اعترافات (سناء حَمَد) تثير جدلاً حول مدى سيطرة جماعة الإخوان على قيادة الجيش السوداني

اعترافات (سناء حَمَد) تثير جدلاً حول مدى سيطرة جماعة الإخوان على قيادة الجيش السوداني

اعترافات (سناء حَمَد) تثير جدلاً حول مدى سيطرة جماعة الإخوان على قيادة الجيش السوداني


21/03/2024

أثارت حلقات (بوكاست بالسوداني)، الذي تنتجه قناة (طيبة) الفضائية، التابعة لرجل الدين المتطرف الإخواني عبد الحي يوسف؛ الهارب من السودان بسبب تهم تتعلق بالفساد وتلقي أموال بطريقة غير مشروعة من الرئيس المخلوع عمر البشير، التي استضاف خلالها الإعلامي الإخواني السابق الهارب إلى تركيا الطاهر حسن التوم القيادية بالجماعة والحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني ووزيرة الدولة السابقة بوزارة الخارجية والسفيرة السابقة (سناء حَمَد)، أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السودانية والإقليمية حول مدى ارتباط الجيش السوداني، ممثلاً في قيادته بجماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً في ظل ما يتردد بأنّ الحرب الراهنة أشعلها الضباط المنتسبون إلى الجماعة داخل قيادة الجيش، وأنّ زعيمها الحالي (علي أحمد كرتي) هو من يديرها ويوجهها كيفما شاء. 

حيثيات التحقيق 

قالت (سناء حَمَد): إنّ رئيس الحركة الإسلامية وقتها ـ الزبير محمد الحسن (توفي لاحقاً) ـ أوكل إليها مهمة إجراء تحقيق مع عدد كبير من الضباط من ضمنهم أعضاء اللجنة الأمنية، أي كبار قادة الجيش وجهاز الأمن والمخابرات، حول ما سمّته بقرار عزل البشير في 11 نيسان (أبريل) 2019، ومن بينهم وزير الدفاع السابق رئيس اللجنة الأمنية السابق الفريق أول عوض بن عوف، وهو من تولى السلطة ليوم واحد فقط بعد الإطاحة بالبشير، والفريق أول صلاح عبد الله الشهير بـ (قوش)، آخر رئيس لجهاز الأمن والمخابرات قبل سقوط نظام الإخوان، وعضو اللجنة الأمنية المقربة من الرئيس السوداني المخلوع، وأضافت (حمد) أنّها جمعت أقوال وإفادات جميع الذين حققت معهم تحت توقيعاتهم، ونقلتها إلى رئيس الحركة الإسلامية (إخوان). 

وفي السياق، يتساءل مراقبون، كيف يتسنى لشخص مدني مثل (سناء حمد) إجراء تحقيق موسع وشامل وتحت التوقيع مع ضباط كبار في الجيش عن وقائع محددة، وبتكليف من رئيس الحركة الإسلامية، ما لم يكن لهؤلاء الضباط علاقة تنظيمية بها؟   

أسئلة مشروعة 

كيف يحقق شخص مدني ينتمي لحزب سياسي محدّد (الإخوان) مع عسكريين؟ هذا السؤال لا ينفتح على إجابات  مفتاحية لما يحدث الآن في السودان، بل يؤكد ما ظلّ يردده كثيرون وتؤكده الوقائع على الأرض، وهو أنّ قيادة الجيش السوداني، والآلاف من ضباطه الكبار، هم أعضاء فاعلون في جماعة الإخوان المسلمين، يدينون لقيادتهم التنظيمية بالولاء أكثر من قيادة الجيش، فقد تمكنت الجماعة وفقاً لمصادر متطابقة خلال (30) عاماً حكمت خلالها السودان، من "دَسّ" نحو (5) آلاف ضابط من منسوبيها داخل الجيش السوداني، ممّا مكّنها من السيطرة على قيادته والإمساك بمفاتيحه، وتحويل عقيدته من وطنية قومية إلى حزبية إخوانية. 

قالت (سناء حَمَد): إنّ رئيس الحركة الإسلامية وقتها ـ الزبير محمد الحسن (توفي لاحقاً) ـ أوكل إليها مهمة إجراء تحقيق مع عدد كبير من الضباط من ضمنهم أعضاء اللجنة الأمنية

وبناء على ذلك، يذهب كثير من المحللين السياسيين، والمراقبين لأوضاع الحرب الراهنة في السودان، إلى أنّه ربما يصح وصف الجيش السوداني بصيغته الحالية بأنّه أقرب إلى ميليشيا حزبية مسلحة، إذ يسيطر الإخوان سيطرة تامة على قيادته وعلى جميع مفاصله من الاستخبارات العسكرية والتصنيع الحربي، وعلى اقتصاد المؤسسة العسكرية الذي يستحوذ على موارد البلاد ومداخيلها ويحتكرها. 

جُهيزة الإخوانية 

صحيح أنّ السؤال حول مدى تورط الحركة الإسلامية وحزبها السياسي (المؤتمر الوطني) ظلّ مطروحاً للجدل والتحليل والأخذ والردّ، إلا أنّه باعتراف (سناء حمد) بأنّها أجرت تحقيقات موسعة تحت التوقيع، حول عملية عزل اللجنة الأمنية السابقة المقربة من الرئيس المعزول والمكونة من قادة الجيش وجهاز الأمن والمخابرات، انقطع قول كل خطيب، خصوصاً فيما يتعلق بسؤال الحرب الراهنة؛ من أشعلها؟ ولماذا انخرطت ميليشيات الإخوان فيها إلى هذا الحد؟ ولماذا سُمح لها بذلك؟ وما مصلحتها في الوقوف بجانب قيادة الجيش، إذا كانت هي التي نزعت عنها السلطة وأزاحتها عن الحكم؟ 

ثمة أدلة وقرائن كثيرة، بحسب مراقبين، تشير بوضوح إلى أنّ الحرب الدائرة الآن صنيعة الجماعة لإجهاض التحول المدني الديمقراطي والعودة إلى السلطة مجدداً على ظهر الجيش، الذي اعترف أحد قادته الكبار ومساعد قائده العام الفريق ياسر العطا، بأنّ ميليشيات وكتائب الإخوان تقاتل جنباً  إلى جنب وفي خندق واحد مع جنوده، ولربما هذا ما يفسّر تحفظ الكثير من المواطنين والسياسيين والمثقفين السودانيين عن مساندة ودعم قيادة الجيش الحالية في هذه الحرب، خصوصاً عقب تصدر ميليشيات الإخوان العمليات الميدانية، وظهورها كأنّها القيادة الحقيقية للجيش في الميدان. 

انتهاء الحرب... نهاية الجماعة 

ويبدو أنّ إفادات (سناء حمد) وزيرة الدولة السابقة بالخارجية السودانية، والقيادية بالحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، لـ (بودكاست بالسوداني)، رمت حجراً في البركة الراكدة، وأعادت الجدل حول أهمية هيكلة الجيش وتصحيح عقيدته، وأنّ ما كانت تنادي به أحزاب إعلان قوى الحرية والتغيير (قحت) ولجان المقاومة الثورية، وحالياً القوى الديمقراطية المدنية "تقدم"، من إصلاح جذري للمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية في البلاد وإعادتها إلى أدوارها ووظائفها الدستورية والطبيعية، لم يكن محض استهداف للأمن القومي للبلاد، بل على العكس كان ضرورة مُلِحّة للحيلولة دون الانزلاق الوشيك لهذه المؤسسات في أتون حرب لا تبقي ولا تذر، وهذا ما يحدث الآن فعلياً على الأرض، حيث تفرض قيادة الحركة الإسلامية برئاسة (علي كرتي) وذراعها السياسية حزب المؤتمر الوطني برئاسة (إبراهيم محمود)، إرادتها على قيادة الجيش التي تأتمر بأمرها وتستجيب لرغباتها؛ لذلك تبدو عاجزة عن إبرام أيّ اتفاق سلام مع قوات الدعم السريع وإنهاء الحرب دون الحديث عن دور سياسي للجماعة في مرحلة ما بعد الحرب، وهذا ما يعتقد محللون أنّه العقبة الكؤود التي تحول دون الجلوس إلى طاولة حوار بين طرفي النزاع، وأنّ البحث عن هذا الدور هو ما يجعل الجماعة تصرّ على استمرار الحرب، ولا ترغب بوقفها، خشية أن تكون نهاية الحرب نهايتها الحتمية هي أيضاً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية