هل تنجح أمريكا في كبح جماح نتنياهو بشن حرب على حزب الله؟

هل تنجح أمريكا في كبح جماح نتنياهو بشن حرب على حزب الله؟

هل تنجح أمريكا في كبح جماح نتنياهو بشن حرب على حزب الله؟


09/01/2024

تساؤلات تطرح على نطاق واسع في المنطقة وفي لبنان وإسرائيل على السواء، وبصورة مركزة من قبل اللبنانيين والإسرائيليين، حول احتمالات وقوع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، بعد التسخين الذي شهدته جبهة الجنوب اللبناني، والكسر المتكرر من قبل إسرائيل وحزب الله لقواعد الاشتباك التي فتحت بعد حرب الطوفان في قطاع غزة، وذلك عبر توسيع رقعة الاشتباكات داخل الحدود اللبنانية وفي شمال إسرائيل، وخسارة حزب الله حوالي (150) من عناصره وقياداته الميدانية، آخرهم نائب كتيبة الرضوان التابعة لحزب الله (وسام الطويل/ جواد)، الذي تم اغتياله عبر طائرة مسيّرة في الجنوب اللبناني، بعد أيام من عملية مشابهة استهدفت نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (صالح العاروري) المقيم في الضاحية الجنوبية ببيروت بحماية حزب الله اللبناني.

 وبعيداً عن سياقات وكيفية استهداف (الطويل)، وما تطرحه العملية من احتمالات قوية لاختراق أمني للاستخبارات الإسرائيلية لتشكيلات حزب الله، فإنّ سيناريو الحرب الشاملة بين حزب الله وإسرائيل يبقى أحد السيناريوهات القائمة، إلا أنّه ينقصه الكثير من المؤشرات والأدلة، لا سيّما من قبل حزب الله، ويبدو أنّ السيناريو الأكثر واقعية هو احتمال أن تشهد المواجهات بين الجانبين مزيداً من التصعيد، دون الذهاب إلى حرب شاملة، من خلال توسيع رقعة الاشتباك ومناطق العمليات على الجانبين، مع بقائها تحت عنوان "ضربة مقابل ضربة"، واستمرار "ضبط" حزب الله لفصائل المقاومة الفلسطينية في عمليات إطلاق الصواريخ التي تشنها على بلدات شمال إسرائيل.

إيران، بعيداً عن الخطاب الثوري للتيار المتشدد في الحرس الثوري، فإنّها لا تريد لا التصعيد ولا الحرب الشاملة، حتى لو اغتالت إسرائيل مزيداً من قادة ورموز الحرس الثوري في سوريا والعراق

 

 ولعل من أبرز المعطيات التي تؤيد سيناريو استمرار المواجهات "المدروسة والمنضبطة" بين حزب الله وإسرائيل، أنّ الحزب يمثل التعبير الأصدق والأكثر التزاماً بالتوجيهات الإيرانية، وكان واضحاً عبر سلسلة من المحطات، بعد دخول حرب غزة شهرها الرابع، أنّ القيادة الإيرانية ليست بوارد مواجهة شاملة "حرب إقليمية" مع إسرائيل، لا من خلال الحرس الثوري الإيراني ولا حتى الميليشيات التابعة لها، وأنّ ما تقوم به هذه الميليشيات من قبل حزب الله وفصائل الحشد الشعبي العراقي "المقاومة الإسلامية" في العراق وسوريا، باستهداف قواعد أمريكية، بالإضافة إلى ما تقوم به الميليشيات الحوثية في البحر الأحمر من عمليات قرصنة تهدد الملاحة الدولية، كلها تحركات لا تعدو أن تكون مجرد "تحرش" هنا أو هناك، لا يغير من موازين القوى بمعركة غزة، وكلها مشروطة بتوقف الحرب في غزة، وتأتي في سياق محاولات إيرانية للخروج من الحرج والامتحان الذي تعرضت له مقاربة "وحدة جبهات المقاومة" وتحولاتها من الوحدة إلى المساندة ثم التضامن.

  إيران من جانبها، وبعيداً عن الخطاب الثوري للتيار المتشدد في الحرس الثوري الإيراني، فإنّها لا تريد لا التصعيد ولا الحرب الشاملة، حتى لو اغتالت إسرائيل مزيداً من قادة ورموز الحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق، ولو ازداد التهديد للداخل الإيراني من قبل إسرائيل عبر عمليات نوعية تستهدف منشآت عسكرية واستراتيجية إيرانية، أو عبر عمليات يشنها تنظيم داعش، فقد حققت لها عملية "طوفان الأقصى"، وبمعزل عن دورها الحقيقي في العملية، أهدافها في: كسر أنف الغطرسة الإسرائيلية، وأثبتت هشاشة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأعاقت قطار التطبيع العربي ـ الإسرائيلي ومشاريع دمج إسرائيل بالمنطقة بوصفها الأقوى عسكرياً واقتصادياً في المنطقة، وتم الإفراج عن أموالها المحجوزة في العراق وقطر والبالغة حوالي (16) مليار دولار، وما زالت رهاناتها قائمة على إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد، عبر وسطاء ومفاوضات سرّية في الدوحة ومسقط وعواصم أوروبية.

 من جانبها، فإنّ الإدارة الأمريكية جعلت من الترويج لمحاذير توسع حرب غزة وتحولها إلى حرب إقليمية عنواناً من عناوين مقارباتها لحرب غزة، وفي أبرز رسالة تحذيرية لإيران وميليشياتها أرسلت بوارج عسكرية لأول مرة إلى البحر المتوسط، وبالتزامن وجهت ضربات مدروسة لميليشيات إيرانية في سوريا والعراق، وشكلت تحالفاً "دفاعياً" لمواجهة تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر، وقد شكلت تلك الإجراءات رسائل للقيادة الإيرانية بحدود التصعيد الذي يمكن أن يكون مقبولاً من الطرفين، وهو ما تدركه إيران بأنّ حرباً إقليمية جديدة ستكون إسرائيل جزءاً من تحالف عريض بقيادة أمريكا، ونتائج أيّ حرب ستكون محسومة بتدمير إيران وميليشياتها، وبالتالي نفوذها في المنطقة، بما في ذلك خسارة العواصم العربية الـ (4)؛ بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء".

تؤكد التسريبات أنّ قيادات الجيش الإسرائيلي ليست بوارد التصعيد مع حزب الله، وهو ما تراهن عليه واشنطن بـ "فرملة" أيّ خطوات غير مدروسة من قبل نتنياهو، لا سيّما أنّ الخلافات بين الجانبين لم تعد سرّية

 

وإذا كان سيناريو الحرب الشاملة غير وارد في المدى المنظور بالنسبة إلى إيران وأدواتها، وفي مقدمتهم حزب الله، فإنّ تقديرات أوساط أمريكية "نافذة" تشير إلى أنّ الحرب الشاملة قد تندلع بمبادرة وتخطيط من نتنياهو والحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، للهروب إلى الأمام من "الفشل" في حرب غزة، وإطالة أمد الحرب بفتح جبهة جديدة تحول دون التفرغ لمحاسبة حكومة نتنياهو من قبل الرأي العام والقضاء الإسرائيلي، والاستفادة من الدعم الدولي لإسرائيل، ولمواجهة هذا السيناريو وقطع الطريق على نتنياهو، فإنّ خطوات استراتيجية أقدمت عليها الإدارة الأمريكية تحت عناوين متعددة؛ أبرزها أوّلاً: ممارسة ضغوط على القيادة الإسرائيلية للانتقال في حرب غزة إلى المرحلة الثالثة، والتي تتضمن مواصلة الحرب ضد أهداف نوعية مرتبطة بحماس والمقاومة الفلسطينية بالاستناد لمعلومات استخبارية، على غرار الحرب مع (داعش والقاعدة)، والإعلان عن رفض طروحات اليمين الإسرائيلي بتأكيد حل الدولتين وعودة النازحين في غزة وتسليم إدارة القطاع للسلطة الفلسطينية بعد تجديدها، وإدخال مواد الإغاثة الإنسانية للقطاع، والتأكيد على رفض التهجير، ثانياً: التأثير في الخلافات الداخلية الإسرائيلية بالانحياز للمؤسسة العسكرية بقيادة غانتس، وممارسة مزيد من الضغوط على نتنياهو والمتطرفين من حلفائه، ثالثاً: سحب حاملات الطائرات الأمريكية من البحر المتوسط لإرسال رسالة لنتنياهو بأنّ أمريكا لن تكون معه في أيّ تصعيد ينفذه ضد لبنان، ولا يستبعد أنّ الإدارة الأمريكية أرسلت "عبر وسطاء" رسائل إلى إيران تطالبها بـ "ضبط" النفس تجاه أيّ تصعيد يمارسه نتنياهو.

 وفي الخلاصة؛ فإنّ احتمالات التصعيد بين إسرائيل وحزب الله ستبقى رهناً بمدى نجاح الإدارة الأمريكية في عزل ما يمكن وصفه بـ "جنون" نتنياهو والمتطرفين المتحالفين معه، والإصرار على خوض حروب تضمن استمرار الحكومة لأطول مدة ممكنة والبحث عن انتصار هنا أو هناك، ولا شك أنّ تسريبات تؤكد أنّ قيادات الجيش الإسرائيلي ليست بوارد التصعيد مع حزب الله، وهو ما تراهن عليه واشنطن بـ "فرملة" أيّ خطوات غير مدروسة من قبل نتنياهو واليمين، لا سيّما أنّ الخلافات بين الجانبين لم تعد سرّية.

مواضيع ذات صلة:

مؤشرات تصعيد ضد القوات الأمريكية في العراق... ما علاقة حزب الله اللبناني؟

المسكوت عنه في اغتيال صالح العاروري.. ما علاقة حزب الله؟

هل يتحمل حزب الله مسؤولية اغتيال العاروري؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية