الجماعات الإسلامية السياسية بما هي متوالية للهزائم والفشل

الجماعات الإسلامية السياسية بما هي متوالية للهزائم والفشل

الجماعات الإسلامية السياسية بما هي متوالية للهزائم والفشل


03/07/2023

يبدو صعود الجماعات الإسلامية السياسية كأنّه استجابة للهزائم والفشل والأحداث والتحولات المعقدة التي عصفت بعالم العرب والمسلمين، لكنّ تجربتهم في هذا الصعود تؤكد أنّهم يعكسون الفشل والهزائم وليس محاولة الخروج منها.

ثمّة ظاهرتان تبدوان محيرتين في علاقة الإسلام السياسي بـ"الربيع العربي"؛ إذ من المؤكد أنّ "الربيع العربي" حراك مجتمعي غير منظم، ويقوم على أسباب اجتماعية اقتصادية، ولا علاقة له بالإسلام السياسي من قريب أو بعيد، لكن من الواضح أيضاً أنّ جماعات الإسلام السياسي صعدت بعد "الربيع العربي" صعوداً غير مسبوق. كيف تؤدي حركة اجتماعية لا علاقة لها بخطاب الإسلام السياسي، ولم يكن للجماعات الإسلامية دور فيها إلى صعود هذه الجماعات، وأن تقطف ثمار "الربيع العربي"، وتستولي على نتائجه كلها وكأنّها هي التي صنعته؟ كيف اكتسحت جماعات الإخوان المسلمين والإسلام السياسي الانتخابات التي جرت في دول عربية عدة؟ لقد شغلت هذه الأسئلة العالم ووسائل الإعلام ومراكز الدراسات والتفكير، لكنّ الإجابة الكافية لم تتبلور بعد.

شكل الإسلام السياسي جزءاً رئيساً من المشهد السياسي العام، سواء في الحكم، أو المشاركة السياسية في البرلمان، أو في الصراع السياسي والأمني، أو في التأثير العام

 

ربما تكون الإجابة في طبيعة الديمقراطية نفسها، وفي الحراكات الاجتماعية والسياسية، فمن المعروف تقليدياً أنّ الديمقراطية أو الانتخابات في جميع أنحاء العالم تعمل غالباً، إن لم يكن دائماً، لصالح الأكثر تنظيماً والأكثر مالاً والأقدر على التأثير، وقد جاءت الانتخابات العربية في حالة فراغ سياسي وتنظيمي، وكانت جماعات الإسلام السياسي، وخاصة الإخوان المسلمين، هي القوى السياسية الوحيدة القادرة على تنظيم نفسها وحشد المؤيدين والأنصار، ولم يكن ينقصها المال والقدرة على الوصول إلى وسائل الإعلام والمنبر والمساجد أو امتلاكها.

لكن يجب التذكير بأنّ الصعود السياسي للحركات الإسلامية لم يكن مفاجأة، فقد بدأت هذه الحركات منذ أوائل الثمانينيات تشكّل حالة سياسية جديدة تعبّر عن نفسها في تحديات للأنظمة السياسية، أو في مشاركة سياسية واسعة، هناك الثورة الإسلامية في إيران (1979)، والمشاركة الإسلامية المؤثرة في تركيا منذ أوائل السبعينيات، والتي توجت بحصولهم على الأغلبية البرلمانية عام 2002، والثورة الإسلامية في أفغانستان (1979)، وفي مصر اكتسحت الجماعات الإسلامية الجامعات في السبعينيات، وقُتل السادات على يد الجماعات الإسلامية (1981)، وبدأ الإخوان المسلمون مشاركة فاعلة في مجلس النواب في الثمانينيات، ووافق نواب الإخوان على التجديد للرئيس مبارك عام 1987، والثورة الإسلامية في سوريا (1979)، والمشاركة الإسلامية السياسية الواسعة في السودان منذ منتصف السبعينيات، ثم توجت باستيلاء الإسلاميين على السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، وكذلك الحال في المغرب والجزائر والأردن والعراق واليمن ودول الخليج.  

شكل الإسلام السياسي جزءاً رئيساً من المشهد السياسي العام، سواء في الحكم، كما في تركيا وإيران والسودان والعراق، أو المشاركة السياسية في الحكم والبرلمان، كما في الأردن ومصر وباكستان وماليزيا والكويت واليمن والمغرب والجزائر، أو في الصراع السياسي والأمني، كما في الجزائر ومصر في عقد التسعينيات، وأفغانستان وسوريا، أو في التأثير العام كما في معظم، إن لم يكن، في جميع الدول العربية والإسلامية، ثم هيمنت جماعات الإسلام السياسي على المشهد العام في الأعوام الأولى من "الربيع العربي" وخاصة في مصر وتونس.

ويمكن المعاينة بوضوح أنّ التجربة الإسلامية في الحكم والعمل السياسي راوحت بين الفشل والصراع والانقسام الاجتماعي والسياسي، أو المشاركة العادية والباهتة التي لم تضف شيئاً إلى الحياة السياسية والاقتصادية، ففي مصر والجزائر والسودان وأفغانستان دفعت بالبلاد والمجتمعات إلى التقسيم والصراع والهدر، وفي سوريا وليبيا واليمن والصومال كانت جزءاً من حالة التقسيم والصراع والتفتت التي سادت، وفي تونس والمغرب تقدّم جزءاً مستقراً من الحالة السياسية، لكنّه أداء باهت.

غلب على جماعات الإسلام السياسي في الشرق الفشل والصراع وضعف الخبرة والأداء، لكنّها في تونس والمغرب، وجزئيّاً في الجزائر، كانت جزءاً غير مميز من الحالة السياسية العامة.

إنّ الموافقة على فشل تجربة الجماعات الإسلامية السياسية لا يعني الموافقة على أنّها انحسرت أو انقرضت. التعبير الأصح هو الفشل وليس الأفول، ولذلك أسباب كثيرة؛ منها إضافة إلى ضعف الخبرة والتجربة السياسية، إقحام الثابت المقدّس في المتغير الإنساني، وتحميل الدين ما لا يحتمله، والدفع به إلى غير ما أمر الله، ممّا يذكر بقوله تعالى: "ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله"، وإضفاء القداسة على التجارب التاريخية الإنسانية.

غلب على جماعات الإسلام السياسي في الشرق الفشل والصراع وضعف الخبرة والأداء، لكنّها في تونس والمغرب، وجزئيّاً في الجزائر، كانت جزءاً غير مميز من الحالة السياسية العامة

 

لكن يرجح أنّ الحركات الإسلامية السياسية متجهة إلى الانحسار والاختفاء لأسباب وتقديرات كثيرة؛ منها التناقض بين السلوك الواقعي والخطاب النظري المعزول عن تطورات وتعقيدات الحياة المعاصرة والعلاقات الخارجية والداخلية للدول، والتناقض والصدام مع الاتجاه العالمي المعاصر القائم على الحريات الدينية والشخصية والاجتماعية، وما يؤدي إليه من تهميش وضعف استقلال المجتمعات ودورها، سواء في تدينها أو في تحررها أو عدم تدينها، والصدام الشديد مع كثير من القوى والاتجاهات الاجتماعية والسياسية، وغياب رؤية دينية أو فلسفية أو سياسية محددة، فما يمكن اعتباره أداءً سياسياً إسلامياً هو أقرب إلى الواقعية والتوفيق بين الأفكار والنظريات والتطبيقات السائدة، وضعف الاجتهادات الفكرية والتنظيرية.

يمكن، على سبيل المثال، تذكر مجموعة واسعة من التحديات التي أظهرت عزلة وعجز الإسلام السياسي عن المشاركة الإيجابية في القضايا المتعلقة بالحريات، مثل التبنّي، وتعدد الزوجات، وضرب الزوجات، ومنح الجنسية لأبناء المرأة المتزوجة من زوج يحمل جنسية أخرى، وحق المرأة بالطلاق (الخلع)، وحق المرأة بالسفر والإقامة وحدها دون إذن من أحد، وحرية العلاقة بين الرجل والمرأة، (الحديث عن حرية العلاقة المثلية غير وارد ابتداء) وحق غير المسلمين في التعليم الديني في مؤسسات الدولة التعليمية، وحق الممارسة الدينية لجميع الأديان والمذاهب، ولأنّ المجتمع يغلب عليه الموقف المحافظ والمتشدد من هذه القضايا، ولأنّ الحكومات والأنظمة السياسية تتخذ موقفاً ليس مختلفاً عمّا يقدّمه الإسلام السياسي؛ فلا يمكن بالتالي الانتظار من الحركة الإسلامية أن تأخذ موقفاً متقدماً على العلمانيين والنخب الحاكمة والسياسية من غير الإسلاميين، فهي في أحسن الأحوال ستكون حالة عادية غير مختلفة، كما يحدث اليوم في تونس والمغرب.

مواضيع ذات صلة:

الإسلام السياسي بين إرث الماضي وإشكالية الحاضر

الإسلام السياسي: خطر الاستبداد الديني كنظرية في الحكم

هل يصبّ لاهوت التحرير الإسلامي في صالح الإسلام السياسي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية