هل يرى اتفاق استغلال الغاز في شواطئ غزة النور؟

هل يرى اتفاق استغلال الغاز في شواطئ غزة النور؟

هل يرى اتفاق استغلال الغاز في شواطئ غزة النور؟


20/10/2022

بعد استئناف الحديث الرسمي في فلسطين عن استكمال المفاوضات لتوقيع اتفاقية استغلال حقل غاز (مارين غزة - 1) مع شركة إيجاس المصرية، ظهرت تساؤلات حول احتمالات نجاح تنفيذ الاتفاق حال إتمامه، في ظل عقبات إسرائيلية وفلسطينية داخلية.

ففي حين تطالب قوى الأمر الواقع في قطاع غزة؛ حركة حماس، بنصيب القطاع من الثروات الطبيعية، لا تملك هذه السلطة الحقّ القانوني في هذه المطالبة؛ فملكية الحقل تنقسم بين السلطة الفلسطينية واتحاد المقاولين الفلسطيني، والبقية بنسبة 45% ستكون للشركة المشغلة للحقل، ما يعني أنّ حركة حماس عليها أن تعمل مع السلطة من أجل الاستفادة من عائدات الغاز.

ومن جانب إسرائيل، فإذا تم التوقيع على الاتفاق مع الشركة المصرية فسيكون بالضرورة هناك ترتيبات تنتفع من خلالها إسرائيل، التي لا تملك قانونياً أي حقّ في الحقل، ولكنّها تملك بالقانون ما يجعلها مستفيدة من تطويره، مثل عائدات النقل عبر خط الأنابيب المصري - الإسرائيلي، وكذا حقّ مرور السفن من وإلى مصر إلى منطقة قطاع غزة الاقتصادية، التي تمر بمناطق بحرية ما زالت إسرائيل تسيطر عليها بالقانون.

حقل غاز مارين غزة

مطلع الشهر الجاري كُشف النقاب عن مفاوضات تجريها مصر مع السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل بهدف توقيع اتفاق استغلال لحقل (مارين غزة - 1) الذي يقع قبالة سواحل غزة، في المنطقة (A) الاقتصادية المحددة لقطاع غزة حالياً، ويقع حقل (مارين غزة - 2) وهو أصغر من الحقل الأول، في المنطقة الاقتصادية (C)، ومن المفترض أنّ تكون مع المنطقتين (A - B) ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لقطاع غزة، بناءً على رؤية السلطة الفلسطينية لإكمال مفاوضات اتفاق أوسلو بشأن القضايا العالقة، والتي من بينها الحدود البحرية في البحر المتوسط والبحر الميت.

تظاهرة غزة من أجل الغاز

وكانت السلطة الفلسطينية كلفت في 1999 شركة "بريتش غاز" البريطانية بأعمال التنقيب على شواطئ القطاع، وبعد عام أُعلن اكتشاف حقل الغاز "مارين غزة - 1" الذي يبعد حوالي 30 كم عن شاطئ غزة، ثم اُكتشف بالقرب منه حقل آخر صغير، هو "مارين غزة 2".

وانسحبت بريتش غاز انسحبت من الاتفاق بسبب المعوقات الإسرائيلية، وكُلفت شركة "شل" بحق الانتفاع، والتي ألغت بدورها الاتفاق بعد عامين. وتقدر كلفة تطوير حقل غزة بـ 1.1 مليار دولار، ومن المتوقع أنّ يؤمن نحو 200 مليون دولار على الأقل لخزينة السلطة الفلسطينية سنوياً، وتبلغ احتياطاته الغازية 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.

وبعد العام 2016، قامت السلطة بتكوين تحالف جديد وحصص جديدة للحقل، وهي؛ صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين بنسبة ٢٧٬٥٪ لكل منهما، والنسبة المتبقية 45% للشركة التي ستقوم بتطوير الحقل.

من المتوقع أنّ يشكّل وجود مصر كشريك في تطوير حقل غاز "غزة مارين - 1"، ضمانة لجميع الأطراف، بحكم علاقاتها القوية مع أطراف النزاع؛ إسرائيل، والسلطة، وفصائل غزة

وعاد الحديث عن غاز غزة من جديد بعد تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط للغاز في نهاية عام 2019، وانضمام السلطة الفلسطينية كعضو في المنتدى. وفي العام الماضي وقعت وزارة البترول المصرية، ممثلة في الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" مذكرة تفاهم مع الأطراف الشريكة فى حقل غاز غزة البحري، وهي صندوق الاستثمار وشركة اتحاد المقاولين وذلك في شباط (فبراير) 2021، بهدف تطوير حقل غزة، للعمل على توفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، مع إمكانية تصدير جزء من إنتاجه لمصر.

وخلال اجتماع للحكومة الفلسطينية، قال رئيس الوزراء محمد اشتية، إن الحكومة "ستشكل فريقاً يضم عدداً من الوزراء لمتابعة موضوع الغاز الفلسطيني". وأضاف في كلمته بمستهل جلسة الحكومة في 17 من الشهر الجاري، في رام الله، أنّ رئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى وفريقه يقومون "بالتفاوض مع الأخوة في مصر الشقيقة، لإنجاز اتفاقية حول الغاز معهم، بما يخدم حقوقنا ومقدراتنا الوطنية، ويعود بالنفع على شعبنا".

عراقيل إسرائيلية

وتتهم السلطة الفلسطينية دولة إسرائيل، التي تعتبر مُحتلة لأراضي دولة فلسطين وفق حدود العام 1967، وفق القانون الدولي، بعرقلة عملية استفادة الفلسطينيين من ثرواتهم الطبيعية. وأظهر تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" في 10 (أيلول) سبتمبر 2019، أنّ احتلال إسرائيل المناطق الفلسطينيّة حرم الفلسطينيّين من استغلال مواردهم الطبيعيّة، وقدّر التقرير الخسائر بمليارات الدولارات، متوقّعاً ارتفاع الخسائر الاقتصاديّة واستمرارها في الفترة المقبلة، وذلك بحسب ما نشره موقع "المونيتور".

عبد المهدي مطاوع: عمل شارون على منع الاستفادة من هذا الحقل

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المُهدي مطاوع: "حقل غاز مارين يعتبر من أوائل الحقول المكتشفة في البحر المتوسط، والتقديرات الأولية له أكثر من تريليون قدم مكعب".

وربط مطاوع تاريخ اكتشاف الغاز الفلسطيني بالأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في صراعها مع إسرائيل، والتي انعكست على تساهل الأخيرة في عمليات استفادة الفلسطينيين من ثرواتهم، وقال لـ"حفريات": "عندما حصلت شركة بريتش غاز على رخصة تطوير الحقل كانت الانتفاضة الثانية في بداياتها، وعمل شارون على منع العمل والاستفادة من هذا الحقل، وتخارجت الشركات الأجنبية من رخصة التطوير بسبب توقف العمل والتعنت الإسرائيلي".

ومن جانبه قال الكاتب والباحث السياسي، ربيع أمين أبو حطب: "إسرائيل قوة احتلال وتضع يدها على الكثير من الحقوق الفلسطينية، وتعطل وتنهب الكثير من الموارد والثروات الفلسطينية، وعلى اعتبار أنّ الحقل يقع في حدود المياه الإقليمية البحرية الفلسطينية ويمكن أن تتم عمليات التنقيب والاستخراج والنقل عبر المياه الإقليمية الفلسطينية والمصرية، فإنه ليس من حق إسرائيل فرض نفسها في مسألة غاز مارين".

عبد المُهدي مطاوع لـ"حفريات": تحاول حماس أن تحصل على حصة ونصيب باستخدام طريقة ابتزاز حزب الله، بعد ترتيب مظاهرة في الميناء تحت عنوان غازي حقي

وأفاد لـ "حفريات" بأنّه يتوجب على الطرفين الفلسطيني والمصري "ترسيم الحدود البحرية بينهما حتى ولو على حساب تأخير المشروع، ولكن بشكل يضمن عدم تدخل إسرائيل أو استفادتها من أي مواد فلسطينية سيتم استخراجها واستثمارها بأيدي عربية".

وعقب حصول السلطة الفلسطينية على صفة "دولة غير عضو" في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، وقّعت دولة فلسطين على عشرات المعاهدات والاتفاقيات الدولية منذ عام 2014. ومن بين هذه الاتفاقيات، اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 التي انضمت إليها فلسطين في العام 2015، وتنظم المياه الإقليمية للدول والمناطق الاقتصادية الخاصة والجرف القاري.

وفي 2019 سلمت الخارجية الفلسطينية نسخة من الخرائط والإحداثيات الخاصة بحدود دولة فلسطين البحرية إلى الأمم المتحدة والجامعة العربية، استناداً إلى حدود عام 1967 وقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 242. وتمتد الحدود البحرية لدولة فلسطين بحسب الوثائق من بيت لاهيا في شمال قطاع غزة وحتى محافظة رفح جنوباً بعمق 200 ميل بحري الواقعة في المنطقة الاقتصادية الخاصة، بحسب الترسيم الفلسطيني.

وتعمل مصر عبر منتدى شرق المتوسط ومن خلالها علاقاتها القوية مع إسرائيل في قطاع الغاز الطبيعي، حيث تصدر الأخيرة الغاز إلى محطات الإسالة في مصر من أجل تسييله وتصديره إلى أوروبا، للضغط على تل أبيب للتوقيع على اتفاق يسمح بتطوير الحقول الفلسطينية، لصالح دولة فلسطين وعبر السلطة الفلسطينية، بما يجعل حركة حماس بعيدة عن الاستفادة من عائدات الحقل، وإنّ لم يكن ذلك يعني عدم استفادة قطاع غزة، عن طريق قطاع الكهرباء، وهي تفاصيل لم يُكشف عنها بعد.

الخلافات الفلسطينية

ونُظمت تظاهرة في قطاع غزة على شاطئ البحر في 11 من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بدعوة من القوى الوطنية والإسلامية دعماً لأهل القدس والضفة الغربية، إلا أنّها لم تكن بعيدة عن قضية الغاز، حيث صرح القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر حبيب، بأنّ غزة تطالب بحقها "في الغاز ولن تسمح للاحتلال بسرقة ثروات الشعب الفلسطيني".

وفي تصريحات سابقة، حذر عضو المكتب السياسي في حماس، سهيل الهندي "الاحتلال الإسرائيلي من العبث بأي شكل من الأشكال في خيراتنا ومقدراتنا البحرية وثروات شعبنا الطبيعية وعلى رأسها الغاز الطبيعي".

كما أكد الناطق باسم حماس حازم قاسم "نتابع كل التطورات المتعلقة بموضوع الغاز وما يتعلق بالاتفاقيات". وقال إنّ "حق شعبنا في الاستفادة من ثرواته الطبيعية والغاز، مكفول في كل القوانين والقرارات الدولية"، واتهم السلطة الفلسطينية بأنها "غير مؤتمنة على التصرف بغاز غزة".

وذهب المحلل السياسي عبد المُهدي مطاوع إلى خلاف ما سبق: "رسمياً الأطراف واضحة ومحددة، وتحاول حماس أن تحصل على حصة ونصيب باستخدام طريقة ابتزاز حزب الله، بعد ترتيب مظاهرة في الميناء تحت عنوان غازي حقي". وأشار إلى أنّ "وجود مصر كمستثمر سيقلص من مناورة حماس، ولن تمانع إسرائيل استفادة حماس بشكل غير رسمي، ما دامت الحصص الرسمية لن يتم الاقتراب منها".

ويوضح الكاتب الفلسطيني، ربيع أبو حطب، موقف المقاومة من تصرف السلطة في غاز غزة: "فصائل المقاومة في غزة موقفهم ثابت من سائر القضايا والحقوق الوطنية، وهو التمسك بالثروات الطبيعية التي هي حق أصيل للشعب الفلسطيني، لا يمكن التنازل عنه أو تفويض السلطة بذلك كونها تتنكر لحقوق غزة بشكل خاص وتشارك في حصارها من ناحية، وهي غير مؤتمنة على حقوق وثروات الشعب الفلسطيني".

ربيع أبو حطب: السلطة تغض الطرف عن سرقة الاحتلال الصهيوني ثروات وطنية كبيرة

وأضاف لـ"حفريات": "دعني استحضر نقطتين مهمتين؛ الأولى أنّ السلطة تغض الطرف عن سرقة ونهب الاحتلال الصهيوني ثروات وطنية كبيرة، منها البترول الفلسطيني في قرية رنتيس شرق رام الله والذي يقع على بُعد 25 كيلو متر من مقر قيادة السلطة، والثانية أنّ السلطة أعطت الحقوق الحصرية لصندوق الاستثمار الفلسطيني في شأن الغاز والبترول، في حين أنّ هذا الصندوق الذي أنشئ عام 2002 بمرسوم رئاسي فلسطيني، مسجل كشركة عامة مملوكة للسلطة الفلسطينية في وزارة الاقتصاد الوطني، لديه ذمة مالية مستقلة عن الموازنة العامة للحكومة الفلسطينية، ويفتقر لوجود قانون ينظمه، وجهة مسؤولة عنه، وآلية مساءلة، ما يشكل مخالفة على صعيد تطبيق نظام النزاهة".

وأكد الكاتب الفلسطيني على أنّ رسالة فصائل المقاومة في غزة، تؤكد أنّ أي عمل في هذا الشأن "لا يمكن أن يمر دون رضا شعبي وفصائلي من خلال ضمان حقوق غزة، والتي لا تُستأمن عليها السلطة". ونبه إلى أنّ فصائل المقاومة وبما تتمتع به من مشروعية شعبية ومصداقية "لن تكون عائقاً أمام أي مكاسب قد تتحقق للشعب الفلسطيني عموماً وغزة بشكل خاص، بشرط وجود طرف وآلية تضمن وصول عوائد هذه الموارد الطبيعية الوطنية لمستحقيها".

ومن المتوقع أنّ يشكّل وجود مصر كشريك في تطوير حقل غاز "غزة مارين - 1"، ضمانة لجميع الأطراف، بحكم علاقاتها القوية مع أطراف النزاع؛ إسرائيل، والسلطة، وفصائل غزة.

وفي العام 2019 حاولت فلسطين ترسيم الحدود مع مصر التي اعترضت على الوثائق البحرية الفلسطينية في الأمم المتحدة، إلا أنّه لم يُحرز الكثير في هذا الشأن، الذي يرتبط بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، وتأثير مثل هذا الترسيم على منتدى غاز شرق المتوسط، فضلاً عن عدم قدرة فلسطين على إقرار حقها في وجه السيطرة البحرية الإسرائيلية على كامل الساحل الفلسطيني، الذي لا يُسمح للصيادين بالتوغل فيه لمنطقة أبعد من 6 كم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية