هل هناك فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

هل هناك فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

هل هناك فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟


17/01/2024

خلافاً لما حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التأسيس له منذ اتفاق أوسلو بإلغاء القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية خدمات وإدارة مدنية، وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، لا سيّما بعد تصاعد اليمين واليمين المتطرف في الحكومات الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، فقد أنتجت عملية "طوفان الأقصى" وضعاً جديداً لم يعد بمقدور إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا القوى الدولية تجاوزه، وهو أنّ القضية الفلسطينية أصبحت ملفاً وقضية ملحة تتطلب اجتراح حلول عاجلة وعادلة، مطروحة على طاولات البحث الدولي، ربما تنتهي بحلول توقف انحيازات قارة لإسرائيل، بفعل انكشافاتها وسقوط الكثير من مقارباتها، فمصطلحات الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أصبحت قاسماً مشتركاً للفاعلين الدوليين، غير أنّ الأهم بالإضافة إلى ذلك أنّ قطاع غزة، في إطار الحلول القادمة لما بعد الحرب، أصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية، وهو ما يتم التعبير عنه بصيغة عودة السلطة الفلسطينية لتولي حكم غزة وإدارتها.

 

الحلول المقترحة تواجه عقبات وتحديات عميقة، لأنّ حل الدولتين أصبح خياراً غير وارد، فرضته سياسات الاستيطان التوسعية الإسرائيلية، بالإضافة إلى تعقيدات مدينة القدس

 

للوهلة الأولى، ومع هول الصور والدمار الوحشي وغير المسبوق لكل ما يمكن أن يكون دلالة على الحياة في قطاع غزة، والذي تجاوز حدود ما شهدته الحرب العالمية الثانية، يبدو الحديث عن فرص سلام في المنطقة ضرباً من الجنون وأضغاث أحلام غير واقعية، لا سيّما أنّ احتمالات تطور الصراع في المنطقة إلى حروب دينية يبدو وارداً إلى جانب احتمالات السلام، خاصة مع وجود قيادة يمينية متطرفة في إسرائيل، لم تستوعب بعد الفشل الذي منيت به في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهو ما جعل مواقفها وسياساتها تتسم بالتخبط والارتباك على المستويين السياسي والعسكري، يستلهم بعضها مقولات عفّى عليها الزمن، من نوع "أرض إسرائيل من النيل الى الفرات"، ولا حلّ إلا بـ "تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة"، وكلها مقولات تأتي في وقت تحولت فيه الترجمات الفعلية لمفاهيم الأمن القومي الإسرائيلي إلى محاولة حماية حدود إسرائيل من هجمات حزب الله في الشمال وصواريخ حماس في الجنوب وعمليات فدائية في الضفة الغربية.

إنّ الحلول المقترحة تواجه عقبات وتحديات عميقة، لأنّ حل الدولتين أصبح خياراً غير وارد، فرضته سياسات الاستيطان التوسعية الإسرائيلية، بالإضافة إلى تعقيدات مدينة القدس، فيما تبدو مقاربات الدولة الواحدة ثنائية القومية حلاً مثالياً، رغم أنّه لا يحظى بموافقة غالبية الإسرائيليين، وربما قضى "طوفان الأقصى" على هذا الخيار إلى الأبد، وتبقى مقاربات غربية أمريكية تحظى بموافقة إسرائيل، جوهرها ما تضمنته "صفقة القرن" التي تستبدل مقاربات "الأرض مقابل السلام" بمقاربة " السلام الاقتصادي وتحسين حياة الفلسطينيين"، وهو الحل المرفوض فلسطينياً وعربياً، ومع ذلك، فإنّ الحديث عن دولتين "فلسطينية وأخرى إسرائيلية" تستجيبان للمخاوف والهواجس لدى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يبدو حلاً قابلاً للحياة، لكن بتوفير ظروف جديدة، ربما يحتاج إنجازها وقتاً، وأبرزها:

أوّلاً: خلق نقاشات مكثفة "فلسطينية وإسرائيلية" حول مستقبل العنف المتبادل، واستمرار الدوران في حلقة مفرغة عنوانها تكرار المذابح والحروب كل عامين، فمنذ عام 1948 لم يتمكن أيّ من الطرفين القضاء على الطرف الآخر، ومن غير الوارد تحقيق هذا الهدف من قبل أيّ منهما، ويجب أن تتعزز قناعات في الوسط الإسرائيلي أنّ تهجير الفلسطينيين سياسة تنتمي إلى الماضي، وكلما تقدم الزمن دون إيجاد حل عادل وقابل للحياة يلبي الحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، فإنّ استمرار الحروب سيبقى العنوان الأبرز، وربما الوحيد الذي ينظم العلاقة بين الجانبين.

ثانياً: كشف السابع من تشرين الأول (أكتوبر) أنّ الحرب الدائرة حالياً ومركزها قطاع غزة، هي حرب المتطرفين "المتدينين" على الجبهتين الفلسطينية والإسرائيلية، ومن المستبعد تحقيق السلام بقيادة متطرفين من الجانبين، وهو ما يشكل مدعاة للفلسطينيين والإسرائيليين للتساؤل فيما إذا كان المتطرفون يستطيعون جلب السلام وتحقيقه، ويشار هنا إلى أنّ اليمين الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الأولى فيما وصلت إليه الأمور بتفجر الأوضاع في غزة، وربما لاحقاً في الضفة الغربية، عبر العقوبات الجماعية والاستيطان والاقتحامات المتكررة للأماكن المقدّسة، وما تخللها من قتل الأطفال والنساء.

 

كشف السابع من أكتوبر أنّ الحرب الدائرة حالياً ومركزها قطاع غزة، هي حرب المتطرفين "المتدينين" على الجبهتين الفلسطينية والإسرائيلية، ومن المستبعد تحقيق السلام بقيادة متطرفين من الجانبين

 

ثالثاً: رغم سياسات المحاور بين الدول العربية والإسلامية، ما بين دول ممانعة وأخرى توصف بالاعتدال، إلا أنّها بمجموعها اتخذت موقفاً مشتركاً غير مسبوق بالإصرار على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو مدخل مهم ربما عبّرت عنه القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الرياض، بمشاركة تركيا وإيران، وأعتقد أنّ مشاركتهما في أيّ ترتيبات عبر مؤتمر دولي للسلام تحظى بأهمية خاصة، لا سيّما أنّه بعيداً عن الخطابات الإعلامية الثورية والشعبوية فإنّ تركيا وإيران قدّمتا خطاباً منسجماً مع الموقف العربي المطالب بالدولة الفلسطينية، وهو موقف يتساوق مع مواقف الدول الكبرى "أمريكا، والاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا".

رابعاً: رغم صعوبات تحقيق وحدة وطنية فلسطينية وإنهاء الانقسام، إلا أنّ وحدة فلسطينية بين حركتي فتح وحماس تبدو شرطاً موضوعياً لإنجاز الاستقلال الفلسطيني، ويشار هنا إلى أنّ على حركة حماس مغادرة الارتباك بالمطالبة بدولة على حدود 4 حزيران (يونيو)، والإعلان صراحة أنّها لا تطالب بدولة من البحر إلى النهر، فمقاربات كل شيء أو لا شيء تنتمي إلى خمسينات وستينات القرن الماضي، وهي نفسها الصورة الأخرى لمقولات المتطرفين الإسرائيليين إنّ أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات.

مؤكد اليوم أنّ الجميع أمام محطة تاريخية فارقة، تحظى باهتمام دولي ربما لا يتكرر في حال نشوب حروب جديدة في المنطقة، وربما حانت لحظة السلام بعد أن ذهب التطرف مذهباً إلى أقصى اليمين، فلم يبقَ في جعبة المتطرفين إلا المزيد من إراقة الدماء التي لم ولن تحقق انتصارات حاسمة لأيّ من الطرفين، فالفرصة التاريخية القائمة يجب ألّا تضيع وتهدرها شلالات الدم وأزيز الرصاص، وربما حانت اللحظة التي تتوقف فيها مقولات "إمّا نحن، وإمّا هم".

مواضيع ذات صلة:

إلى هذه الدول... عودة الحديث عن مخططات تهجير الفلسطينيين من غزة

مبادرة إماراتية جديدة لدعم الفلسطينيين في غزة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية