عيد ميلاد بلا مسيحيين: كيف نحتفل في عصر علماني؟

عيد ميلاد بلا مسيحيين: كيف نحتفل في عصر علماني؟


20/11/2017

كم من الوقت يَحوز عيد الميلاد "الكريسماس"؟ ليس السؤال سخيفاً تماماً كما يبدو. فإنّ "مَسْح الاتجاهات الاجتماعية البريطانية" الأخير، يُظهر أنَّ أكثر من نصف البريطانيين يصفون أنفسهم الآنَ بأنَّهم بدون دين، مقابل 48 في المئة في عام 2015. وفي عام 1983، وهو أوَّل أعوام هذا المَسْح الموثوق به، كانت هذه النسبة لا تتجاوز 31 في المئة.
هناك نُزُوع مماثل يصدقُ على الأنكليكانية. فقد وجدَ المَسْح أنَّ 15 في المئة فقط من الشَعْب يعتبرون أنفسهم الآن أعضاء في كنيسة إنكلترا، أي أقل من نصف النسبة الوَاردة في عام 2000 - وهو معدَّل تراجُع بنحو 1 في المئة من البريطانيين سنويًا. والكاثوليكية في وضع أفضل من ذلك نوعًا ما حيث تصل النسبة إلى 9 في المئة (رُبما يعزّز ذلك وصول الكثير من البولنديين)، وهو ما كان عليه الأمر في أوائل الثمانينات. و17 في المئة أخرى تُعتَبر "مسيحيين آخرين" و6 في المئة من الشَعْب ينتمون إلى ديانات غير مسيحية.

حالة المسيحية في بريطانيا في أسوأ وضع لها منذ القرن الثالث

وهناك نُزُعٌ أخرى تُعَدّ نذير شؤم بالنسبة إلى المسيحيين. فـ 3 في المئة فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يصفون أنفسهم بأنهم أنكليكانيين، مقارنةً بنسبة 40 في المئة من الذين تزيد أعمارهم عن 75 سنة. بالإضافة إلى ذلك، أكثر من سبعة من كل عشرة ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يقولون إنهم بدون دين، مقارنةً بـ 62 في المئة في عام 2015.
إذَاً، مستقبل المسيحية في بريطانيا ليس مشرقاً، والنور يَخبو سريعاً. وبهذا المعدَّل، يمكن أن يكون عيد الميلاد الأنكليكاني التقليدي جزءاً من الماضي في غضون 15 عاماً.

توصيف مُعمَّق لحالة المسيحية
عندما سألتُ المؤرخ بيتر هيذر، من الكلية الملكية بلندن، عن توصيف مُعمَّق لحالة المسيحية في بريطانيا، قال لي إنَّها في أسوأ وضع لها منذ القرن الثالث. كان هذا قبل أن يجري اختراع فكرة عيد الميلاد في روما القرن الرابع لمكافحة المهرجان الوثني نصف الشتائي لعيد الإله ساتورن (ساتورناليا). "قبل تحول قسطنطين إلى المسيحية "في 312 ميلادية"، كان حوالي 2 في المئة من السكان مسيحيين بشكل نَشِط، وأعتقدُ أنَّ هذه النسبة ليست بعيدة عن عدد الأشخاص الذين يذهبون الآنَ إلى الكنيسة"، أخبرني هيذر. في ذلك الوقت، قال، نُظِرَ إلى المسيحيين بمودّة معقولة على أنهم أقلية غريبة قليلاً. "الناس لا يكرهونهم بنشاط كما في السابق"، قال هيذر، مُنزلقاً إلى التوتر الحالي الذي يفضّله المؤرخون. "المسيحيون جزء مقبول من البِيئَة، لكنه غريب بعض الشيء".

المؤسسات المسيحية يجب أن تتماشى مع القيم المجتمعية الأوسع وليس العكس

وهو ما يبدو مألوفاً إلى حد ما. إحدى النتائج، كما لاحظَ هيذر، مشيراً إلى تطورات من قبيل الكهنة النساء والزواج المُتكافيء، أنَّ المؤسسات المسيحية "يجب أن تتماشى مع القيم المجتمعية الأوسع، وليس العكس".
وهذا تغيير كبير، وبالتأكيد في سياق ما حدثَ في آخر ألفي عام في أوروبا.
في ضوء ذلك، من السهل أن نتخيل رئيس أساقفة "كانتربري" يبكي في كؤوسه بموسم الأعياد هذا. بالنسبة إليه، يكون لعنوان أغنية البوب الخالدة "عيد الميلاد الماضي" للثنائيّ وام! صدى أكبر. على الأقل، المرءُ قد يعتقد ذلك.

هل بلغ  المجتمع ذروة الإلحاد؟
على العكس من ذلك، كان "جون إنغ"، أسقف ورسستر، الذي هو أيضاً الأسقف الرئيس للكاتدرائيات والمباني الكنسية، متفائلاً تماماً عندما سألتُه إذا كان منزعجاً من تراجع المسيحية. "إنَّ جميع الإحصائيات تُظهِر زيادةً فى الحضور، خاصَّة في الكاتدرائيات، وينطبق الشيء نفسه على الأبرشيات"، قال. "هناك الإحصائيات البارِزة، التي تُظهِر نسبة أقل من السكان يعلنون عن مسيحيتهم، لكن ذلك لا يزال يمثِّل حوالي 50 في المئة. وهذا لا شك يعني الكثير من الناس".
لقد وضَّح نقطته بشكل جيد: في العام الماضي، حضر 131.000 شخص في بريطانيا يوم وليلة عيد الميلاد في الكاتدرائيات الأنكليكانية، بزيادة سنوية قدرها 5 في المئة. وتعتبِر الكنيسة عيد الميلاد فرصةً مهمَّةً للتفاعل مع الجمهور، ولحظةً لاستكشاف الأسئلة الوجودية (التي أبرزتها حملة #GodWithUs على تويتر). ويعتقد الأسقف جون أنَّ المجتمع ربما يكون قد بلغ ذروة الإلحاد، حتى لو يقرّ أنَّ "النهج المتشدد جداً" للملحدين، مثل ريتشارد دوكينز، كان له تأثير. بالنسبة إليه، العلمانية "قوة مستنفدة".
سوف نرى. الحقيقة الصعبة، هي أنَّ الأمر لن يستغرق وقتاً طويلاً ليتضّح. وعيد الميلاد؟ بعد أن نجا من "سياسات" أوليفر كرومويل والبوريتانيين، الذين حظروا الاحتفال به في عام 1647 وحرَّموه لأكثر من عقد من الزمان، لن يموت هذا المهرجان نصف الشتائي في أي وقت قريب.

أليك مارش - عن الـ"نيوستيتسمان"

الصفحة الرئيسية