هل نجحت المقاربة المصرية في مكافحة الإرهاب؟

هل نجحت المقاربة المصرية في مكافحة الإرهاب؟


05/04/2021

تتسم تجرِبةُ مصر في مكافحة الإرهاب بالتنوُّع والغنى في وسائلها المتنوعة، إلا أنّها كلها تنطلق من مقاربة أمنية، وهو ما يصمها أحياناً بالقصور رغم تحقيقها نتائج إيجابية متعددة ومتنوعة.

ماذا يرى الأمنيون؟

يرى المعنيون بملف مكافحة الإرهاب بمصر أنّ الأمنيين المراقبين للتنظيمات المتعددة والمتنوعة أنهم هم وحدهم الأقدر على إدارة هذا الملف، من منطلق أنهم الأكثر معرفة بتلك التنوعات الداخلية للإسلامويين، عبر امتلاكهم بنك معلومات متكاملاً عن خريطة الأفكار والتحركات.

اقرأ أيضاً: التجربة المصريّة في مواجهة الإرهاب

ينطلق المنهج المصري من عدد من المحاور، الأول هو أنّ الجماعات الدينية السلفية تتمحور حول الأيديولوجيا، ويمكن تدمير أيديولوجيتها العنيفة عبر ضرب بعضها ببعض، وهذا معناه أنّه لا خطورة لانتشارهم، أو لخططهم، طالما أنّه يمكن اللجوء إلى هذه السياسة؛ إذ يمكن الاستفادة، من هذه الجماعة في تفتيت الأخرى، ومن أقوال مشايخ تنظيم في مواجهة آخر.

وأما بالنسبة إلى الإخوان فإنّ الأمر يتمحور حول التنظيم وليس الأيديولوجيا، وقد تفتت التنظيم خلال الثلاثة أعوام الماضية، حتى انقسم بشكل فعلي، حول الاستراتيجية، وحول الأحق بالقيادة، وأنّه لو عادت الجماعة بهذا الشكل، فإنّها لن تمثل أي خطورة مطلقاً على الأقل خلال العشرة أعوام المقبلة، لكن في التعامل مع الجماعات المقاتلة المسلحة، فإنّ المقاربة تتمحور حول أيديولوجيا وتنظيم، وهؤلاء هم الأخطر، ولا حل معهم سوى المواجهة الأمنية حتى النهاية.

 ووفق ما ورد في موقع "الجبهة السلفية" حول التصنيف الأمني، للقيادي الهارب إلى تركيا، أحمد مولانا، فإنّ المنهج الأهم هو الحصر وجمع المعلومات والاختراق لتفكيك هياكل التنظيمات هو المتبع بشكل دائم.

برامج في المقاربة 

من هنا تنطلق الرؤية المصرية، التي من خلالها يتم تنفيذ عدد من البرامج المتقاربة في الشكل والمضمون وفي وقت التنفيذ، وأهمها:

الحوارات داخل السجون: تبدأ هذه الحوارات عادة مع علماء الأزهر الشريف الذين يوفدون لمناقشة الأفكار التكفيرية، ويردون على الفتاوى الفقهية للعنف الممنهج.

حاولت الدولة المصرية أن تجد حلاً بالحوار والنقاش وطرح الأفكار على مائدة النقد وإعادة البناء

يوثق هذه العملية برنامج (ندوة للرأي) الذي سجّله وعرضه التلفزيون المصري العام 1981، بقيادة الإعلامي الشهير، حلمي مصطفى البلك، رئيس قطاع الإذاعة الأسبق، الذي كان يدير الجلسات، ويقول: إذا كنت صاحب فكر فاعترف بالحقيقة، وإذا كنا نظن أننا عقلاء سنستمر بالنقاش.

يقول اللواء فؤاد علام، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة المصرية الأسبق، والخبير في مكافحة الإرهاب، لـ"حفريات": إنه حينما قرر بدء هذا البرنامج تعرض لمناقشات واسعة من جهات معنية خافت من عرض أفكار هذه التنظيمات تلفزيونياً، لكن البرنامج أثبت نجاحاً منقطع النظير، وساهم في رد الكثير عن الأفكار المتطرفة.

اشتبك برنامج (ندوة للرأي) مع كبار قادة التنظيمات بدءاً من العام 1981 وحتى العام 1984، وبدأ بمناظرة مؤسسي جماعة التكفير والهجرة، ثم الشيخ طه السماوي، الذي كان له ندوة شهيرة انسحب فيها على الهواء بحجة أنهم يشوّهونه إعلامياً، والفرماوي الذي كان يكفر الجميع!.

يقول وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا، في كتابه (شاهد عن قرب): تم عرض فكرة الحوارات على مجموعة من العلماء، وأيضاً على مجموعة من القيادات، والسماح لهم الحضور بحرية، ثم عرض ذلك في برامج، واعترض رئيس الوزراء في ذاك الوقت فؤاد محيي الدين خوفاً من أن يفتح ذلك باب الجدل الديني في المجتمع، وحين تم عرض حلقتين عليه تولد لديه انطباع أنه لا بد من نشر الحلقات في المجتمع .

يرى المعنيون بملف الإرهاب أنّ الأمنيين المراقبين للتنظيمات المتعددة والمتنوعة وحدهم الأقدر على إدارته

رأى أبو باشا أنّ برنامج ندوة للرأي هدفه حماية الشباب، وأنّ المؤشر المجتمعي إيجابي، حيث كان هناك اهتمام جماهيري، وطلب من الدول العربية للحلقات التلفزيونية، وكان من نتائج هذه الندوات إعطاؤها فرصة للمتطرفين لمراجعة أنفسهم، والتراجع الملحوظ علناً وسرياً للتنظيمات، ووقوع موجات متعددة من الانشقاقات داخلها، والجمود الكامل وتراجع النشاط الإرهابي.

اقرأ أيضاً: كيف استقبل المصريون دعوات الإخوان للمصالحة؟

الحوارات في المساجد: حاولت الدولة المصرية أن تجد حلاً بالحوار والنقاش وطرح الأفكار على مائدة النقد وإعادة البناء؛ فبدأت الحملة بالحوار بين علماء الأزهر وقيادة الجماعة في مسجد آدم بعين شمس، والجمعية الشرعية بأسيوط، ومسجد الرحمن بالمنيا على اعتبار أنّه المسجد الرئيسي للجماعة هناك، لكن المفتي الشيخ طنطاوي رفض دخول المسجد لأنه مسجد ضرار، وفق قوله، فكانت الندوة في مسجد الجمعية الشرعية، وبعد فشل تلك الخطة، تم التوجه بالندوات إلى الموقوفين داخل السجون.

قرارات البراءة: وهي ما تعني التوقيع على قرارات بترك الفكر المتطرف، وهو أسلوب تم اتباعه مع العناصر التي سيتم الإفراج عنها ووضعها تحت المراقبة اللصيقة، لكن هذا الأسلوب فشل تماماً؛ إذ صدرت القرارات من قيادات الجماعة بمنع الكلام مع من يكتبون قرارات البراءة ومقاطعتهم، وعدم الجلوس معهم في الإفراجات، وأصيبت العناصر الموجودة بالسجون بحالة من الهوس في الدروس عن الصبر والثبات، وكانت الجملة الدائمة: عن أي شيء نتوب؟! ومن هو الذي يتوب؟!، وقرروا عدم الخروج في ندوات أخرى، ورفضوا الموافقة على هذا الأسلوب.

اقرأ أيضاً: إخوان مصر وتركيا.. هل يتعظ الآخرون؟

تصحيح المفاهيم: وهي ما أُطلق عليها مبادرات وقف العنف، حيث يقوم قيادات الجماعات بتصحيح مفاهيم أتباعهم بأنفسهم.

بدأ استخدام هذا الأسلوب في أكبر سجن بمصر، وهو (سجن الوادي الجديد)، واستمر 10 أشهر انتهت بسجن دمنهور، وانتهت تلك الندوات بالتالي:

1-  طباعة وتوزيع كتب مراجعة الأفكار مثل كتاب "الحسبة".

2- إقامة حفلات ترويجية عقب تصحيح المفاهيم وتصويرها تلفزيونياً

3-   الإفراج عن المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.

4- تحسين الظروف الاجتماعية بكل السجون.

هل نجحت المقاربة؟

يؤكد اللواء فؤاد علام في تصريحات خاصة، أنّ الحوار هو الأنجح، وأنّ برامج ندوات الرأي وحوارات المساجد، أو تصحيح المفاهيم، هي ناجحة بكل تأكيد، وأرجعت نسبة تسعين في المائة من العناصر المتطرفة.

من جانبه يؤكد د.ناجح إبراهيم، القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، وأحد أهم من قام بندوات تصحيح المفاهيم، أنّ "تلك الندوات نجحت بنسبة مائة في المائة، وأنها عممت في بعض الدول العربية، وأنّ على الدولة إعادتها من جديد خلال هذه الآونة"، مضيفاً في حديثه لـ"حفريات": مبادرة وقف العنف، وندوات تصحيح المفاهيم، نجحت في الإفراج عن 50 ألف معتقل لم يعد منهم للتنظيم سوى المئات، لكن الملاحظ الآن أن ثورة 25 يناير في مصر وما تلاها من وصول الإخوان للحكم ثم عزلهم أدت إلى عودة عدد غير قليل من التنظيم للعنف، ثم تحالفه مع الإخوان، والفشل الذي لحق بعناصره على الجملة.

أسلوب التوقيع على قرارات بترك الفكر المتطرف مع العناصر التي سيتم الإفراج عنها فشل تماماً

يشار إلى أنّ الحوارات وتجربة مصر كان ينقصها مراجعة قضايا مهمة مثل الحاكمية، وخصائص البنية الدعوية الجديدة، وهل هي قائمة على مرونة وحوار وفهم للمرحلة؟ إلا أنّه تبين أنّ الحوارات التي تجرى كانت لا تسير في هذا السياق، فضلاً عن فشل دمج الجماعة في المجتمع، وتأثير ذلك على الحوار الداخلي، وتأثير ذلك على روح العمل، وشكل علاقة القاعدة بالقيادة وشفافيتها، وضعف العلاقات والروابط بين الأعضاء، وإصابة بناء الجماعة بالخلل والشعور بسيطرة واحد أو اثنين على التنظيم دون الآخرين، ما أدى إلى كثير من الانشقاقات، كان بعضها سلبياً ويذهب للعنف.

تحت عنوان (كيف نواجه الإرهاب؟) كتب اللواء حسن أبو باشا، مسؤول ملف التطرف الديني في الداخلية المصرية، في مذكراته يتحدث عن المقاربة المصرية، التي كان أحد صناعها: هل يمكن أن يكون المرجع الحقيقي للإرهاب هو أيديولوجية دينية، وهل إذا كان الأمر كذلك فهل تستند في مقوماتها إلى أيديولوجية دينية؟.. لقد كانت هذه التساؤلات في جهاز الأمن بعد أحداث أكتوبر، لتكون مدخلنا في أسلوب مواجهة الظاهرة، وتم منذ عام 82 اتخاذ سياسة جديدة اعتبر فيها البعد الأيديولوجي كأولوية لها، وإغلاق الطريق أم الأسباب التي تغذي هذا التيار، وإتاحة الفرصة للتيارات للعمل السياسي المشروع، وأن تتم المناقشات في حرية تامة، ليخرج إلى الساحة العلنية بأسانيد ومنطق في مواجهة أسانيد مماثلة. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية