إخوان الأردن: أزمات مركبة... وممثلون جدد للإسلام السياسي في الانتخابات النيابية القادمة

إخوان الأردن: أزمات مركبة... وممثلون جدد للإسلام السياسي في الانتخابات النيابية القادمة

إخوان الأردن: أزمات مركبة... وممثلون جدد للإسلام السياسي في الانتخابات النيابية القادمة


16/07/2023

يشير المشهد التفاعلي لتصويب الأوضاع القانونية للأحزاب الأردنية، ترجمة لمقررات لجنة الإصلاح الملكية التي أقرها البرلمان لاحقاً، إلى أنّه أصبح مؤكداً تصويب ما يقارب (30) حزباً لأوضاعها القانونية، وهو ما سيمكّنها من خوض الانتخابات للحصول على جزء من الحصة التي تم إقرارها في قانون الانتخابات النيابية الجديد، البالغة (40) مقعداً من أصل (140) مقعداً سيتشكل منها المجلس القادم الذي يفرض أن تفرزه انتخابات يتوقع إجراؤها في الثلث الأخير من العام القادم.

ورغم الكثافة العددية في عدد الأحزاب التي ستخوض الانتخابات، إلا أنّها تنتظم في جملة  قواسم مشتركة، رغم بعض التباين في مستقبلها وفي برامجها المعلنة، فمن حيث التأطير المرجعي الإيديولوجي العام، توزعت هذه الأحزاب بين (3) تيارات؛ وهي: اليمين ممثلاً بالأحزاب الإسلامية، والوسط ممثلاً بأحزاب برامجية تنتمي بصورة أو بأخرى لتيارات الدولة العميقة، واليسار ممثلاً بخليط من أحزاب ذات مرجعيات يسارية، ومن حيث التركيب الديموغرافي تشترك في أزمة هوياتية تبعاً للأصول والمنابت، علاوة على أنّها تُعرف في الأوساط السياسية بشخوص قياداتها وليس ببرامجها وأفكارها، ورغم أنّها تتحدث عن استجابات لاستقطاب قطاعات شبابية، إلا أنّ هذه الاستقطابات "غير الواضحة" ستكون أمام اختبارات صعبة ستتكشف عند اختيار الشباب لتمثيل الأحزاب في القوائم الحزبية أو على مستوى المحافظات.

تمكنت الجماعة في انتخابات نيابية سابقة من تشكيل تحالفات مع مرشحين ينتمون للتيارات العلمانية واليسارية، باستثمار مقاعد "الكوتات"، وهو ما لن يتمكن من تحقيقه الإخوان في الانتخابات القادمة

وتبقى القدرة على زيادة نسب الاقتراع تحدياً يواجه التيارات الـ (3)، لا سيّما أنّ متوسط نسب الاقتراع منذ انتخابات عام 1989 يراوح عند (50%) من نسبة الكتلة التي يحق لها الانتخاب، وسيكون تحقيق أيّ اختراقات في نسب الاقتراع مرتبطاً بشكل مباشر بخيارات الأحزاب وقدرتها على تقديم مرشحين قادرين على الحشد والإقناع، ورغم أنّ الحراك الانتخابي ما يزال في مراحله التحضيرية الأولى، إلا أنّ ذلك لا يحول دون قراءة أولية في سيناريوهات توزيع المقاعد النيابية، وفقاً للقائمة الحزبية وقوائم المحافظات، موزعة على التيارات الـ (3).  

مجلس النواب الأردني

لا شك أنّ كافة التيارات الحزبية تواجه جملة من التحديات المشتركة؛ من بينها ضعف الإقبال على الأحزاب، وتشابه برامجها وارتباطها بشخوص قياداتها، لكن بالنسبة إلى الإخوان المسلمين تبدو الأزمات أعمق وأوسع، فخلافاً للصورة النمطية التي تستحضر الحضور الفاعل والمؤثر للإخوان المسلمين وقدرة الجماعة على الحشد والاستقطاب، كما كان عليه الحال عام 1989، تبدو الجماعة أمام أسئلة صعبة ومفتوحة، في ظل العديد من المتغيرات المرتبطة بأفول نجم الإسلام السياسي، وما تعرضت له من انشقاقات لم تعد معه الجماعة "الممثل الشرعي والوحيد للإسلاموية"، فهناك على الأقل (4) عناوين للإسلام السياسي المنشقة عن الإخوان، إلى جانب جماعات أخرى لم تكن منضوية في الجسم الإخواني، وإن كانت تشكّل جزءاً من قاعدته، وربما قدمت تحولات الأعوام الأخيرة في الأردن شواهد على تراجع شعبية الإخوان، بما فيها الخسارات الكبيرة في مجلس النواب وتراجع أعداد نواب الإخوان، وفقدانهم الكثير من المعاقل التاريخية في النقابات المهنية، والمجالس الطلابية، بالإضافة إلى فقدانهم السيطرة على نقابة المعلمين.

تمكنت الجماعة في انتخابات نيابية سابقة من تشكيل تحالفات مع مرشحين ينتمون للتيارات العلمانية واليسارية، باستثمار مقاعد "الكوتات"، وهو ما لن يتمكن من تحقيقه الإخوان في الانتخابات القادمة، إذ يشترط القانون الجديد للانتخابات أن يكون مرشحو القوائم الحزبية أعضاء في الحزب، وتبدو احتمالات تشكيل تحالف بين قوائم الإخوان المسلمين مع أحزاب أخرى احتمالات ضعيفة، إلى جانب تحدٍّ آخر يتمثل في إشكاليات الاختيار بين مرشحي القائمة الحزبية وقوائم المحافظات.

تبدو الجماعة أمام أسئلة صعبة ومفتوحة، في ظل العديد من المتغيرات المرتبطة بأفول نجم الإسلام السياسي، وما تعرضت له من انشقاقات لم تعد معه الجماعة "الممثل الشرعي والوحيد للإسلاموية"

ويبدو واضحاً أنّ تيارات الأحزاب الوسطية التي تنتمي إلى الدولة العميقة وقواعد عشائرية ستكون المنافس الأبرز للإخوان المسلمين، فهذه الأحزاب تعتمد على البرامج أكثر من اعتمادها على الإيديولوجيا، وعلى الشخوص بمن فيهم الطامحون بالوصول إلى مواقع قيادية في الدولة، أو استعادة مواقع كانوا يشغلونها، وهي أحزاب غير معنية كثيراً بالاستمرار، إلا بما يتطلبه بقاء المقاعد النيابية التي ستحصل عليها، ومع ذلك فإنّ هذه الأحزاب ستبقى عرضة للتشرذم في ظل بناء التنافس على أسس شخصية، رغم احتمالات نجاحها في إنجاز توافقات بين القوائم الحزبية وقوائم المحافظات.

من المرجّح خفوت الصوت الإخواني في البرلمان المقبل لصالح جهات أخرى ستشكّل عناوين جديدة للإسلام السياسي

وبالمقابل، فإنّ الأحزاب اليسارية والقومية، بمرجعياتها المختلطة والمتشابكة ديموغرافياً ومناطقياً، تبدو أمامها فرص واعدة في حال إنجاز تحالفات على مستوى القائمة الحزبية وقوائم المحافظات، فلهذه التيارات قواعدها التاريخية، وقد غادر غالبيتها مقاربات ثورية وانقلابية، وأصبحت مفردات التشاركية جزءاً أصيلاً في قاموسها ومفاهيمها السياسية في المعارضة والإصلاح، وربما كان التيار الإسلامي يبني نجاحاته على فرقتها.

وفي الخلاصة، فإنّ هذه القراءة تبقى قراءة أولية، ربما تشهد تغييرات في مراحل لاحقة، قبيل إجراء الانتخابات، لكنّ المرجح هو أنّ المجلس النيابي القادم سيكون مختلفاً عن المجالس السابقة في تركيبته، فالتحولات أعمق من أن تلحظ فقط ما يجري على السطح، ومن المرجح أن يكون المجلس القادم أكثر تمثيلاً للأطياف والتيارات السياسية والاجتماعية، لكن ما سيكون ملفتاً للنظر بصورة أكبر في المجلس القادم هو حضور الشباب فيه، وخفوت الصوت الإخواني لصالح جهات أخرى ستشكّل عناوين جديدة للإسلام السياسي، تنطلق من مرجعيات وطنية أردنية، وسيبقى حضور تمثيل الدولة العميقة هو الأبرز .

مواضيع ذات صلة:

بعد قرار الحل.. هل تتمكن جماعة الإخوان في الأردن من استعادة توازنها؟

"الجماعة الحائرة".. قراءة تحليلية في التاريخ السياسي للإخوان المسلمين في الأردن

 

الصفحة الرئيسية