تونس في مواجهة نسيج الإخوان الجمعياتي المتورط في الإرهاب

تونس في مواجهة نسيج الإخوان الجمعياتي المتورط في الإرهاب

تونس في مواجهة نسيج الإخوان الجمعياتي المتورط في الإرهاب


25/07/2023

منذ عودة قادتها في بداية العام 2011 عملت حركة النهضة الإخوانية على بعث نسيج من الجمعيات التي تُعدّ بالمئات في كل ربوع تونس، بوصفها واجهة للعمل الخيري ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ولكنّها لم تكن في الحقيقة سوى أداة لحشد التأييد والدعم للانتخابات التي ستنعقد حينها في تشرين الأول (أكتوبر) 2011.

غير أنّ التونسيين سرعان ما تفطنوا إلى الأبعاد الخفية وراء ذلك النسيج الجمعياتي الهائل، وتبين أنّ تلك الجمعيات تتلقى تمويلات ضخمة من جهات أجنبية كثير منها متورط في الإرهاب وعلى علاقة بتنظيم القاعدة والعديد من الكيانات المحرمة دولياً.

وتم بعث اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب بعد تغلغل الإرهاب في تونس زمن حكم حركة النهضة، وتمكينه من النشاط وتنظيم المؤتمرات وتلقي التمويلات وتنفيذ عمليات إرهابية دامية خلفت عشرات القتلى من المدنيين والعسكريين والأمنيين بأبشع الطرق. وقد تولت اللجنة تجميد حسابات العديد من الجمعيات ذات التمويلات المشبوهة.

يبدو جلياً أنّ وظيفة العمل الجمعياتي هي قناع يرتديه حزب النهضة ليموّل المنخرطين بصورة غير مباشرة، ويساهم في الاستقطاب السياسي، ويبيّض الأموال، ويصنع صورة ناصعة للحركة في المجتمع التونسي

ومن أبرز أمثلة ذلك جمعية "مرحمة" التي تم تجديد تجميد نشاطها منذ أيام لعلاقاتها المشبوهة بالنسيج الجمعياتي الإخواني العالمي، وتلقيها تمويلات ضخمة دون إشهار ذلك، وهي جمعية أسسها القيادي في حركة النهضة الإخوانية محسن الجندوبي عضو مكتبها التنفيذي قبل أن يستقيل من رئاسة الجمعية ويكتفي بإدارتها تنفيذياً، بعد أن تلقى تنبيهاً من رئاسة الحكومة لأنّ القانون يحجر الجمع بين الصفة الحزبية والصفة الجمعياتية.

وجمعية "مرحمة" للمشاريع الخيرية والاجتماعية هي واحدة من جمعيات عديدة أسسها الجندوبي. وقد تأسست في أيلول (سبتمبر) 2011، وتقف وراءها جهات متعددة تتلقى من خلالها تمويلات فلكية، فحسب موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت، فإنّ الجمعية تتولى بناء المدارس والمستوصفات وتعبّد الطرقات وتبني المساجد والمساكن، وتنظم حملات المساعدات وحملات البرد وحملات العودة المدرسية ورعاية الأيتام وغيرها، كما تبعث المشاريع للعاطلين وأصحاب المهن وغيرهم، أي أنّها تتدخل في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك مهام الدولة نفسها مثل تشييد المدارس وتعبيد الطرقات وغيرها، ممّا هو موكول أساساً للدولة.

عملت حركة النهضة الإخوانية على بعث نسيج من الجمعيات التي تُعدّ بالمئات في كل ربوع تونس

وتنشر الجمعية على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت نماذج ممّا تقدمه من الأشغال في المدارس التي تبنيها وغيرها من المشاريع، وتحظى أنشطتها بتغطيات إعلامية واسعة من قبل الشبكة الإعلامية الإخوانية المرئية والمسموعة والمكتوبة، إضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي وغيرها. ويرى ملاحظون أنّ وراء هذه الجمعية مثل غيرها من شبيهاتها جهات تمويل داعمة بملايين الدولارات، لأنّ طبيعة المشاريع التي تقوم بها مكلفة جداً في تونس.

والملاحظ أنّ الجمعيات الأجنبية التي تدعم هذه الجمعية وشبيهاتها لتنفيذ مشاريعها هي جمعيات مرتبطة بالإرهاب، ومنها على سبيل المثال "الخيرية الإسلامية الدولية" و"السخاء القطرية، وقد صنفتها التقارير المخابراتية الأمريكية واجهةً للإخوان المسلمين، وكشفت ارتباط كثير من أعضائها بالإرهاب دولياً.

وقد ذكر تقرير لصحيفة (آخر خبر) التونسية صادر في العام 2015 أنّ وضع جمعية "مرحمة" ينطبق أيضاً على عدد من الجمعيات الأخرى، ومنها "أكاديمية الإنسان لبناء القدرات"، وجمعية "المنظمات التونسية للتنمية الاجتماعية"، التي يشرف عليها جميعاً الشخص نفسه، أي القيادي بحركة النهضة الإخوانية محسن الجندوبي.

وبذلك يبدو جلياً أنّ وظيفة العمل الجمعياتي هي قناع يرتديه الحزب ليموّل المنخرطين بصورة غير مباشرة، ويساهم في الاستقطاب السياسي، ويبيّض الأموال، ويصنع صورة ناصعة للحركة في المجتمع التونسي، أي أنّه أشبه ما يكون بعملية شراء مقنّعة لأصوات الناخبين، وتمويل للحزب بصورة غير مباشرة.

في تسريب شهير للغنوشي في اجتماع سري بمقر الحركة طلب من "السلفيين" حينها أن يكوّنوا جمعيات، وأن يكثفوا من أنشطتهم، وأن يحتلوا الفضاء العام كمرحلة أولى، لأنّ الجيش والشرطة "غير مضمونين" على حدّ تعبيره، وأيّ محاولة لتغيير نظام البلاد أو قوانينها نحو المخطط الإخواني الإسلامي سيجابه بالرفض، كما يوحي كلامه

وحسب إحصائية غير رسمية، فإنّ عدد الجمعيات العاملة في تونس ناهز الـ (18) ألف جمعية، منها نصيب وافر من الجمعيات "الخيرية"، وقد تكوّن هذا النسيج في أغلبه الأعم بعد أن تم إصدار قانون جديد للجمعيات والأحزاب في 2011 يسهل بعث الجمعيات والأحزاب، غير أنّها نادراً ما تتبع الخطوات القانونية وتتستر على مسألة التمويل.

وفي تسريب شهير للغنوشي في اجتماع سري بمقر الحركة طلب من "السلفيين" حينها أن يكوّنوا جمعيات، وأن يكثفوا من أنشطتهم، وأن يحتلوا الفضاء العام كمرحلة أولى، لأنّ الجيش والشرطة "غير مضمونين" على حدّ تعبيره، وأيّ محاولة لتغيير نظام البلاد أو قوانينها نحو المخطط الإخواني الإسلامي سيجابه بالرفض، كما يوحي كلامه. وقد تكونت بعد تلك الفترة آلاف الجمعيات والهيئات، ومنها ما لا يعترف بالدولة أصلاً ويرفض التقدم بطلب رسمي، لأنّها دولة "كافرة" في معتقدهم، نقصد تنظيم "أنصار الشريعة" الإرهابي الذي تمكن في عهد النهضة من تنظيم مؤتمراته دون ترخيص من الدولة لأنّه لا يعترف بها، وأخذت أنشطته تتوسع في القرى والمدن، وتورط في أعمال إرهابية متعددة منها اغتيال الشهيد الراحل شكري بلعيد.

وبالتالي، تدرك حركة النهضة الإخوانية أهمية العمل الجمعياتي، وقد استغلته في المنفى استغلالاً كبيراً في تمويلاتها، وفي بعث شبكات إعلامية مناهضة للنظام، وحال عودتها إلى تونس بعد سقوط زين العبدين بن علي استغلت خبرتها في ذلك، وبعثت آلاف الجمعيات مستغلة حاجة قطاع واسع من التونسيين إلى المساعدات البسيطة، بل إنّها استولت على وظائف الدولة التقليدية لتنفيذ برامجها، مستفيدة من تسهيلات حكوماتها المتعاقبة والتغطية على خروقاتها القانونية زمن سيطرتها على مفاصل الدولة، خصوصاً وزارة العدل والبنك المركزي، إذ ضمنت عدم الملاحقة لعناصرها، وتمكنت من تهريب الأموال بشتى الطرق. وأثبتت تقارير عديدة أنّ أموالاً طائلة كانت تمرّ عبر مطار تونس قرطاج الدولي تحت غطاء من حركة النهضة وقياداتها التي تتحرك في كل مكان بحرية مطلقة لتجلب التمويلات الهائلة لأنشطتها وحملاتها الدعائية.

نخلص ممّا سبق إلى أنّ حركة النهضة متورطة في الإرهاب العالمي وشبكاته المتعددة العابرة للقارات، من خلال علاقاتها بالجمعيات الأجنبية المنخرطة بدورها في نسيج جمعياتي إخواني عابر للقارات والدول، يسعى إلى تمكين الإخوان في كل بقاع العالم وتقوية نفوذهم، غير أنّ تونس تبذل جهوداً مضنية في التصدي لهذا الأخطبوط، رغم بطء القضاء وقدرة الإخوان والإرهاب على التهرّب من القانون.

مواضيع ذات صلة:

بعد استقالة محمد القوماني.. هل حركة النهضة الإخوانية في الطريق إلى تفكك محتوم؟

منشق عن حركة النهضة الإخوانية يورط زعيمها ونجله في قضايا "تبييض الأموال"

هل هناك مباحثات سرية لتمرير خروج آمن لحركة النهضة الإخوانية من تونس؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية