إخوان تونس يجبرون على مقاطعة الانتخابات لهذه الأسباب

لماذا يقاطع الإخوان انتخابات تونس؟

إخوان تونس يجبرون على مقاطعة الانتخابات لهذه الأسباب


20/12/2023

جددت حركة النهضة الإخوانية تأكيدها عدم المشاركة في انتخابات المجالس المحلية والجهوية التي ستنبثق عنها الغرفة البرلمانية الثانية، أي المجلس الوطني للأقاليم والجهات، التي ستُجرى في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2023.

وجاء في بيان صادر عن المكتب التنفيذي للحركة نشر في موقعها الرسمي على (فيسبوك): "تذكر الحركة بأنّها غير معنية بالانتخابات المحلية والجهوية التي يجري التحضير لها، في ظل لا مبالاة المواطنات والمواطنين الذين أرهقتهم ندرة المواد الأساسية وارتفاع أسعارها".

يرى مراقبون أنّ من بين اسباب مقاطعة  النهضة الانتخابات ما يتعلق بالحركة في ذاتها، ومنها ما يتعلق بالظروف الموضوعية والواقع الجديد الذي فرض عليها بعد 25 تموز2021

وتبرّر حركة النهضة هذه الخطوة بعدم شرعية مسار 25 تموز (يوليو) الذي تعتبره "انقلاباً"، وتطالب بالعودة إلى "الشرعية"، وتعتبر أنّ زعيمها راشد الغنوشي هو الرئيس الشرعي للبرلمان، وترى أنّ كل ما انبثق عن 25 تموز (يوليو) باطل، وبالتالي ترفض المشاركة في هذا المسار.

غير أنّ مراقبين يرون أنّ هناك أسباباً أخرى تتعلق بمقاطعتها الانتخابات، سواء بالنسبة إلى انتخابات مجلس النواب القائم حالياً، أو انتخابات مجلس الجهات والأقاليم الذي ستتم خلال أيام قليلة قادمة. ومن هذه الأسباب ما يتعلق بالحركة في ذاتها، ومنها ما يتعلق بالظروف الموضوعية والواقع الجديد الذي فرض عليها بعد 25 تموز (يوليو) 2021.

جددت حركة النهضة الإخوانية تأكيدها عدم المشاركة في انتخابات المجالس المحلية والجهوية

ومن أبرز الأسباب التي تجبرها على مقاطعة الانتخابات حدة الانقسامات الداخلية التي عانتها وتعانيها منذ زمن، ذلك أنّ رئيس الحركة فوجئ بعدد من الاستقالات الفردية لزعماء تاريخيين وقياديين كبار في الحركة أو الاستقالات الجماعية احتجاجاً على انفراد الغنوشي بالقرار ورفضه عقد المؤتمر الـ (11) للحركة الذي دخل به في دوامة من التسويف، لأنّ عقد المؤتمر يعني آليّاً تنحيه عن رئاسة الحركة كما تنص على ذلك لوائحها الداخلية. غير أنّ الغنوشي تجاهل تصريحات قياديي الحركة وتصريحاتهم العلنية المطالبة بعقد المؤتمر وضرورة ترك مقعد رئاستها، كما ردّ على ما بات يُعرف برسالة الـ (100) التي وجهها له عدد كبير من القياديين مثل عبد اللطيف المكي وسمير ديلو وغيرهما ممّن انشقوا عن الحركة، بعد تجاهل نداءاتهم وردّ الغنوشي على رسالتهم الذي رأوا فيه كبرياء وعنجهية وانفراداً بالسلطة داخل الحركة ورفضاً لما تدعيه الحركة من تسيير ديمقراطي والتزام بقانونها الداخلي.

وما زاد الأمر تعقيداً أنّ الغطاء السياسي والقضائي الذي كانت الحركة تتمتع به خلال سيطرتها على مفاصل السلطة قد أُزيل بمسار 25 تموز (يوليو) الذي عرّى الأوراق الخفية للحركة، وكشف ملفات الفساد التي تورطت فيها خلال عشرية ما بعد الثورة، في كل المجالات، وتورطها في الاغتيالات السياسية، والإرهاب، وتبييض الأموال وتهريبها، وتدليس الشهادات وآلاف الانتدابات في الوظيفة العمومية خارج القانون، والسيطرة على كل مفاصل الدولة، واعتماد طرق ملتوية غير قانونية في تلقي تمويلات من الخارج من أطراف إقليمية داعمة للإسلام السياسي، وكان آخر هذه الملفات التلاعب بالأموال المصادرة والتفريط فيها بأسعار رمزية وتوظيفها للابتزاز الحزبي ولحشد التأييد للحركة في الداخل والخارج.

تدرك حركة النهضة جيداً أنّها لا يمكن أن تكسب أيّ انتخابات في الوقت الحالي، لأنّ الشارع التونسي ثار ضدها في 25 تموز، بعد أن تبين لهم زيف شعاراتها وتحالفها مع الفاسدين وتكريس الفساد

ويقبع قياديون كثيرون في الحركة الآن في السجن على خلفية تورطهم في قضايا إرهابية وقضايا فساد وتبييض أموال، وذلك ما مثل ضربة قاصمة للحركة لم تنجح محاولة الغنوشي في تجاوزها بعد أن أودع نائبه على رأس الحركة السجن بعد فضيحة تسريب كشفت الوجه الحقيقي لزعماء الحركة وقادتها، وهو وجه اعتبره الشارع التونسي قائماً على ثنائية الظاهر والباطن؛ بين ادعاء الطهرية وتمثيل الإسلام ورفع لواء الأخلاق الحميدة والمرجعية الدينية في الظاهر، وبين دوس كل هذه القيم وتجاوزها في الباطن.

بالإضافة إلى ذلك أغلق مسار 25 تموز (يوليو) مغارة علي بابا في وجه الحركة التي كانت تتمتع بتمويلات خيالية من الداخل، وخاصة من الخارج، وذلك بطرق ملتوية خارجة عن القانون، مستغلة في ذلك غطاء ديبلوماسياً وسياسياً وقضائياً يحميها من الملاحقة القضائية. وقد استغلت في الداخل شبكة من آلاف الجمعيات والمنظمات للاستقطاب والتمدد في كل شبر من البلاد مستغلة حالة انهيار مستوى المعيشة وحاجة المواطنين إلى المساعدات الاجتماعية، وأبرز دليل على ذلك أنّ جمعية واحدة من جمعياتها (مرحمة) الخيرية أعلنت على موقعها الرسمي أنّها قدمت (100) ألف مساعدة اجتماعية قبل أن يتم حلها على خلفية قضايا مخالفة قانون الجمعيات والتمويل المقنع للأحزاب. وبالتالي فإنّ تضييق الخناق على مصادر تمويل الحركة غير القانونية شدد عليها العزلة ومنعها من أن تكون دولة داخل الدولة كما كانت خلال فترة حكمها وسيطرتها على البلاد.

يقبع قياديون كثيرون في الحركة الآن في السجن على خلفية تورطهم في قضايا إرهابية وقضايا فساد وتبييض أموال

أمّا ما يتعلق بالواقع الموضوعي الذي تُجرى فيه الانتخابات، فإنّ حركة النهضة تدرك جيداً أنّها لا يمكن أن تكسب أيّ انتخابات في الوقت الحالي، لأنّ الشارع التونسي ثار ضدها في 25 تموز (يوليو)، بعد أن تبين أنّها لم تكن تعمل للنهوض بتونس وتحقيق التنمية فيها، وإنّما تعاملت معها بوصفها "كعكة" على حدّ تعبير القيادي المنشق عنها عبد الحميد الجلاصي في تصريح إعلامي، وتبين الرأي العام زيف شعاراتها وتحالفها مع الفاسدين وتكريس الفساد.

تدرك حركة النهضة الإخوانية أنّها سقطت سقطة مدوية بعد مرور قاعدتها الانتخابية من مليون ونصف في 2011 إلى (900) ألف في المحطة التالية، ثم إلى (400) ألف فقط في 2019، ثم ها هي ذي تفقد المساندة نهائياً بعد أن تخلى عنها الشارع التونسي وثار ضدها وطوى صفحتها

 

ويبرز إعراض الرأي العام التونسي وحتى الرأي العام النهضوي لمّا تخلت قواعد الحركة عن دعوة راشد الغنوشي للاعتصام أمام مدخل مبنى مجلس النواب ليلة 25 تموز (يوليو)، إذ رفضت قواعده تلبية النداء وتركته عند الباب وحيداً. وقد اعتبر بعض المحللين لحظة الرفض "صفعة" للغنوشي ولسياساته الاستبدادية داخل الحركة وتنديداً بما فعله بتونس خلال عشرية توصف بأنّها "سوداء". ويظهر الرفض أيضاً في عشرات التظاهرات الاحتجاجية التي تنفق عليها حركة النهضة الإخوانية ملايين الدولارات لحشد المشاركين من مختلف المحافظات التونسية لإنجاحها دون جدوى.

إذن للأسباب السابق ذكرها وغيرها كثير تدرك حركة النهضة الإخوانية أنّها سقطت سقطة مدوية بعد مرور قاعدتها الانتخابية من مليون ونصف في 2011 إلى (900) ألف في المحطة التالية، ثم إلى (400) ألف فقط في 2019، ثم ها هي ذي تفقد المساندة نهائياً بعد أن تخلى عنها الشارع التونسي وثار ضدها وطوى صفحتها، وفي ظل هذا الواقع فإنّ حركة النهضة الإخوانية باتت على يقين من أنّها عاجزة عن الفوز بأيّ انتخابات، وتجبر في الوقت الحالي على مقاطعة الانتخابات بدعوى عدم شرعيتها.

مواضيع ذات صلة:

هل تنجح تونس في تجفيف المنابع المالية للإخوان؟

في ذكرى "الثورة"... 13 عاماً من الأزمات والخيبات في دفتر إخوان تونس

تونس تجفف منابع الإخوان... قانون جديد لمراقبة تمويل الجمعيات



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية