القدس.. عاصمة فلسطين الأبدية

القدس.. عاصمة فلسطين الأبدية


12/12/2017

هل أتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، لخدمة هدف واحد فقط ولا غير وهو جعل القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل؟ كل السيناريوهات وضعت بذكاء شديد وصولاً للإعلان والقرار التاريخي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، فتجد كل الظروف والمعطيات في الوطن العربي والعالم الإسلامي كانت مهيأة لهذا الإعلان، وهذا ليس وليد الصدفة. أم أن الأمر يتعلق بقرار مفاجئ من رئيس يعرف بتمرسه في دعم جهود الهدم والبناء لإبقاء ديون الولايات المتحدة الأميركية تحت خط السيطرة المعقولة، واتخاذ قرارات جائرة تحت غطاء الرئيس المندفع أو المتهور، أو كما يحلو لخصومه أن يطلقوا عليه في مسقط رأسه؟ وهل هو فعلاً بهذه الصفة، أم هو من جعل العالم كله يبدو أحمق؟

فالسيناريو بدأ بـ"الربيع العربي"، ومن ثم بتصعيد وتيرة الإرهاب ونشر الميليشيات الإرهابية في بلداننا، حتى أصبح تحرير الأراضي من "داعش" أكبر غاياتنا والقدس مغتصبة. كما وضع الخليج العربي والدول المجاورة له مع لبنان تحت إقامة جبرية إيرانية، وتمزيق العراق وسوريا واليمن، وعمل شق عميق بين الفصائل الفلسطينية، وجعل وحدة القرار الفلسطيني شبه مستحيلة، وزرع كيانات وعناصر تعبث بمصير الشعب الفلسطيني ناهيك عن "ربيع عربي"، وانهيار أسعار النفط واستنزاف موارد وطنية وصراعات إيديولوجية، وتمييع هوية المنطقة وجعل كل من يحيط بدولة إسرائيل في أزمات متنوعة جعلت كل دولة غارقة في مشاكلها المحلية وتفكك وتصدع وخلاف كبير في البيت العربي. وضمن هذا الإطار يتم شغل كل بلد بأزمة كبرى محورية لديه، وهي حبكة متقنة خطط لها كبار منظري استراتيجيات وضع كماشة على قلب العالم القديم، وجعل دول المحور بوابات مفتوحة لتبادل المنفعة والمصالح. فلا إيران ولا تركيا ولا غيرها من الدول الإسلامية الكبرى شريكة في صفقة بيع القدس بثمن بخس وبمن في ذلك من خانوا الأمانة داخل البيت الفلسطيني.

ونحن كمسلمين لدينا قناعات ثابتة بأن القدس عاصمة فلسطين الأبدية، ويجب ألا ننكر مسيحيتها ويهوديتها بقدر ما هي أرض مقدسة للمسلمين، فهي كذلك أرض مقدسة لباقي الديانات السماوية، وإن نقلت أميركا عاصمتها إلى القدس، فلننقل مصالح أميركا خارج أراضي الدول المسلمة حتى يكون الرد والردع بقدر حجم الجريمة، فمن يستبيح القدس اليوم لن يتوانى في استباحة مكة غداً وأن ارتضى الساسة الفلسطينيون بحل أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، فهم لم يكونوا غير واقعيين أو مغيبين عن الواقع والتحولات في الشرعية السياسية الأصولية في عقل ووجدان من يمسك بزمام الأمور في إسرائيل. ولكن الوضع العربي الإسلامي بصورة عامة في موقف ضعف عام، ولا توجد بدائل لتقاسم أراضي القدس مع الجانب الإسرائيلي، وهي القوى الكبرى في المنطقة، وخاصة أن الولايات المتحدة الأميركية هي الوسيط بين الطرفين، ولا يوجد بديل لها كذلك كوسيط .
ويبدو لي أن من أطلق المارد من القمقم، هي فكرة صوت موحد لكافة القوى الفلسطينية، وتكثيف الجهود لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وهو ما دق ناقوس الخطر في العقلية الصهيونية، وتقارب من هذا النوع يعني أن فكر ومنظومة المقاومة المسلحة في غزة اليوم سيكون نفسه فكر دولة كاملة جارة ترفض الاحتلال والاستيطان وقبول حل الدولتين على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وكل ذلك يقوض الأمن الإسرائيلي ولا بد من أفشال حكومة الوفاق الفلسطينية.

فما قام به السيد ترامب، باختصار هو جعل القدس مكافأة لإسرائيل وإعطائها الضوء الأخضر وتسريع سياساتها المتمثلة في ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومحو الوجود التاريخي والسياسي والثقافي والديموغرافي للفلسطينيين وتكثيف انتهاكات الحكومة الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية في القدس بل تهويدها بالكامل؛ وتدمير المزيد من المنازل الفلسطينية وتشريد المزيد من العائلات الفلسطينية، وخاصة أن منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في عام 1967، قامت السلطات الإسرائيلية، وفقاً للأمم المتحدة، بتدمير نحو 20 ألف منزل فلسطيني في القدس، كما سيعني ذلك ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المسروقة للمستوطنات، وعلاوة على ذلك، فإن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل سيشجع المتطرفين اليهود وبعضهم مدعوم من قبل مسؤولي الحكومة الإسرائيلية في بناء معبد يهودي في مجمع مسجد الحرم الشريف في البلدة القديمة من القدس الشرقية، وهو ما سيشعل حرباً دينية بعد عودة الشارع الفلسطيني ليشغل منصب حكومة الواقع للقضية الفلسطينية.

سالم سالمين النعيمي - عن "الاتحاد"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية