استدارة تركيا لفلسطين... هل ينهي أردوغان معاناة الفلسطينيين باستقبال لاجئين جدد؟

استدارة تركيا لفلسطين... هل ينهي أردوغان معاناة الفلسطينيين باستقبال لاجئين جدد؟

استدارة تركيا لفلسطين... هل ينهي أردوغان معاناة الفلسطينيين باستقبال لاجئين جدد؟


21/10/2023

في ظل تفاقم الوضع بغزة، إثر احتدام الصراع بين حماس وإسرائيل منذ شن الطرف الأول هجماته المباغتة على إسرائيل، فإنّ تقديرات عديدة تتباين حول المقاربات الإقليمية الساعية للحل والتهدئة. وفي ما يبدو أنّ الموقف التركي، وعلى رأسه رجب طيب أردوغان، يسعى لتصدر المشهد، باعتباره مفاوضاً يمكن الوثوق به، ويتجه نحو تحرير الرهائن مقابل الأسرى الفلسطينيين. لكنّ المباغت هو رغبة مكبوتة لدى الرئيس التركي للتعاطي مع الموقف في غزة بمقاربة مماثلة لما جرى في سوريا، والاستدارة لجذب لاجئين فلسطينيين إليه.

 صحيح أنّ تعقيدات عديدة ترافق هذا الوضع من الناحية الجغرافية، فضلاً عن حسابات المكسب والخسارة. لكنّ خطاب التهدئة الذي يتبناه أردوغان راهناً، على خلاف العادة، تجاه القضية الفلسطينية التي طالما حملها معه على المنصات الدولية وبيده خارطة فلسطين من النهر إلى البحر، أو بين كفيه صورة عن جرائم آلة القتل والتوحش الإسرائيلية، يتناقض مع شعبويته التقليدية. واللافت أنّ هذا الخطاب يتماس وترتيبات قصوى مع الجانب الإسرائيلي الذي تربطه وأنقرة علاقات وثيقة. فأنقرة هي الدولة التي تأتي في المرتبة الثانية بعد الهند كسوق للصناعات العسكرية الإسرائيلية. ويتنامى التعاون العسكري بينها وبين تل أبيب منذ النصف الثاني لسبعينات القرن الماضي بعد احتلال تركيا لشمال جزيرة قبرص، وقد اعتمدت أنقرة في تحديث الجيش التركي على إسرائيل، خاصة بعد العقوبات الأوروبية والأمريكية التي طاولت القطاع العسكري. وقد بدأ أول تعاون عسكري في الخمسينات، ومرّ بعدة محطات أهمها عام 1958 إثر الوحدة بين مصر وسوريا.

لن يحظى اللاجئ الفلسطيني بتركيا في حال حدوث ذلك بأيّ مستحقات، رغم كل العبارات المفخخة والمقولات الكبرى التي يرددها أردوغان دفاعاً عن فلسطين

 

 الحديث عن تدفق لاجئين ومدنيين فلسطينيين يبعث مشاكل جمّة، بل إنّه يفاقم الأزمات الداخلية ويفجر حالة الاستقطاب السياسي داخل تركيا. فالورقة التي يستدعيها أردوغان لملء توازنات سياسية وعلاقات إقليمية تجعل نفوذه قائماً وممتداً لا تجد هذه المرة ربما الخطاب والسردية مع تآكل الحواضن التي تنجذب إلى فكرة الحقوق التاريخية لشعب فلسطين كما مظلومية السوريين، فالأعباء الاقتصادية التركية من تضخم وتدني العملة المحلية مقابل الدولار وتراجع الحالة الاجتماعية تجعل حركة أردوغان نحو القضية الفلسطينية ملغمة، ولا يملك الوفاء بمتطلباتها، حتى أمام إلحاح الوضع الإقليمي الذي يبحث في انفجاراته المتتالية عن فرصة للصعود والتموضع السياسي. ووجود لاجئين جدد في تركيا ربما يواجهه نفور مجتمعي ومعارضة سياسية وصدام في السياسة وفقدان للشرعية ورغبة طارئة لأردوغان للتفتيش عن مبدأ جديد للعمل في ظل شروط جديدة تتشكل على تخوم الخارطة الفلسطينية سياسياً.

 الصحفي التركي نديم تركمان تحدث علانية عن وجود مخطط لتهجير نصف مليون فلسطيني إلى تركيا، وقال تركمان: "بحسب ما سمعته، فإنّ (500) ألف فلسطيني على وشك أن يتم نقلهم إلى تركيا، وفي هذا الصدد سمعت أنّ الاستعدادات تجري في أنقرة وجنوب البلاد".

 العقلية البراغماتية والذرائعية لأردوغان المناسبة لطبيعة الدولة التركية، من حيث كونها دولة وظيفية في المنطقة، ربما تجعله يغامر أو يقامر ويواصل التعبئة والتجييش وتصوير استقبال الفلسطينيين باعتباره وسيلة لكسب حالة معنوية واستكمال المشهدية الاستعراضية التي تبطن مصالح عميقة مع الطرف الإسرائيلي. لكن هل يصبح الفلسطينيون كالسوريين ورقة للضغط والابتزاز على أوروبا؟

 ومنذ انحسار نفوذ الإسلام السياسي يبدو الوضع الراهن مناسباً لإنعاش بيئة سياسية تتجدد فيها الأجسام الإسلاموية بطاقة "المقاومة"، إذ تبدو القضية الفلسطينية وسيلة مناسبة كمنصة يتبدى عليها أردوغان للحصول على جملة استحقاقات إقليمية والشروع في رتق تحالفاته القائمة على انبعاث "العثمانية الجديدة".

 يحتاج أردوغان في كل الأحوال إلى خطوة غير متوقعة لاحتلال موقع متقدم في القضية الفلسطينية تنافس به الأطراف الأخرى، خاصة في ظل ضعف دورها لحساب إيران. وبالتبعية فإنّ "الشعبوي يبدأ بتضليل نفسه قبل الآخرين"، هذا التعبير المنسوب إلى الفيلسوف الفرنسي بيير تاغييف هو ما قد ينطبق على أردوغان ويبرر له خطواته وإجراءاته السياسية في انعطافته تجاه اللاجئين وتوظفيهم في بناء مواقف لإدارة الأزمة لاحقاً. كما يناسب الأدوار المراوغة للرئيس التركي الذي يلعب على أعناق الخطاب القومي والإسلامي لتأسيس صيغة دعائية مغلقة وتحريضية.

إسرائيل تُعدّ ضمن أهم (5) أسواق تستثمر فيها تركيا بضائعها، وفق الأرقام الرسمية في تركيا

 

 لن يحظى اللاجئ الفلسطيني بتركيا في حال حدوث ذلك بأيّ مستحقات، رغم كل العبارات المفخخة والمقولات الكبرى التي يرددها أردوغان دفاعاً عن فلسطين. فوفق أحد تقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، هناك (20) دولة تقدم الدعم والتبرعات لدولة فلسطين، لا يتواجد بينها اسم تركيا أو قطر أو إيران، وهي للمصادفة الدول الساعية لتصدر المشهد السياسي في فلسطين حالياً.

مع الأخذ في الاعتبار أنّ إسرائيل تُعدّ ضمن أهم (5) أسواق تستثمر فيها تركيا بضائعها، وفق الأرقام الرسمية في تركيا، بينما وصلت المبادلات التجارية بين البلدين عام 2016 إلى أكثر من (4.2) مليارات دولار، وقد تضاعفت بنسبة 14% في العام 2017.

مواضيع ذات صلة:

أردوغان.. السياسي المتلبس بالمهدوية

العثمانية الجديدة وأحلام التوسع المستحيلة.. أيّ وهم يعيشه أردوغان؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية