أشبال داعش في مخيم الهول.. صعود محتمل لنسخة أكثر توحشاً

أشبال داعش في مخيم الهول.. صعود محتمل لنسخة أكثر توحشاً

أشبال داعش في مخيم الهول.. صعود محتمل لنسخة أكثر توحشاً


29/08/2023

رغم هزيمة تنظيم (داعش) الإرهابي في سوريا منذ العام 2019، واستهداف قيادات التنظيم وتحركاته ومواقعه خلال الأعوام الماضية، إلّا أنّ التنظيم ما زال يشن هجمات على السجون التي تضمّ مقاتليه، وينفذ هجمات متفرقة بين الحين والآخر وعلى فترات متقطعة في مناطق متعددة من شمال وشرق سوريا، فضلاً عن البادية السورية.

قدرة التنظيم الإرهابي على الظهور من جديد، وتنفيذ هجمات متتالية، تثير تساؤلات حول دوافعه والقوة التي يتحرك بها، فضلاً عن مدى اعتماده على برامج لتجنيد الأطفال، أو وفق ما يسمونه (أشبال الخلافة) في مخيم (الهول) بشمال سوريا؛ لتنفيذ أجنداته وخططه المستقبلية من خلالهم لتحقيق حلم إحياء دولة الخلافة المزعومة.

وهنا تتعقد الأسئلة بشأن وضع (أشبال الخلافة) ومخاطر تنمية الفكر الداعشي فيهم، وإلى أيّ حدٍ يمكن لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشرق سوريا أن تنجح في إعادة تأهيل الأطفال بالمخيمات بحيث يتم التخلص من الأفكار المتشددة والإرهابية؛ وبالتالي دمجهم بالمجتمع.

مخيم (الهول) القنبلة الموقوتة

خلال الأسبوع الماضي أعلنت (قسد) مقتل قيادي كبير في تنظيم (داعش)، إثر عملية أمنية في مدينة الرقة بشمال البلاد. وذكرت في بيان أنّ القيادي يُدعى إبراهيم العلي، ووصفته بأنّه المسؤول العام في المنطقة الشرقية، مشيرة إلى أنّ العملية الأمنية تمت بمشاركة وتعاون من قوات التحالف الدولي، وجهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق.

بعد إلحاق الهزيمة بآخر معاقل (داعش) في قرية الباغوز بريف دير الزور الشرقي، شرق سوريا، في آذار (مارس) 2019، فإنّ مخلفات التنظيم الإرهابي كانت في القنبلة الموقوتة بمخيم (الهول). ويخشى سكان المنطقة من انفجارها في أيّ وقت، خاصّة مع تزايد أنشطة خلايا التنظيم النائمة المتكررة، وهذا يشكل قلقاً محلياً وأممياً؛ ولهذا طالبت الأمم المتحدة مراراً بإيجاد حل لقضية عوائل (داعش) المحتجزين في مخيمي (الهول) و(روج) بريف محافظة الحسكة السورية، وبحسب تقارير أممية، فإنّ أكثر من (120) شخصاً، بينهم الكثير من النساء، قُتلوا في مخيم (الهول)، وهناك مطالبات ملحة باستعادة الدول لمواطنيها.

مخلفات التنظيم الإرهابي كانت في القنبلة الموقوتة بمخيم (الهول)

وأكد منسق الأمم المتحدة في سوريا عمران رضا، في تصريحات صحفية سابقة، أنّ المخيم الخاضع لسيطرة الأكراد يعاني من انعدام الأمن المتزايد، كما يحكم على الأطفال المحتجزين فيه بحياة بلا مستقبل. وبيّن رضا، الذي زار مخيم (الهول) مرات عدة، للصحفيين في جنيف، أنّ 94% من المحتجزين هم من النساء والأطفال.

الباحث والصحفي الكُردي السوري باز علي بكاري يقول في هذا الإطار لموقع (حفريات): إنّه منذ بداية تجميع عوائل (داعش) في مخيم (الهول)، ونحن، بصفتنا صحفيين، نطلع على هذا الملف، ونرصد تزايد خطورة المخيم الذي أصبح اليوم أشبه بمدينة من حيث عدد السكان.

أعلنت (قسد) مقتل قيادي كبير في تنظيم (داعش)، إثر عملية أمنية في مدينة الرقة بشمال البلاد

كما أنّ عشرات التقارير أشارت إلى مدى خطورة هؤلاء الأطفال وأمهاتهم في هذه الظروف التي يعيشون فيها، وخاصّة أنّه لا توجد برامج مدعومة بشكل جيد لتوعية الأمهات "نساء داعش"؛ لأنهنّ مؤمنات بفكر التنظيم، واليوم هنّ أشد تطرفاً من ذي قبل، فيجدن مهمتهن في تربية أطفالهن على فكر التنظيم المتطرف، وفق ما يقوله الباحث الكُردي.

بناءً على ذلك، يقول الباحث الكُردي: إنّ نساء (داعش) كنّ حصان طروادة بالنسبة إلى التنظيم، فقد حافظ التنظيم على فكره وأسّس مفرخة لبناء جيشه المستقبلي من أطفال (داعش) أو "أشبال الخلافة المزعومة"، الذين أصبحوا في أعمار أكبر، وهم بين المراهقة والشباب اليوم.

ضرورة إفراغ مخيم (الهول)

نتيجة للمخاطر التي يشكلها تنظيم (داعش)، أصدرت (قسد) مؤخراً بياناً أعلنت فيه نيتها بدء محاكمة عناصر (داعش) في شرق سوريا، مؤكدة أنّ هذه الخطوة لا تلغي المطالبة بمحكمة دولية لمحاكمتهم، موضحة في الوقت ذاته أنّ قرارها أتى بعد أعوام من مطالبة المجتمع الدولي بإنشاء محكمة دولية، خصوصاً أنّ ما يقارب (10) آلاف داعشي يقبعون منذ أعوام في سجون تابعة لها دون محاكمات حتى اليوم.

وطالبت قسد في الوقت نفسه التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية ذات الصلة؛ بالمشاركة بشكل إيجابي، والحضور وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات.

ويبدو أنّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدأت تشعر بخطورة إبقاء ملف (داعش) على حاله. ولذلك قررت محاكمة هؤلاء الإرهابيين لحماية أمن سكان المنطقة من أيّ خطر قد يشكله عناصر هذا التنظيم، وتشكيل حواضن لهم يمكن استغلالها من خلال "الذئاب المنفردة"، كما برز بعد أحداث "سجن الصناعة" في شمال سوريا. كما تتفاقم الأوضاع مع تهديدات تركيا بشن حملة عسكرية جديدة ضد سكان شمال وشرق سوريا.

يبدو أنّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدأت تشعر بخطورة إبقاء ملف (داعش) على حاله

وكانت (قسد) قد أكدت مراراً على أنّ استجابة الدول التي لديها رعايا، في مخيمي (الهول) و(روج) في سوريا، بطيئة للغاية، ولا تتناسب مع حجم وخطورة إبقاء ملف أطفال عناصر ومسلحي تنظيم (داعش) يعيشون في بيئات الاحتجاز الحالية، مشيرة إلى أنّ تفكيك المخيمات يحتاج إلى أعوام، وربما إلى عشرات الأعوام. 

من جانب آخر، قال خبراء الأمم المتحدة في تقرير نشر منتصف الشهر الجاري: إنّ تنظيم (داعش) ما يزال يقود ما بين (5) آلاف و(7) آلاف عنصر في معقله السابق في سوريا والعراق. وأشار الخبراء الذين يراقبون العقوبات المفروضة على التنظيم المتطرف إلى أنّه خلال النصف الأول من عام 2023، ظلّ التهديد الذي يشكله تنظيم (داعش) مرتفعاً في الأغلب في مناطق الصراع.

باز علي بكاري: داخل مخيم (الهول)، وحتى خارجه، ما يزال التنظيم يعمل من خلال نسائه وخلاياه النائمة على تنشيط أنشطته الفكرية والإيديولوجية

بدورها، قالت اللجنة في تقريرها لمجلس الأمن الدولي: إنّ الوضع العام ما يزال نشطاً، ورغم الخسائر الفادحة التي منيت بها الجماعة، وتراجع نشاطها في سوريا والعراق، ما يزال خطر عودتها للظهور قائماً. وأضافت: "قامت المجموعة بتكييف استراتيجيتها والاندماج مع السكان المحليين، وتوخي الحذر في اختيار المعارك التي يتوقع أن تؤدي إلى خسائر محدودة، أثناء إعادة مرحلة إعادة تنظيم صفوفها وتجنيد المزيد من المسلحين من المخيمات في شمال شرق سوريا ومن المجتمعات الضعيفة، بما في ذلك في الدول المجاورة".

وبالعودة إلى الصحفي الكُردي باز علي بكاري، فإنّه يرى خلال حديثه لموقع (حفريات) أنّ لـ (قسد) قدرة على ضبط الوضع وأمن المخيمات والسجون التي تضم عناصر وعوائل التنظيم حتى الآن، وهي تستطيع منع الانفجار فقط. غير أنّه داخل مخيم (الهول)، وحتى خارجه، ما يزال التنظيم يعمل من خلال نسائه وخلاياه النائمة على تنشيط أنشطته الفكرية والإيديولوجية.

وقال: إنّ ثمّة عاملاً مؤثراً آخر لا يقلّ خطورة عن الخلايا النائمة، وهو المناطق السورية المحتلة من الجانب التركي، فهي ملجأ لقادة التنظيم، إلى جانب أنّها مركز ومنطلق لعملياته، ويجب ألّا يُنسى الدور التركي الذي اعترفت به وكالة (الأناضول) الرسمية التركية عبر تقرير لها؛ عن تهريب الاستخبارات التركية لعوائل التنظيم من مخيم (الهول)، على حدّ قول الباحث الكُردي السوري المقيم في فرنسا.

عوامل تعزز من ظهور (داعش)

الباحث الكُردي يشير إلى أنّ الدور التركي لا يقتصر على توفير ملاذات آمنة لعناصر تنظيم (داعش)، الذي قُتل القادة الـ (4) منه في مناطق سيطرة أنقرة في سوريا، بل إنّ التهديدات التركية المستمرة لضرب مناطق شمال وشرق سوريا بحجج واهية ولأهداف تكتيكية، تزعزع الأمن وتترك هوامش للتنظيم عبر استغلال ثغرات لتنفيذ عمليات لإرهاب المجتمعات الصغيرة، خاصّة في بادية دير الزور والرقة.

أي أننا نتحدث عن خاصرة هشة يستغلها التنظيم، إضافة إلى تأثير التهديدات والاغتيالات عبر الطائرات المسيّرة لقادة (قوات سوريا الديمقراطية) بين الحين والآخر، بما يؤثر على عمليات مكافحة التنظيم وتجفيف خلاياه النائمة.

الدور التركي لا يقتصر على توفير ملاذات آمنة لعناصر تنظيم (داعش)

في سياق متّصل، نقلت لجنة الخبراء الدولية عن مصدر لم تسمّه، قوله: إنّ (داعش) ما يزال ماضياً في برنامجه "أشبال الخلافة"، لتجنيد الأطفال في مخيم (الهول) المكتظ، الذي يحوي قرابة (56) ألف شخص. بالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر من (850) طفلاً، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن (10) أعوام، في مراكز الاحتجاز وإعادة التأهيل في شمال شرق البلاد.

وفيما يخص مكافحة التنظيم من جانب (قسد)، هناك نقطة مهمة، وهي أنّ برامج مكافحة التنظيم فكرياً لا تنفع في مجتمعات ينهشها الفقر والجهل وفقدان أدنى متطلبات الحياة، وهذا ما يستغله التنظيم سواء عبر ترهيب الناس أو ترغيبهم مادياً، وفق ما يلفت إليه الصحفي الكُردي السوري، الذي أردف أنّ المناطق المحررة من التنظيم مدمرة مادياً ومعنوياً، وبالتالي القضية تحتاج لبرامج إعادة إعمار وإعادة تهيئة للمجتمعات المحررة؛ أي تكاتف ودعم دولي بالمجمع، وهذا ما لم يحصل بالمستوى المطلوب إلى الآن.

إجمالاً، إذا لم تقم الدول الخارجية بتقديم الدعم الكافي لـ (قسد)، والمساهمة بشكل أفضل في الحاجات الأساسية، التعليمية والتربوية والمجتمعية، فضلاً عن الأمنية، ثم المساعدة في إعادة دمج النساء والأطفال بالمجتمع، فلن يتحقق الاستقرار للمجتمعات المحررة من (داعش) في جميع أنحاء شمال شرقي البلاد، ومسألة ضبط التنظيم الإرهابي وتحركاته لا يمكن لقوة محلية مثل (قسد) احتواءه وحدها، وبالتالي فإنّ خطر هؤلاء سيظل قائماً، ويجب تفكيك هذه القنبلة الموقوتة في مخيم (الهول) قبل وقوع المنطقة في شر تنظيم (داعش) الإرهابي مرة أخرى.

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات أممية من تزايد مخاطر مخيم الهول في سوريا لهذه الأسباب

هل لهجوم داعش على مخيم الهول علاقة بالحرب في أوكرانيا؟

"برميل بارود جهادي": مخيم الهول يجدد مخاوف عودة داعش



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية