"داعش" و"القاعدة": إرهاب يتمدد بحثاً عن السلطة والنفوذ والذهب

"داعش" و"القاعدة": إرهاب يتمدد بحثاً عن السلطة والنفوذ والذهب

"داعش" و"القاعدة": إرهاب يتمدد بحثاً عن السلطة والنفوذ والذهب


15/06/2023

ما تزال الصراعات المحمومة بين داعش والقاعدة، في أفريقيا، تؤشر إلى سيناريوهات متفاوتة، بينما التنافس بين التنظيمين الإرهابيين يصل إلى مداه، خاصة مع ارتفاع وتيرة الهجمات المسلحة في القارة. وبحسب دراسة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، فإنّ "العمليات الإرهابية في أفريقيا تضاعفت خلال أيلول (سبتمبر) العام الماضي وبلغت 54 عملية". وقد أوضحت الدراسة أنّ ارتفاع وتيرة هذه العمليات جدد "تنافس (القاعدة) و(داعش) على الزعامة والاستحواذ على مصادر التمويل. إذ يحاول كل تنظيم تركيز عملياته وتوسعة نفوذه".

تمدد داعش والقاعدة في أفريقيا

وتقول الدراسة إنّ "منطقة شرق أفريقيا جاءت في المرتبة الأولى، من حيث عدد العمليات الإرهابية. إذ شهد كل من الصومال وموزمبيق 27 عملية إرهابية، سقط على أثرها 92 قتيلاً و65 مصاباً، وكان للصومال النصيب الأكبر من عدد العمليات وعدد المصابين. وقد هاجمته حركة الشباب بـ23 عملية أدت جميعها إلى مقتل 67 وإصابة 65، فيما تعرضت موزمبيق لـ4 عمليات أسفرت عن مقتل 25"، لافتة إلى أنّ "منطقة الساحل الأفريقي جاءت في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية، إذ شهدت 12 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل 62، وتعرضت بوركينا فاسو لـ7 عمليات خلفت 11 قتيلاً و87 مصاباً، ومالي لـ4 عمليات أدت إلى سقوط 51 ضحية".

محمد ربيع الديهي: تأجيج النزاعات المحلية والصراعات الإقليمية لتجنيد الشباب

ويكاد لا يختلف هذا التصور عن ما ذكره الباحث في الشأن الأفريقي صلاح خليل، بأنّ شرق أفريقيا يعد واحداً من البوابات المهمة كمنطقة ساحلية تقع ضمن خطوط الملاحة الدولية، وقد ساهمت تلك المنطقة في دخول مقاتلي تنظيمات القاعدة وداعش بعد تراجع نشاطهما في مواقع أخرى حول العالم، حيث تمثل حركة الشباب المجاهدين الصومالية أوائل الجماعات الأكثر عنفاً في شرق القارة تأييداً للقاعدة، موضحاً في دراسة بعنوان: "داعش والقاعدة في أفريقيا: تحولات خريطة الانتشار وتغير حدود التأثير" بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أنّه "من خلال هذا التأييد تتوغل القاعدة وداعش في شرق أفريقيا في كل من الصومال وكينيا وأوغندا وإثيوبيا، باعتبار تلك الدول ترتفع فيها حدة الصراعات والنزاعات المرتبطة بالهوية والجهوية. لهذا تحتل منطقة شرق أفريقيا المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات الإرهابية حتى أكتوبر 2022، بواقع 30 عملية تفجيرية في كل من الصومال وموزمبيق، أما منطقة غرب أفريقيا فشهدت 15 عملية تفجير أغلبها كانت في بوركينافاسو ومالي".

الصراع على الزعامة والنفوذ

ويقول الباحث المصري في العلوم السياسية، الدكتور محمد ربيع الديهي، إنّ التنافس يحتدم بين أفرع تنظيم داعش في أفريقيا، من جهة، ومثيلاتها في تنظيم القاعدة، من جهة أخرى، حيث يشتد الصراع على "النفوذ" و"الزعامة" للسيطرة على الجغرافيا ومواردها، تحديداً، في مناطق غرب وشرق أفريقيا، موضحاً لـ"حفريات" أنّ تنظيم داعش والقاعدة الإرهابية يسعى كل منهما إلى "استقطاب مقاتلين لصفوفه التنظيمية لدعم جبهات القتال في دول ساحل الصحراء وغرب وشرق أفريقيا".

ويردف ربيع الديهي: "كما يمتلك تنظيم داعش نحو 50 ألف مقاتل في أفريقيا يمثلون ثلث أفراد التنظيمات الإرهابيه في أفريقيا. كما تمثل أفريقيا جنوب الصحراء مركز الثقل الجديد لصمود داعش والقاعدة. تمكن تنظيم داعش والقاعدة من إظهار مرونة كبيرة من ناحية الاستجابة للضغط المستمر من جانب قوى مكافحة الإرهاب، وذلك بإعادة صياغة العلاقات التنظيمية بين القيادة على المستوى المركزي والجماعات التابعة، في إتجاه لا مركزية تدريجية واستقلالية أكبر في صنع القرار للفروع الإقليمية".

يرتبط التنافس بين القاعدة وداعش داخل أفريقيا بديناميات التنافس القبلي، في ظل اعتمادهما على تحالفات إثنية وقبلية تتداخل فيها العوامل الاجتماعية مع العوامل التنظيمية

وفي إطار ذلك سوف نلاحظ أنّه، على مدى السنوات الماضية، "تمدد نفوذ تنظيمي القاعدة وداعش بمنطقة الساحل بغرب أفريقيا، بينما تتعرض مالي والنيجر وبوركينا فاسو لهجمات أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليوني شخص، منذ عام 2015"، حسبما يقول ربيع الديهي.

ووفق الباحث المصري المتخصص في العلوم السياسية، فإنّ إحدى نقاط التنافس بين التنظيمين تكمن في كون "الاستراتيجيات المفضلة للتنظيمين تتمثل في تأجيج النزاعات المحلية والصراعات الإقليمية لتجنيد الشباب. وساهمت هذه الاستراتيجية في تحويل أفريقيا، من مالي غرباً إلى الصومال شرقاً وصولاً إلى موزمبيق في الجنوب، إلى ساحة اقتتال متواصل بين المتطرفين الإسلاميين والدول الغربية وحلفائهم المحليين".

ولعل أبرز المستجدات الراهنة تتمثل في المخاوف من أن تصبح غانا وجهة المتطرفين الجديدة، بحسب المصدر ذاته، فضلاً عن التخوف من أن يسيطر تنظيم القاعدة على عائدات "تجارة الكاكاو والذهب والموانئ الأطلسية، ما من شأنه أن يوفر عوائد مادية واستراتيجية مهمة، حيث عمد المتطرفون في كل المناطق التي سيطروا عليها بغرب أفريقيا إلى الاستحواذ على مناجم الذهب غير الرسمية، والتي تنتشر بشكل واسع في غانا".

داعش والقاعدة.. لمن الغلبة اليوم؟

بالعودة لدراسة الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية صلاح خليل، ففي وسط أفريقيا أسس تنظيم الدولة الإسلامية فروعاً وولايات تابعة له، وتوسع في هذه المنطقة الجغرافية المهمة بفضل التحالف بين عدد من التنظيمات المسلحة المحلية في كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وتنزانيا، والتي تجاوزت الاختلاف الأيديولوجي بينها لتبرم تحالفات مع تنظيمات إسلامية راديكالية كالقاعدة وداعش.

التنافس يحتدم بين أفرع تنظيم داعش في أفريقيا

وأضاف: "في ظل التنافس بين التنظيمين على التمدد في ساحات أوسع في القارة الأفريقية ارتفعت مؤشرات العنف بين داعش والقاعدة بصورة ملفتة لتطرح تساؤلات حول مدى زيادة رقعة الصراعات بين تنظيمي القاعدة وداعش في ظل المنافسة المحتدمة على الرغم من تطابق الرؤية الأيديولوجية. فحتى شهر أيلول (سبتمبر) عام 2022، بلغت الهجمات التي نفذها التنظيمان ضد بعضهما 54 عملية متفرقة داخل القارة الأفريقية، بسبب التنافس على النفوذ، فضلاً عن الخلافات الأيديولوجية. لكن سيظل التنافس على استقطاب مزيد من المقاتلين وتجنيدهم، هو الهدف لكل من القاعدة وداعش، بجانب التنافس على الموارد الاقتصادية المستخرجة من الأرض كالتنقيب عن الذهب والماس، بالإضافة إلى التجارة غير المشروعة والتهريب. كما يرتبط التنافس بين القاعدة وداعش داخل أفريقيا بديناميات التنافس القبلي، في ظل اعتماد كل من التنظيمين على تحالفات إثنية وقبلية تتداخل فيها العوامل الاجتماعية مع العوامل التنظيمية".

الباحث ربيع الدويهي لـ"حفريات": عمد المتطرفون في ل المناطق التي سيطروا عليها بغرب أفريقيا إلى الاستحواذ على مناجم الذهب غير الرسمية، المنتشرة في غانا

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول الباحث المصري المختص في القضايا السياسية والإقليمية، الدكتور سامح مهدي، إنّ عودة طالبان للحكم في كابل يبعث بمخاطر جمّة بشأن مستقبل تنظيم القاعدة في ضوء العلاقات الوثيقة بين التنظيمين، الأمر الذي يكشف عن تنافس محتدم مع داعش كذلك في هذه الساحة التي قد تكون بؤرة نشطة إقليمياً، بل ملاذاً جديداً آمناً للإرهاب في منطقة وسط وجنوب آسيا.

ووفق مهدي، فإنّ داعش لا تكف عن هجماتها المسلحة والأيديولوجية ضد طالبان والقاعدة، بل تعتبر الأولى كل من التنظيمين الآخرين "كفار" و"جماعة إسلامية مزيفة" وقد اتهمت داعش عودة طالبان لحكم كابل بأنّها مجرد "مؤامرة (خطة) أمريكية". وفي حين تشير كافة التقارير، منها تقرير الأمم المتحدة، قبل عامين، تقريباً، إلى أنّ وضع داعش خراسان هش، فإنّه من غير المرجع أن تنجح طالبان في كبح نشاطه ووقف عملياته المسلحة، بل إنّ غالبية المسلحين النشطين في داعش كانوا مقاتلين في شبكة حقاني.

ومع العوامل الإقليمية والجيوسياسية في عدد من المناطق بالعالم، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، ووجود الحكام الجدد في كابل، فضلاً عن خصوصية الوضع بأفريقيا من أزمات اقتصادية مريرة ووضع أمني هش والارتباطات القبلية التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية والمسلحة، فإنّ مؤشر الإرهاب لا يبدو أنه سيتراجع، ولن تتوقف الصدامات التنظيمية.

مواضيع ذات صلة:

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا

داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية