كيف يؤثر الانفصال عن الإسلاموية على الإسلامويين السابقين؟

كيف يؤثر الانفصال عن الإسلاموية على الإسلامويين السابقين؟

كيف يؤثر الانفصال عن الإسلاموية على الإسلامويين السابقين؟


14/02/2024

إنّ الانفصال عن أيّ إيديولوجية، أيّاً كان أفقها النظري، يترك مضاعفات متعددة الأوجه، خصوصاً منها المتعلقة بالجانب النفسي، والأخرى التي تطال الجانب الفكري، وهو ما دفع الباحث المتخصص في دراسات الإسلام السياسي منتصر حمادة إلى تسليط الضوء على حالة الإسلامويين السابقين، والأسباب التي أفضت إلى ممارسات غريبة عند هذه الفئة تكاد تُصنّف في خانة العداء للدين، بما في ذلك حالة التطرف المادي الأقرب إلى الإلحاد.

الدراسة التي نشرها مركز (ترندز للبحوث والاستشارات) بعنوان: "تبعات الانفصال عن الإسلاموية: قراءة في المضاعفات النفسية والفكرية"؛ اهتمت بالتحولات التي تطرأ على المواقف الفكرية والحالات النفسية لنسبة من هؤلاء الإسلامويين، واصفة إيّاها بأنّها تحولات غريبة كانت في مقام اللّامُفكًّر فيه في أثناء مرحلة الانضمام إلى الإسلاموية المعنية، من قبيل الإسلاموية المتمثلة في الإخوان المسلمين، أو تلك المتمثلة في الجماعات الجهادية كتنظيم (القاعدة) أو تنظيم (داعش).

أنماط المضاعفات على الإسلامويين السابقين

واعتبر الباحث في دراسات الإسلام السياسي أنّ المتديّن المعنيّ يبدو كمن يعاني أزمة نفسية؛ بسبب الاضطراب في المواقف أو التباين بينها في مرحلة ما بعد الانفصال عن التنظيم الإسلاموي الحركي الذي كان ينتمي إليه.

وقال: إنّ هذه الحالات النفسية قد تتأزم عند بعض النماذج التي نعاينها إلى درجة تصنيف بعضهم من طرف مخالفيهم بأنّهم أصبحوا على أبواب الرِّدة أو الانفصال عن المرجعية الإسلاموية، كأنّنا إزاء "انتقال من تطرّف إلى تطرف مضادّ، أي أنّ الشخصية المعنية هنا تنهل أساساً من فكر متطرف، كان في فترة ماضية يلبس لبوس الدين، في أثناء الانضمام إلى حركة إسلاموية ما، وأصبح في مرحلة لاحقة يلبس لبوس الإلحاد.

وجاء في الدراسة أنّ تلك المضاعفات النفسية قد تجعل صاحبها ينتقل من تطرّف إلى تطرّف مضادّ، كان الأول يُمارَس باسم الحق في التديّن، أمّا الثاني فقد أصبح يُمارَس باسم الحق في التفكر.

 الباحث المتخصص في دراسات الإسلام السياسي منتصر حمادة

أمّا التبعات الفكرية، فأهمها انخراط الإسلاموي السابق في إعادة قراءة الذات، وبالتالي إعادة قراءة أحوال المجتمع والعالم، وغالباً ما تكون إعادة القراءة هذه سبباً وراء تغيير أفكاره وتعامله مع ذلك الآخر، سواء تعلق الأمر بالعائلة أو المجتمع أو العالم، ونعاين أمثلة عدة في هذا السياق على مواقع التواصل الاجتماعي.

واستندت الدراسة إلى مثال يجعل المتديّن الإسلاموي الحركي سابقاً يعيد النظر في تعامله مع الآخر، وهي حالة أحمد الحو، قيادي سابق في (الحركة من أجل الأمة)، سُجن (15) عاماً "بين عامي 1983 و1998" بصفة معتقل سياسي محكوم عليه بالإعدام، قبل الإفراج عنه والتفرغ للعمل الحقوقي، سواء عبر البوابة الإعلامية من خلال صحيفة (النبأ) التي توقفت عن الصدور، وهي لسان مشروع (الحركة من أجل الأمة)، أو عبر الإسهام في بلورة تصور "هيئة الإنصاف والمصالحة" في قضايا جبر الضرر الخاص بالعقود الماضية.

 

المتديّن المعنيّ يبدو كمن يعاني أزمة نفسية بسبب الاضطراب في المواقف أو التباين بينها في مرحلة ما بعد الانفصال عن التنظيم الإسلاموي الحركي الذي كان ينتمي إليه.

 

بعد انخراط أحمد الحو في مراجعات، أسهم في تأسيس (المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف)، وأصبح موظفاً في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي هيئة حقوقية من مؤسسات الدولة، وكان مكلفاً بمعالجة الشكايات، ثم مسؤولاً عن تدبير الشؤون التنظيمية، وعضواً في الأمانة العامة للمجلس، قبل التقاعد. 

وقد صدر له كتاب يتضمن سيرته الحافلة بالدروس، تحت عنوان "عائد من المشرحة". ومن مؤشرات المراجعات الفكرية عند أحمد الحو أنّه أصبح من أشد المدافعين عن مناهضة عقوبة الإعدام في المغرب، وهذا أمر لم يكن مُفكّراً فيه قط أثناء تجاربه الإسلاموية السابقة التي باتت هناك مسافة تفصله عنها. 

الأسباب المركّبة للمضاعفات النفسية والفكرية

وفقاً للدراسة، غالباً ما تكون التحولات لدى الإسلامويين سابقاً ذات أفق إيجابي على الفكر والسلوك، ومن ذلك أنّهم يُعيدون النظر في تعاملهم مع قضايا المرأة والفن والتعددية الثقافية والدينية على نحو مختلف، مقارنة بمرحلة الانتماء إلى المشروع الإسلاموي.

وهي تحولات في الرؤى مباينة للرؤى السابقة التي كانت لدى هذه الفئة؛ لسبب منطقي مفاده أنّهم شرعوا في التحرر شيئاً فشيئاً من النظر إلى الغير، سواء كان هذا الغير المجتمع أو العالم، انطلاقاً من الأفق النظري الذي تسطر معالمه أدبيات التنظيم.

ومن المحددات التي قد تساعد في قراءة أسباب انخراط المتديّن الإسلاموي الحركي في مراجعات، ثم انخراطه وتبنّيه لبعض المواقف النقدية الحادة في مرحلة تالية تندرج في مقام المراجعات، لكنّها مراجعات قاسية:

محدّدات نفسية: وتتفرع هذه المحددات إلى عدة أسباب منها؛ عدم تحقق المشروع، التناقض بين الخطاب والممارسة، فضلاً عن أفول الأحلام، بحسب ما تضمنته الدراسة.

ومحددات فكرية: وتتوزع هذه المحددات أيضاً إلى أسباب عدة، ذكرت منها الدراسة  الانفتاح الفكري على أدبيات من خارج النسق الإيديولوجي الإسلاموي، تأثير الثورة الرقمية.

 

المضاعفات النفسية قد تجعل صاحبها ينتقل من تطرّف إلى تطرّف مضادّ، كان الأول يُمارَس باسم الحق في التديّن، أما الثاني فقد أصبح يُمارَس باسم الحق في التفكر.

 

هذا، ولفتت الدراسة إلى أنّ ما جرى في حالة الإسلامويين المعنيين هنا أنّهم كانوا ضمن المتأثرين بتداعيات هذه الثورة الرقمية، لأنّها أسهمت في فتح آفاق المتفاعل معها، بما في ذلك دفعْه إلى طرح أسئلة عن طبيعة تديّنه الحركي، ومآله وأهدافه، وهي أسئلة كانت في الغالب تُصنَّف ضمن اللّامُفكّر فيه عندما كان عضواً فاعلاً أو منتمياً أو محسوباً على جماعة إسلاموية.

وقد خلصت الدراسة إلى أنّ ظاهرة الانفصال عن الإسلاموية، التي ما يزال الاشتغال عليها من منظور بحثي متواضعاً جداً في المنطقة العربية أو في مجالات ثقافية مرّت بها الظاهرة الإسلامية الحركية، تمدّنا بأمثلة ميدانية جديدة عن معضلة تزييف الوعي في أثناء المرور بتجربة إيديولوجية ما.

الصفحة الرئيسية