الحشاشون الجدد: آخر ما تبقى من تركة حسن الصباح

الحشاشون الجدد: آخر ما تبقى من تركة حسن الصباح

الحشاشون الجدد: آخر ما تبقى من تركة حسن الصباح


25/03/2024

اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلاً لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية في إيران والشام، وبتخطيط محكم حاربت الدولة السلجوقية والأيوبية والخوارزمية والزنكية، وبعد موت مؤسسهم حسن الصباح بأعوام طوال، تم اقتحام قلعتهم الرئيسية (ألموت)، لينتهي تمردهم ويتبقى نهجهم.

ماذا تبقى؟

تبقى من الحشاشين أشياء كثيرة؛ أهمّها أنّهم أول جماعة سنّت اغتيال المخالفين مهما كانت درجة أفكارهم أو بعدها عنهم، لترفع الجماعات الإرهابية الشعار "الإرهاب فرض والاغتيال سنّة"، ويصعد بعضهم على المنابر ليعلنوا "إنّ إسلامنا يحض على الإرهاب"، وفي أعوام التاريخ المعاصر نرى كيف تخلصوا من أعدائهم، وشرعنوا إرهاب الخصوم، ودعوا للتكفير وقتل المخالفين، ففي كتاب (النقاط فوق الحروف)، و(وقفات مع الدعاة فقط)، ورسالة (نحن والإخوان)، التي أطلقتها الجماعة الإسلامية المصرية، الكثير من الأدلة المأخوذة نصاً من مذكرات قيادات الجماعة على أنّه يجوز قتل المخالفين ما دام ذلك في "مصلحة الدعوة"، ومن هنا توسع الجميع في هذا المفهوم، ولم يختلفوا قيد أنملة عن الحشاشين، الذين وصل شرهم إلى أنفسهم، فكانوا يتخلصون من بعضهم بعضاً، وهذا ما جرى حين قتل عبد الرحمن السندي، رئيس النظام الخاص للإخوان، زميله السيد فايز عن طريق علبة حلوى مفخخة.

وفي كتابه (حصاد العمر) يروي صلاح أبو شادي أحد أعضاء الجماعة أهم الجرائم التي ارتكبها التنظيم المسلح، فيقول: ما بين عامي 1946 و1948 زادت العمليات عن (50) عملية في كل مصر، ونالت من رجال شرطة وخصوم فكريين وسياسيين، ومواطنين عاديين.

حسن الصباح

تبقى من جماعة حسن الصباح (حش الرؤوس) أي قطعها، وهو اللفظ الذي كان أحد الأسباب في إطلاق (الحشاشين) عليهم، وكان قطع الرؤوس في دولة (داعش) عملية شبه يومية، بل يقومون بعمليات الحرق والقتل وهم يتفاخرون، فهم تلامذة سيد قطب، الذي وضع جميع الخصوم السياسيين في سلة واحدة، وهي "الجاهلية"، وهذا ما جعله يضع خطة سمّاها "إزالة الرؤوس" في تنظيمه عام 1965، مبرراً ذلك بقوله: برز سيد قطب، فوضع تصوراً جديداً في (6) نقاط، أمّا النقطة السادسة فقد كانت الأخطر، لأنّها تنص على: أنّه "تجب حماية هذه الحركة وهي سائرة في خطواتها، بحيث إذا اعتدي عليها وعلى أصحابها يردّ الاعتداء، ويجب أن تؤدي واجبها، وألّا يُعتدى عليها وعلى أهلها، فإذا وقع الاعتداء، كان الردّ عليه من جانبها".

لقد كان حسن الصباح يتلقى البيعات على أنّه (صاحب مفتاح الجنة)، وهو الوليّ النائب عن الإمام، وبالطريقة نفسها كان عناصر الإخوان يعاهدون مرشدهم في غرفة مظلمة، ويقسمون على المسدّس والمصحف: "أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها، وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه"، ثم يقول: "فإن خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منّي، ويكون مأواي جهنم، وبئس المصير!".

 

كان حسن الصباح يتلقى البيعات على أنّه (صاحب مفتاح الجنة)، وهو الوليّ النائب عن الإمام، وبالطريقة نفسها كان عناصر الإخوان يعاهدون مرشدهم في غرفة مظلمة

 

حسن الصباح جعل العمل السرّي هو المنطلق الرئيسي، وهو ما يطلق عليه إخوان البنا "العمل المرحلي"، ومرحلة الاستضعاف، التي تفرض عليهم التلون وارتداء الأقنعة المختلفة حتى يحين الوصول إلى الهدف، وهكذا كان البنا يقول: "نحن دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية"، كي يكونوا جماعة قادرة على التعامل على أيّ وجه وفي أيّ محيط.

لقد ساهم الحشاشون في إضعاف الدولة العباسية والدول التابعة لها مثل السلجوقية والأيوبية، وكمنوا وعملوا بسرّية وخلايا نائمة، وهو ما فعله الحشاشون المعاصرون من الكمون وهدم المجتمعات من داخلها، وتكشف كتابات منظّري الجماعة عن المساحة الهائلة التي تحتلها فكرة العزلة والكمون في مخيالهم، فمصطلحات "العزلة" أو "الهجرة والابتعاد عن المجتمع"، و"تكوين العصبة المؤمنة"، شرط أوّلي للانتماء التنظيمي، بحسب تعبير سيد قطب: "لا بدّ إذن في منهج الحركة أن نتجرد -في فترة الحصانة والتكوين- من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها... لا بدّ أن نرجع إلى النبع الخالص، لا بدّ إذن من القطيعة مع الجاهلية والاستعلاء عليها ثم تغييرها".

الحشاشون الجدد والنبوءات

عبّرت طائفة الحشاشين بكل وضوح عن الباطنية، وإظهار غير ما يبطنون، والإيمان ببواطن النصوص دون ظاهرها، وفسّروا القرآن بأهوائهم، وانخرطوا في الابتعاد عن النقاشات السياسية ومشكلات المجتمع، وبالضبط فعل الحشاشون الآن من إرسال إشارات إلى السلطة الحاكمة بالولاء التام، وإظهار غير ما يدينون، وإطلاق الأسماء الحركية، والصفحات غير الرسمية على نشاطاتهم، وفق ما ورد في حوار سابق لنائب مرشد الإخوان السابق محمد حبيب: إنّ الجماعة تصل في بعض الأحيان إلى درجة التطرف في الدفاع عن رموز الدولة، في محاولة منها لكسب رضا السلطة السياسية للسماح لها بهامش أكبر من المناورة والتحرك.

غلاف كتاب "حصاد العمر" للإخواني صلاح أبو شادي

ورفع حسن الصباح الراية السوداء معتبراً أنّه نائب عن الإمام، ولوّن الراية والمكتوب عليها ورد في النبوءة التي تشير إلى شكل راية الطائفة المنصورة التي تنتصر في آخر الزمان، واعتبر أتباعه الآن أنّهم غرباء، وأنّ الإسلام غريب، وسيعود غريباً، وأنّ لهم الطوبى لأنّهم سيعيدون حكم الإسلام، ودائماً ما يرددون "إنّها ستكون نبوة ما شاء الله أن تكون، ثم خلافة على منهاج النبوة، ثم ملكاً عضوضاً، ثم ملكاً جبرياً، ثم تعود خلافة كما كانت"، لذا كان البنا يصرّ على أنّه يريد (12) ألفاً، ولن يُهزموا من قلّة.

ويعلن الصباح أنّه يملك علم الأرقام ودلالات السور الباطنية والحروف، ويأتي رقم (12) ورقم (62) ليشعر الحشاشون الجدد أنّ النصر قد اقترب، بسبب التحالف الذي ضم (62) دولة، مستدلين بحديث "تغدر الروم وتجمع للملحمة فيأتونكم تحت (80) غاية "راية" تحت كل غاية (12) ألفاً"، ممّا يجعل تقدير العدد الإجمالي للجيش الذي سيخوض المواجهة مع المسلمين (960) ألف رجل من (80) دولة، ولمّا أعلن جون آلن، منسق التحالف، نيته التوجه إلى دول شرق آسيا لتوسيع التحالف الدولي، الذي يضم (62) دولة، اعتبر أنصار (داعش) أنّ ذلك علامة تؤكد أنّ "النبوءة" ستتحقق، ويبلغ العدد (80)، ليكون موعدهم باعتبارهم الطائفة المؤمنة المنصورة مع الروم، أي أوروبا.

 

حسن الصباح جعل العمل السرّي هو المنطلق الرئيسي، وهو ما يطلق عليه إخوان البنا "العمل المرحلي"

 

ورفع أنصارهم على مواقع التواصل الاجتماعي "دابق موعدنا"، استناداً إلى رواية وردت في صحيح مسلم، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق (منطقة تتبع أنطاكيا جنوب تركيا) أو بدابق (تتبع حلب شمال سوريا)، فيخرج إليهم جيش من المدينة (يرجّح أن تكون دمشق بحسب تفسير ابن كثير)، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافّوا، قالت الروم: خلّوا بيننا وبين الذين سُبُوا منّا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلّي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فيُهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً "الذين يرتّدون عن الإسلام بسبب الفتن، بحسب ابن كثير"، أي لا يلهمهم الله التوبة، ويُقتلُ ثُلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية".

الخلاصة؛ مرّت القرون تباعاً بعد موت حسن الصباح وانتهاء أسطورته في قلعة (ألموت)، وبقيت أفكاره وتفسيراته ونبوءاته وخططه في مواجهة خصومه، تتناقلها جماعة بعد أخرى، وتنظيم من تنظيم آخر، ليسقط حشاشون، ويحيا حشاشون آخرون.

مواضيع ذات صلة:

سيف "الحشاشين" يدمي الإخوان.. وثيقة الغمري توثق "الأسلحة الفاسدة"

"الحشاشين" يرعبون الإخوان.. سر الهجوم

هكذا ردّ فتحي عبدالوهاب على منتقدي مسلسل الحشاشين



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية