إسرائيل لم تعد تقنع الغرب.. حرب الجنون الجماعي في غزة

إسرائيل لم تعد تقنع الغرب.. حرب الجنون الجماعي في غزة

إسرائيل لم تعد تقنع الغرب.. حرب الجنون الجماعي في غزة


22/11/2023

جورج عيسى

كتب شون رايمَنت، المراسل العسكري الذي غطى عدداً من النزاعات والقائد الأسبق في فوج المظليين البريطانيين في أواخر الثمانينات، أن جميع الجنرالات يخططون للعمليات العسكرية على أساس المبادئ العشرة للحرب، أي القواعد التي ستوفر أفضل فرصة للنجاح عند الالتزام بها، وأهمها حسب رايمنت في مجلة "سبكتيتور" هو اختيار الهدف والحفاظ عليه.

يبدو أن المرحلة التالية من العملية العسكرية الإسرائيلية ستكون استهداف مدينة خان يونس في الجزء الجنوبي من قطاع غزة

يجب أن يكون الهدف دائماً واحداً لا لبس فيه، وسهل الفهم، مثل تدمير العدو على تلة معينة. يعقب ذلك أن يعرف جميع العسكريين، من أكبر ضابط إلى أدنى جندي رتبة، ما يجب فعله وبناء خططهم التكتيكية حول هذا الهدف الوحيد القابل للتحقيق.

صبر الغرب ينفد

أما القضية عند الإسرائيليين فهي أن هدفهم في غزة، أي القضاء الكامل على حماس، غامض في أفضل تقدير، وهو يعرض الآن كامل الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لخطر التقويض. بدل تدمير حماس، تسببت تصرفات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في كارثة إنسانية، وتشير كل المؤشرات إلى أن صبر الغرب بدأ ينفد الآن.
كانت رسالة إدارة بايدن واضحة عندما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أخيراً: "قُتل عدد كبير جداً من الفلسطينيين" في غزة. وذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبعد من ذلك حين قال في مقابلة  معه أخيراً إن  على إسرائيل أن تتوقف عن قتل النساء والأطفال.

والخلل الرئيسي في هدف نتانياهو هو أن قيادة حماس موجودة بشكل أساسي خارج غزة. تمول حماس وتجهز من شبكة عالمية من الجمعيات والدول الصديقة التي تستخدم العملات المشفرة والنقود الصعبة لشراء الأسلحة والتي تهرب إلى المنطقة من خلال شبكة من الأنفاق طولها نحو 500 كيلومتر. لذلك، فإن حجم المهمة أمام الجيش الإسرائيلي كان ولا يزال هائلاً. حتى لو قُتل أو أسر كل عنصر من حماس في غزة، سيكون هناك شك في تدمير الجماعة بالفعل.

مشكلة هائلة

مع ذلك، وضع الجيش الإسرائيلي هدفه المتمثل في تدمير حماس بسحق أجزاء كبيرة من غزة، مخلفاً آلاف القتلى والمزيد من الجرحى، ومن ضمنهم عدد مروع من الأطفال، والرضع. تنشر أرقام الضحايا من وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس، ولكنها مقبولة إلى حد كبير لدى معظم الدول الغربية.

إضافة إلى ذلك، هجر أكثر من مليون شخص وشُرد عشرات الآلاف، والعديد من الفلسطينيين الآن على حافة المجاعة، أو الموت عطشاً. يحدث هذا بعد أن بدأ القتال للتو، وقد يستمر عدة أشهر، ما يعرض المدنيين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين المتورطين في قتال الشوارع الدموي للصدمة.

قال النائب السابق لقائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي أمير أفيفي، إنه يعتقد أن القتال يمكن أن يستمر مدة عام على الأقل. من وجهة نظر عسكرية بحتة، إن خلق كارثة إنسانية في خضم عملية عسكرية يمثل مشكلة هائلة.

ويطرح الكاتب أسئلة عدة: أين يدفن المدنيون القتلى وسط الصراع؟ كيف تكون العناية بالجرحى؟ كيف يمكن منع مجاعة محلية عندما لا يستطيع مئات الآلاف الحصول على الغذاء والماء؟

كولن باول وجورج بوش

حاول نتانياهو مراراً إلقاء لوم الكارثة الإنسانية على حماس، فهو يزعم أنهم  بدأوا هذه الكارثة على أي حال. لكن هذه الحجة بدأت تضعف في العواصم الغربية، التي قدمت حتى وقت قريب دعماً كاملاً لإسرائيل. والسؤال الكبير الذي يواجه إسرائيل الآن عن بعد توقف القتال في نهاية المطاف، ومن سيكون المسؤول عما سيحدث ؟
كان رئيس هيئة الأركان المشتركة ووزير الخارجية الأمريكية الراحل كولن باول على علم بالقضية عندما قال للرئيس الأمريكي جورج بوش قبل بداية حرب العراق: "سيدي الرئيس، إنها ليست مجرد مسألة ذهاب إلى بغداد. أنا أعرف كيف نفعل ذلك. ما الذي يحدث تالياً؟ عليك أن تفهم، إذا أطحتَ بحكومة، وأطحت بنظام، من يُصبح الحكومة والنظام ومن يكون مسؤولاً عن البلاد؟ أنت. لذلك إذا كسرتها، فأنت تتحمل المسؤولية عنها. عليك أن تفهم أن 28 مليون عراقي سيقفون هناك وينظرون إلينا، ولم أسمع ما يكفي عن التخطيط لهذا الاحتمال".

ليس صعباً تصور مناقشة مماثلة من كبار أعضاء الجيش الإسرائيلي مع نتانياهو، إن لم يكن قبل الغزو البري مباشرة، فمن المؤكد الآن.

الصمت سيكون صعباً

يبدو أن المرحلة التالية من العملية العسكرية الإسرائيلية ستكون استهداف مدينة خان يونس في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، بعدما طالب الجيش الإسرائيلي السكان بضرورة إخلاء المنطقة. المشكلة عند الفلسطينيين، وفي نهاية المطاف الجيش الإسرائيلي، هي المكان الذي سيتوجهون إليه بعد ذلك، بالنظر إلى أن العديد منهم بحث عن ملاذ في المدينة معتقداً أنها آمنة نسبياً. إذا شرع الجيش الإسرائيلي في قصف خان يونس بنفس الشراسة التي هاجم بها مدينة غزة في الشمال، فمن الصعب تصور بقاء الولايات المتحدة صامتة عندئذ.

جنون جماعي

انتقد اللواء تشارلي هربرت، وهو ضابط بريطاني كبير سابق، النهج العسكري الإسرائيلي، واصفاً الغارة الجوية الإسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة، بـ "جنون جماعي". وأضاف "كيف يمكن للعالم أن يراقب، عاجزاً، متواطئاً أو ببساطة غير مهتم بالمذبحة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة. ماذا بعد؟ هل سيُسمح لإسرائيل بذلك في النصف الجنوبي من قطاع غزة، والذي أصبح الآن أكثر اكتظاظاً سكانياً، في المرة المقبلة؟ يؤيد الجميع ضرورة هزيمة حماس. بالطبع نفعل. لكن من الفاسد وغير الأخلاقي فعل ذلك بطريقة تقتل وتشوه الكثير من المدنيين، خاصة الأطفال، عندما تكون هناك خيارات أخرى متاحة".

وفي إشارة إلى العملية العسكرية حول مستشفى الشفاء الذي يعتقد الجيش الإسرائيلي أنه يضم مقراً تحت الأرض لحماس، أضاف هربرت أنه لا يشك في أن الحركة كانت تستخدم المستشفى لأغراض عسكرية، لكنه أشار إلى أن ذلك لا يقوض انتقاداته الأوسع لسلوك الإسرائيليين التكتيكي والعملياتي في هذه الحرب، واصفاً إياه بغير أخلاقي وسيلحق بهم هزيمة ذاتية.

حتى لو صدقت إسرائيل

يبدو، حسب الكاتب، أن شكوك اللواء هربرت تأكدت بعدما نشر الجيش الإسرائيلي لقطات قال إنها تظهر أول دليل قوي على وجود شبكة أنفاق متطورة لحماس أسفل مجمع المستشفى.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه عثر على شاحنة صغيرة مفخخة في مرأب داخل المجمع الطبي. وعندما دمرت السيارة في تفجير محكم، كُشف نفق تحت المرأب.
لكن بغض النظر عما يجده الجيش الإسرائيلي في مستشفى الشفاء، فإن السؤال حول كيفية استمرار إسرائيل في هذه الحرب سيكون أكثر صعوبة في الإجابة عنه، يختم رايمنت.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية