بعض ما قالته شخصية الشيخ غسان في الرواية؛ دولة الخلافة لا تحلم أو تطمح لتصبح هذه المدن من حواضرها، فهذا سيكون تحصيل حاصل لإيمانها الراسخ بذلك، فالخلافة عبر التاريخ لم تكن الهامش، إنما حاضرة في مدن صناعة القرار الكوني.

المسلمون ليسوا كتلة واحدة لكن الخطاب التحريضي ضد الإسلام في الغرب جعلهم أكثر تماسكاً اليوم

فالأمر لا ينطلق من المنطق الذي نفكّر به اليوم، إنما من دينامية حُلمية له تفسيرات راسخة في العقل الموازي، وهو يستمد تفسيراته من أس تاريخي ممتزج بطاقة غيبية لا تتوقف على مده ورفده بهذا الحلم. تأتي التنظيمات، تحول هذه الأفكار – الأحلام – التفسيرات – الإشارات.. إلى كتلة فكرية صلبة فتأخذ بالعصر الحديث شكلاً مثل القاعدة – تنظيم الدولة – بوكو حرام ...إلخ.

تفكيك أحدها بشكل مادي كتنظيم لا يعني أنّه تمت إبادة الفكرة بل على العكس، يعطي زخماً جديداً لتظهر باسم آخر وشكل جديد وغالباً مستفيدة من تجاربها السابقة.

اقرأ أيضاً: الحاجة إلى الأكاديمي المثقف، لا إلى الأكاديمي الصنم!

ثلاثة عوامل ما تزال موجودة في حياتنا المعاصرة؛ حلم الخلافة سيبقى حاضراً بشكله العنفي القسري وقابلاً للنمو من جديد، الاستبداد والأنظمة الدكتاتورية في المشرق ومعها التوحش الاقتصادي وسلطة رأس المال التي تفتك بمنجزات النهضة الغربية، وثالثاً سحق الثقافة وتسليعها، وتحويل النخبة المؤثرة في العالم إلى متفرجين في الشأن العام، يدينون إرهاب الجماعات المتطرفة ويأخذون وضعيات التفرج على إرهاب الدول.

فأيهما أشد خطراً، السماح بإبادة جماعية بكل أنواع الموت لمجموعة بشرية تحت شعار مكافحة الإرهاب، أم لبس امرأة للبرقع في شارع من شوارع باريس؟

كيف يرى الإسلاميون أنفسهم في الغرب، هل يشعرون بالانتماء ما بين هويتهم للوطن الجديد وإسلامهم الذي يدين به؟

أفضل أن أقول المسلمين وليس الإسلاميين، حق الاعتقاد يُفترض أنّه مكفول في الغرب، المسلمون مثل كل الناس لهم خصوصيتهم وهناك تنوعات كبيرة على هويتهم، فهم ليسوا كتلة واحدة، لكن الخطاب التحريضي ضد الإسلام في الغرب جعلهم أكثر تماسكاً اليوم، فمثلاً الجيل الرابع من المهاجرين العرب والمسلمين في فرنسا رافض للانتماء للدولة الفرنسية أكثر بكثير مما سبقه، إنه فشل كبير يجب مواجهته.

الغرب يريد إسلاماً مفصّلاً على مزاجه وغالباً إسلاماً منسوخاً وممسوخاً، ومهما قدم المسلمون الضمانات والتغيرات لن ينالوا إلا المزيد من المطالبات.

مهما قدم المسلمون في الغرب من ضمانات وتغييرات فلن ينالوا إلا المزيد من المطالبات

لا تستطيع أن تعيش في مكان مطلوب منك تبرير نفسك طوال الوقت، الاندماج لا يعني الذوبان، وحتى وإن وصلت في الغرب إلى مرحلة التطابق الكلي في السلوك والواجبات مثل؛ جارك الإنجليزي والفرنسي والألماني، سيكون صعباً عليك أن تتخطّى بعض الحدود، مثلاً لا يعكس البرلمان البريطاني حجم ودور المسلمين في بريطانيا بالتمثيل داخله، بالمناسبة بريطانيا هي من الدول الأوروبية الأكثر ذكاء وحصافة في التعامل مع المسلمين، فلا قوانين سخيفة للاندماج ولا قسر لمسألة الحجاب وهذا شيء معقول جداً.

هل الإسلاميون في الغرب يشعرون بالدونية أو "نكرة" حسب ما ورد في روايتك "بيت حدد"؟

في الرواية فُتح المجال لهذا الجدل، وربما تكون الإجابة موجودة في هذا المقطع: "نحن في حالة صراع وجود، كل ما قدّمناه للغرب من أمانٍ وتفاهم ومحاولات إقناع بأحقية اختيارنا لنمط حياتنا كان يقابل بالاستهزاء والتتفيه، يريدون تحويلنا إلى إسلامٍ هجين يناسب اقتصادهم وسياساتهم ليسهل تدميره من الداخل.

اقرأ أيضاً: مدن الدم.. "دار الغزل" و"عين السماء"

اليوم نعيش زمن صحوة عالمية الإنسان في إسلامه، وهذا الكوكب لن يرى العدالة حتى يحكمه السلام القادم من الإسلام، الديمقراطية والليبرالية اليوم هي دين حاكم، استسلمت له المسيحية واليهودية، وحده الإسلام يقاوم، إنّه صراع الروح مع المادة، السلام مع الحرب، الخير مع الشر.

تجربة الإسلام السياسي التي يريدها الغرب هي تجربة الأحزاب التي تؤمن بالليبرالية، يعني الوحشية المرعبة في زجّ الناس لاهثين وراء المادة والحياة التافهة، نحن أقرب لمن يقول: "من الكل بحسب طاقته إلى الكل بحسب حاجته"، وفائض القيمة هو لخير الأمة وتقدمها وليس لخير الحزب وسلطة الطاغية. "

مِحنة الشام

دمشق تمتاز بأنّها تغيّر المحتل أو الغازي، أو القادم إليها

بعد ما جرى في سوريا هل ماتت دمشق الحقيقية؟ أم أنّ الذي حدث خلال السبع سنوات سيعيدها؟

دمشق مدينة غريبة في التاريخ تمتاز بأنّها تغيّر المحتل أو الغازي، أو القادم إليها، دمشق ليست ضحية كل اللصوص، بل ضحية كراهية منظَّمة أدخلت عليها كل أنواع اللصوص عبر الخمسين سنة الماضية.

إحاطتها بأحزمة من الفقر والعشوائيات المسبقة التخطيط، تجفيف نهرها، سرقة واحتلال نقاط ارتكازها الحيوية، تلويثها، تدمير قيمها ومنجزاتها، نهب مخزونها التاريخي والثقافي، عسكرة وجهها، تهجير ناسها، إحلال الولاء للقائد الذي لم يستطيع أن يدفن فيها بدل البناء على عظمة رفات قادة فكرها وتاريخها.

لا تستطيع أن تعيش في مكان مطلوب منك فيه تبرير نفسك طوال الوقت

دمشق استنزفت وأُنهكت وتخرّبت قبل الثورة، إنّها في محنة عظيمة قد تكون الأخطر منذ أن ولدت، والأهم اليوم ربط دمشق بالشوام، في الحقيقة الدمشقيون الحقيقيون، معظمهم غادروها إلى الخارج أو الريف منذ الثمانينيات، هم طاقة الرفض الأخير ويجري اليوم تدمير بربري لهم في الغوطة، مسخ سمعتهم في الإعلام، إهانتهم والسخرية منهم.

لكن مدينة مثل دمشق تعيد خلق بشرها وناسها، هذا موجود بجينات تاريخها، لا نستطيع أن نروّج للأمل بدون بذار له، دمشق تمر بأسوأ مرحلة بتاريخها، لكني بالنسبة لي شخصياً ثمة شيء خفي هامس لا أعرف كيف أشرحه يجعلني لا أسدل ليل التشاؤم النهائي على المشهد.

أي مستقبل لسوريا الآن، وما هو النظام السياسي الذي يمكن أن يُبنى على أنقاض ما سبق؟

باختصار لا أعرف ما هو المستقبل، لكن اجتهد بهدوء لأقول وبعيداً حتى عن موقفي الشخصي، فأنا معارض للدم والقتل والاضطهاد مهما كان مصدره ولست معارضاً سياسياً.

قيادة النظام الحالي في سوريا ربما تبدو من الخارج أفضل الشرور؛ لكن ليس لديها حقيقة أي مشروع جدّي للحل؛ إنّها جزء حقيقي وأصيل من الكارثة.

الكيان السوري  الحالي كما نعرفه هو كيان وليد في تاريخ المنطقة تشكّل بهذا المحتوى والشكل العام 1946، قبله كانت سورية مكونة من خمس دويلات طائفية حتى العام 1920، وقبلها كانت سورية جزءاً من الدولة العثمانية.

دمشق ضحية كراهية منظَّمة أدخلت عليها كل أنواع اللصوص عبر الخمسين سنة الماضية

اليوم تم تأصيل النفوذ الخارجي في الجغرافية السورية، والحل الأمنيّ على طريقة الأرض المحروقة ومن ثم تهجير الناس، سيحتاج لسنوات لترسيم خريطة البلد بالدم والنار؛ خريطة هشة غير قابلة للحياة.

من المفارقات أنّ النظام تكيّف مع اقتصاد الحرب فآخر ما يعنيه أن يحل السلام؛ لأنّه باللحظة التي تنتهي عملياته العسكرية، في الجنوب، درعا والقنيطرة، وشمالاً ريف حماة وإدلب، بعض من ريف حلب سيواجه استحقاقاً مؤجلاً، مع بيئته الحاضنة أولاً ومن حلفائه ثانياً، فوقت دفعه للفواتير السياسية والاقتصادية لم يحن بعد، وغالباً ستكون أكبر من قدرته.

اقرأ أيضاً: المثقفون العرب الآن: بيانان وزمنان ورهانان

لنفترض أنّ الحرب توقفت غداً، نحن أمام عقود قادمة لترميم شروخ البلد، ولا يمكن إعادة بناء أي شيء بدون الحد الأدنى من العدالة، لمحاكمة مجرمي الحرب مهما كانوا.

اكتشاف الذات

كيف نفهم الحب بدون جسد، كيف نفهم الجسد بدون العاطفة؟ (اللوحة: محمد قاسمي)

هل الغرابة والتطرف يحرّضان الفضول ويدمران الحقيقة؟ هكذا تساءلت في روايتك "بيت حدد"، وأنا أعيده عليك لفضولي في معرفة الجواب؟

لنضع جملتك في سياقها في الرواية: "امتزج اللعب بالجد، النشوة بالعقاب، اللذة بالكد، المعرفة بالغموض، الابتهال بالصدّ، اليقين بالشكوك، عدنا إلى لندن مفلسين تماماً، نحمل اكتشافاً مبهماً لحقيقتنا الداخلية، هل فعلاً لا يمكن أن نعيش إلا بحالة متطرفة من الجسد لنحصل منه على رخاء القلب، أم أنّ الغرابة والتطرّف يحرّضان الفضول ويدمران الحقيقة".

اقرأ أيضاً: هذه هي تفاصيل الصفقة الغامضة بين النظام السوري وداعش

سؤال الجسد وسؤال الحب كيف نكتشف من نحن فعلاً؟ هل يمتلك "فيديل" رغبات سادية؟ هل "ليل" مازوخية في أعماقها؟

سؤال الرغبة واللذة حين تخرج من وظيفتها أقصد وظيفة الجنس من أجل الإنجاب، ماذا يعني؟ كيف نفهم الحب بدون جسد، كيف نفهم الجسد بدون العاطفة؟

نحتاج لابتكار عقد اجتماعي وأخلاقي وإنساني بالحد الأدنى يكون عادلاً كي نستطيع العيش بألم أقل

لحظة الالتحام بين جسدين يمكن أن نراها وكأنّها فعل غريزي فيزيائي غايته إشباع الرغبات لاستمرار النوع، هذا رأي الطبيعة؟ نمو بذرة الرغبة وتفتحها، الالتحام والاقتحام ثم الذروة وبعدها الانهدام وما يتبعه من موت الرغبة، بهذه الدورة أليس هناك تلخيص لحياة كاملة، موت – ولادة.

في كل شهوة يتصارع ملاك وشيطان، في كل حب كره مضمر، في كل ذروة للجسد الحسي تجلٍّ لروحانية مضمرة، هذا جزء أساسي من أسئلة الوجود التي لا يمكن الإجابة القاطعة بها، تحتاج إلى التطرف بالتفكير والفضول الدائم للوصول لبعض أسرارها، والغريب كلما تعرّفت أعمق ازدادت غموضاً.

في "بيت حدد" سؤال الرغبة والامتلاك، سؤال الحب والحقد أساسي وبنفس الوقت لم أتورط كثيراً به، لدي شخصيات حاولت تحميلها بعض ما أعرف ولكنها بالنهاية كانت مستقلة فعلاً.

اقرأ أيضاً: هذه هي خريطة الحل مع النظام الحاكم في دمشق

أسوأ ما فعلته هو محاولة تقطيب الخيال ببعض مقتبسات من الواقع لخدمة موقف سياسي، السطحيون وجدوا بذلك مدخلاً لإدانة الرواية.

تعلّمت منهم الكثير سجلت كل ما كتبوه صار لدي عجينة مذهلة ستقودني بالتأكيد إلى فضول جديد، قد يكون متطرفاً لا أعرف، ولكن متأكد أنّ الفضول محرك كبير بالنسبة لي.

في رواية "سرمدة" قلت: "طوال الوقت وأنا أسعى لتغيير حقيقتي للهروب مني للتنكر بلغة أخرى وبأسلوب آخر".. هل استطعت أن تهرب من سرمدة وتتنكّر لها؟ وما هي الأسئلة الكبرى والإجابات التي أجابتك عنها سرمدة؟

الأسئلة الكبرى بالنسبة لي هي عدة أسئلة جوهرية؛ من أين أتينا لهذا العالم، ولماذا، إلى أين سنذهب بعد الموت؟ وما معنى الزمن؟ ومن مشتقات الزمن الذاكرة، والتاريخ السائل إذا تجمد نكون في الجغرافيا.

هذا عموماً، بالأسئلة المباشرة هناك تفرعات، مثل؛ الحرية بمعناها الضيق والواسع، نحتاجها بكل لحظة لنجيب عن الأسئلة الكبرى السابقة، وأيضاً لنبني علاقة مع المحيط، فنحن حين خرجنا من الغابة، لم تخرج قوانين الغابة منا. نحتاج لفهم عميق لعلاقتنا الاجتماعية كبشر، لابتكار عقد اجتماعي وأخلاقي وإنساني بالحد الأدنى يكون عادلاً كي نستطيع العيش بألم أقل.

حين تقرر أن تكتب عن مكان ما ستجد أنّ الأسئلة الجوهرية هي نفسها في أي مكان آخر

هناك سؤال الحب من الأسئلة المحببة في الأدب، ولكن الحب كما نعرفه اليوم، هو عاطفة جد متأخرة بالرتبة، محدثة وليست أصيلة.. أقصد كما هو متعارف عليه اليوم؛ بدراسات عميقة يمكن الاطلاع عليها بكتاب قيّم مثل "فلسفة الحب" نكتشف أنّ الحقد، الحسد، والمودة، والأمومة هي مشاعر جوهرية أكثر من الحب لدى الإنسان البدائي، بهذا المعنى تصبح نظرية أنّ العضّة أصل القبلة صحيحة أيضاً.

فحين تقرر أن تكتب عن مكان ما، ستجد أنّ الأسئلة الجوهرية بالنسبة للإنسان هي نفسها في أي مكان آخر. وحين تحفر في شخصية أو قاع مجتمع ما، ستجد أنّ الجوهري في قرية منسية بجنوب سوريا هو نفسه في أي قرية أخرى بالعالم.

اقرأ أيضاً: زكريا تامر: حدّاد شرس في وطن من الفخار

الانزياح هو بالتفاصيل، وبهذه المسافة من الانزياح أحب أن أعمل.

كل معرفة يجب أن تكون قابلة للتفنيد والنقد والنقض.. ماذا تسمي السجال الذي حصل مؤخراً يشأن روايتك الأخيرة "بيت حدد"؟

بدون شك حين تطرح كتاباً، عرضاً مسرحياً، فيلماً، رواية...إلخ في الفضاء العام يجب أن تكون مستعداً للاشتباك مع هذا الفضاء بكل ما فيه.

كل ما تتمناه أن يكون هناك الحد الأدنى من النزاهة في التعاطي مع منتجك؛ بالنسبة إلى "بيت حدد" كان هناك خطأ تقني بحت، تحمّلت تبعاته بكل شجاعة، وبدون تبرير؛ خطأ تم استغلاله وتكبيره وتهويله، بطريقة أقل ما يقال عنها إنها غير نزيهة، في اللحظة الأولى كنت منفعلاً، ببساطة لأنّي لم أكن أعرف ماذا يحصل.

عادة أقدّر الانطباعات السلبية بما أعمل بمثل تقدير الانطباعات الإيجابية، ففي النهاية نقد أي عمل لا يعني نقد صاحبه.

نحن حين خرجنا من الغابة لم تخرج قوانين الغابة منا

على كلٍّ من حسنات الكتابة أنّها تدرّب الإنسان على الهدوء، وحين فهمت بالضبط ما حدث وكيف حدث ولماذا حدث؟ تركت الأمر يأخذ حدّه.

الآن يمكن القول إنّها تجربة عظيمة أخرى منحني إيّاها مجموعة من الناس من ذوي الضعف الإنساني، هؤلاء الذين لديهم صور عن أنفسهم، وقدرات مذهلة على التلوّن، وممارسة الخبث والتبرير والتحدث بقضايا أخلاقية، مستنسخات كازنوفا وكتّاب اتحادات كتّاب السلطات، منظمو أمسيات لا يحضرها إلا رهطهم، هؤلاء فقط أسمّيهم آكلات الرمة الثقافية الذين يعتاشون على البواقي.

اقرأ أيضاً: الغوطة الشرقية تتعرض للإبادة والقنابل المحرمة تجعل ليلها نهاراً

وعن العالم الافتراضي حدِّث ولا حرج؛ منشورات تتراوح بين الكذب والتزوير ثم المدح والاعتذار، التهويل والمزايدة تحت شعارات أخلاقية ثم التملق والبكاء، ترى فيها تحوّلات الإنسان وحقيقته دون أن تحرك ساكناً.

بالنتيجة "بيت حدد" انتهت بالنسبة إليّ من لحظة خروجها من المطبعة، ما يهمّني الآن أن أضع اللمسات الأخيرة على العمل الجديد، فقد أمدّتني التجربة بطاقة كبيرة فشكراً لكل من ساهم فيها.

فالرد على كل ما حصل يكون بالعمل الصارم وبنفس الوقت سأحرص بشدة في المستقبل على وضع طارد للبرغش في الغرفة التي أنام فيها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية