هل ينجح الولي الفقيه في إنهاء "المد الثوري" في إيران؟

هل ينجح الولي الفقيه في إنهاء "المد الثوري" في إيران؟

هل ينجح الولي الفقيه في إنهاء "المد الثوري" في إيران؟


01/10/2023

انتقادات جمّة تعرضت لها الولايات المتحدة بعد حضور الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث شنّ من خلال منصتها هجمات عنيفة ضد سياسات أمريكا في المنطقة، بل ومرّر رسائله السياسية لعدة قوى إقليمية. كما أنّ التظاهرات في الولايات المتحدة على خلفية زيارة رئيسي لم تتوقف؛ إذ يحفل سجله الحقوقي بجرائم عديدة، أبرزها أحكام الإعدام الجماعية في ثمانينات القرن الماضي والتي طاولت آلاف المعارضين السياسيين.

فرصة ثمينة للملالي

كانت الفرصة بالنسبة للرئيس الإيراني، في نيويورك، ثمينة حتى يعفي حكومته من المسؤولية السياسية تجاه قمع الاحتجاجات المتواصلة، منذ أيلول (سبتمبر) العام الماضي، بعد مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد دورية شرطة الاخلاق، واعتبر كما هي العادة في خطاب إيران السياسي المسؤولية تقع على عاتق "القوى الغربية" ووسائل إعلامها التي تروج إلى "أكاذيب". بل إنّ رئيسي تخطى المساحة المحلية إلى الشأن الإقليمي والدولي، فهاجم التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل. كما اعتبر مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني "مكافأة" لتنظيم داعش الإرهابي، ثم زعم أنّ أمن بعض الدول في المنطقة إنّما يعود إلى جهود بلاده الخارجية.

اتهم رئيسي واشنطن بتأجيج الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ "الولايات المتحدة الأمريكية تصبّ الزيت على نار العنف في أوكرانيا لإضعاف البلدان الأوروبية. إنّه للأسف مخطط طويل الأمد". وقال: "في العام الماضي، كان الشعب الإيراني هدفاً لأكبر هجوم إعلامي وحرب نفسية في التاريخ". وأضاف: "بعض الدول الغربية وأجهزتها الاستخباراتية أخطأت في حساباتها العام الماضي".

ووصف الرئيس الإيراني "مشروع أمركة العالم" بالفاشل، وأنّ أمن بعض الدول في الإقليم إنّما هو "بسبب" أعمال قاسم سليماني، والذي كان اغتياله بمسيّرة أمريكية في مطار بغداد في ذروة التصعيد بين أمريكا وإيران خلال نهاية حكم دونالد ترامب "مكافأة لداعش" على حد تعبير رئيسي. واعتبر انسحاب إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي بأنّه بمثابة "انتهاك واضح لمبدأ الوفاء بالعهد"، موضحاً أنّ الولايات المتحدة يتعين عليها إعادة بناء الثقة، مجداً، لإنهاء المفاوضات.

 حمدي أبو القاسم

وواصل الاتهامات بحق الدول الأوروبية. لكنّه ألمّح إلى "معاداة الإسلام والفصل العنصري الثقافي" التي تتجلى في ممارسات حرق القرآن الكريم وحظر الحجاب في المدارس. ثم انتقد المنظومة الحقوقية في الغرب: "هل تستطيع أمريكا، التي لديها أكبر سجن للأمهات في العالم، أن تقلق بصدق بشأن حقوق المرأة؟".

أصداء في الداخل والخارج

يبدو أنّ هذه الزيارة ما تزال لها أصداء في الداخل الإيراني كما في الخارج. فقبل أيام قليلة، حاولت الصحف الإيرانية التقليل من شأنها، واعتبرت أنّ نتائجها محدودة أو بالأحرى بلا قيمة. فصحيفة "جهان صنعت" أكدت أنّها لم تكن متفائلة بشأن أيّ لقاءات مع مسؤولين أمريكيين، لكن وضعت في حسبانها إمكانية تغيير محتمل فـ "لعلها تستطيع خفض نسبة من العقوبات والضغوط الاقتصادية التي أنهكت الشعب الإيراني".

ومن جانبها، اعتبرت صحيفة "أرمان أمروز"، أنّ لقاءات الرئيس الإيراني، التي جرت على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت مع "شخصيات غير مهمة" وليس بمقدورها تخفيف حدة الضغوط على "الجمهورية الإسلامية"، مشددة على "ضرورة أن يعقد رئيسي اجتماعات مع مسؤولي الدول الأوروبية ذات النفوذ والتأثير لمعالجة الخلافات والمشكلات بين إيران والدول الغربية".

التظاهرات في الولايات المتحدة على خلفية زيارة رئيسي لم تتوقف حيث يحفل سجله الحقوقي بجرائم عديدة، أبرزها أحكام الإعدام الجماعية في ثمانينات القرن الماضي

وقالت الصحيفة: "في الأسابيع الماضية كانت هناك محاولات لخفض التوتر بين إيران والدول الغربية، وكان حضور رئيسي في نيويورك فرصة لاتخاذ مزيد من الخطوات الإيجابية لتمهيد الظروف للتوصل إلى اتفاق مستقبلي خلال الفترة القادمة".

إلى ذلك، علقت مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، مؤخراً، على التقرير الذي أعدته قناة "إيران إنترناشيونال" بخصوص "شبكة نفوذ إيرانية" في المؤسسات الأمريكية الحساسة، فضلاً عن دفاع بعض الخبراء الأمريكيين عن هذه الشبكة والمنتمين لها. وقالت إنّه من الضروري عدم التقليل من خطورة التهم الموجهة لأعضاء هذه الشبكة بدعوى دورهم في "محاولة فتح باب الحوار مع إيران".

وذكرت "أتلانتيك" أنّ صحفيين من بينهم لورا روزين وإسفنديار باتمانجليتش قد "اختزلوا مراسلات أعضاء شبكة النفوذ الإيرانية في مجرد جهودهم لإقامة حوار، في حين أنّ المخاوف المثيرة للقلق هي لهجة أعضاء هذه الشبكة في المراسلات وعدم مبالاتهم في أن يكونوا أدوات سياسية لنظام الجمهورية الإسلامية"، وفق إيران انترناشيونال. فيما أوضح تقرير المجلة الأمريكية: "حتى المراقبون الذين اختصروا تفاعل ومراسلات أعضاء شبكة النفوذ الإيرانية في أميركا مع مسؤولي النظام الإيراني في جهودهم لإقامة حوار مع طهران، لم ينفوا صحة رسائلهم الإلكترونية مع المسؤولين في الحكومة الإيرانية".

الهوة بين النظام الإيراني والشعب

رغم أنّ النظام الإيراني نجح في قمع الحركة الاحتجاجية التي اندلعت عقب مهسا أميني التي قتلتها شرطة الأخلاق، قبل عام مضى، غير أنّ زخم هذه الحركة ما زال قائماً؛ فهي أكبر "سلسلة من الاحتجاجات الشعبية" المناهضة للنظام، منذ ثورة عام 1979، وفق الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة) الدكتور محمود حمدي أبو القاسم. كما أنّ شعارات هذه الحركة كشفت عن حجم الهوة القائمة بين النظام الإيراني وقطاعات شعبية كبيرة، وأطّرت نفسها تحت شعار "المرأة الحياة الحرية".

النظام الإيراني نجح في قمع الحركة الاحتجاجية

ويقول حمدي أبو القاسم لـ"حفريات"، لقد حاول النظام أن يثبت أنّه قد نجح في احتواء هذا المد الثوري الذي لا يتوقف بينما يهدد شرعية النظام وبقاءه. ويردف: "لقد تم استخدام مزيد من القمع وقليل من الإقناع، حيث استعان النظام بالحوزة لتجاوز الخلاف الذي لم يَطل المجتمع وحسب، ولكن طاول الساحة الفقهية في ظل الخلاف حول قضية حجاب المرأة، وفي الأخير أصر على أن يضع المجتمع تحت وصايته بتأكيد الالتزام بالحجاب سواء من خلال التعديلات القانونية التي جاءت مخيبة لطموحات المحتجين، أو من خلال القمع بتعقب المخالفين وبث رسالة واضحة بأنّ النظام يصر على موقفه".

الباحث حمدي أبو القاسم لـ"حفريات": حاول نظام الملالي أن يثبت أنّه نجح في احتواء المد الثوري الذي لا يتوقف بل يهدد شرعية النظام وبقاءه

لقد بات النظام الإيراني، من خلال هذه السياسات، يفتقر إلى المرونة التي كان يبديها تجاه هكذا أزمات، وفق حمدي أبو القاسم. كما أنّه لم يقدم أيّ تنازل ذا معني في هذه القضية، حتى إنّ الأمر دفع بعض النساء إلى التمرد وإظهار المزيد من التحدي، رافضين نهج "الأمننة" الذي يباشر فيه النظام مع كل قضية، وأدوات العسكرة التي يبدو أنّه بات لا يملك غيرها من أجل فرض شرعيته وبقائه.

ميل النظام إلى هذه الأحادية، سيجعله في المستقبل في مواجهة نزوع جماعي أكبر للتمرد، وإنكار الحق في ممارسة الحكم، مع أول حادثة سيكون زخم الاحتجاج أكبر. كما أنّ الغضب الشعبي في إيران بات نتاجاً لمزيج من المظالم الاجتماعية، والرغبة في الانعتاق من الحكم الفردي المستبد، بالإضافة إلى تطلعات للحرية والكرامة، ناهيك عن مطالب الأطراف المهمشة ثقافياً واقتصادياً وعرقياً، بحسب أبو القاسم.

ويختتم الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية حديثه قائلاً إنّ مهسا أميني أيقونة الاحتجاجات الشعبية قد هزت أركان النظام، وكشفت عن التحديات التي تواجهها في الداخل، بل ستظل كاشفة عن التحدي الحقيقي الذي يواجه النظام الإيراني، وهو الفجوة المتسعة بين التطلعات الشعبية إلى الحرية وبين القيود الأيديولوجية المفروضة فرضاً قسرياً على المجتمع. ولا يبدو أنّ النظام بصدد ابتكار أو تجديد في الخطاب أو الممارسات لاستيعاب التطورات الجارية على الأرض".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية