نصر الله.. المرابط لا المحارب

نصر الله.. المرابط لا المحارب

نصر الله.. المرابط لا المحارب


04/11/2023

تقول مصادر، أظنّها مطلعة، ومع ذلك ليس كلّ ما يقال يُبنى عليه: إنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني حضر إلى بيروت، ومعه بعض الممثلين عن الميليشيات العراقية، قبيل كلمة حسن نصر الله، وإنّ هؤلاء مارسوا ضغوطاً على نصر الله لاتخاذ موقف تصعيدي خلال كلمته اليوم بعد أن تبين لهم أنّه لا يرغب بالتصعيد.

وحاول هؤلاء إقناع نصر الله بأنّ التهديد بتصعيد ميداني مدروس، لكنْ واضح ومحدد، هو كفيل بردع إسرائيل، وإنجاز وقف لإطلاق النار، لتلتقط حماس بعض أنفاسها، ولتتراجع الانتقادات الشعبية لمحور المقاومة بشكل عام.

ما يمكن فهمه من خطاب نصر الله أنّه ينحاز إلى صف القائد الأعلى علي خامنئي في منافسته مع التحالف الناشئ بين الحرس الثوري وحكومة رئيسي التي باتت تتبنّى مواقف أقرب إلى الحرس الثوري في الملفات الإقليمية، وفي المنافسة الداخلية

ويبدو أنّ نصر الله، الذي بدأ يولي أهمية كبرى للداخل اللبناني منذ أن أصبح "سلطة أمر واقع" في لبنان، رفض الاستجابة لهذه المطالب؛ لأنّه يعاني من ضغوط الداخل اللبناني عليه، ويخشى ردة فعل اللبنانيين تجاه أيّ مغامرة قد يقحم لبنان فيها. وهذه المخاوف كانت واضحة للعيان خلال الكلمة، لكنّ لرفض نصر الله أسباباً أخرى متعلقة بموقعه من المنافسة الداخلية بين مراكز السلطة في طهران.    

وقد أظهرت كلمة نصر الله في بعض فقراتها امتعاضه من هذه الضغوط، ورغبته بالتماهي مع موقف القائد الأعلى الإيراني على خامنئي، والتي تأكدت في موقفين:

- توجيه الانتقاد الضمني إلى تركيا لدورها المركزي في إمداد إسرائيل بالنفط والغذاء.

 - تغييب نصر الله لأيّ حديث حول حركة الجهاد الإسلامي، وهي الحركة الفلسطينية الأكثر قرباً من دوائر الحرس الثوري.

وخلاصة ما أمكن فهمه من خطاب نصر الله أنّه ينحاز إلى صف القائد الأعلى علي خامنئي في منافسته مع التحالف الناشئ بين الحرس الثوري وحكومة رئيسي التي باتت تتبنّى مواقف أقرب إلى الحرس الثوري في الملفات الإقليمية، وفي المنافسة الداخلية.

وكان خامنئي في خطاباته السابقة حول غزة قد أكد على أنّ قرار 7 تشرين الأول (أكتوبر) كان فلسطينياً حمساوياً بالكامل، وأنّ إيران تساند وتدعم، لكنّها لم تشارك في هذه العملية. وحاول خامنئي أيضاً أن ينأى بإيران عن أيّ مواجهة عسكرية قد تحدث نتيجة هذه العملية.

أمّا موقف الحرس الثوري والحكومة، فقد جاء مغايراً؛ إذ أظهر وزير الخارجية المقرب من دوائر الحرس الثوري أمير حسين عبد اللهیان رغبة واضحة بالظهور أنّه عرّاب المقاومة، والناطق باسمها، وأنّه ممثل حصريّ لها على طاولات الحوار الدبلوماسي الدولي. كما ألمح إبراهيم رئيسي أكثر من مرة إلى إمكانية القيام بشيء ما عبر تكرار مقولة: إنّ طهران لن تقف مكتوفة الأيدي، وكذلك فعل قائد الحرس الثوري في كلمته الأخيرة في مدينة مشهد.

لم يكن حديث نصر الله عن "جميع الاحتمالات الممكنة" سوى محاولة لنقل الكرة إلى الملعب الإسرائيلي. أمّا تهديده ووعيده للأمريكان وأساطيلهم المرابطة في المنطقة، فلا يُقرأ إلّا في إطار الرسائل الإيرانية بالوكالة

واليوم يؤكد نصر الله بدوره على أنّ القرار كان فلسطينياً حمساوياً، وأنّ حزب الله كان متفاجئاً بما حصل، لكنّه غير عاتب، وأنّه سوف يرابط، ويشاغل، لكنّه لن يحارب.

ولم يكن حديث نصر الله عن "جميع الاحتمالات الممكنة" سوى محاولة لنقل الكرة إلى الملعب الإسرائيلي. أمّا تهديده ووعيده للأمريكان وأساطيلهم المرابطة في المنطقة، فلا يُقرأ إلّا في إطار الرسائل الإيرانية بالوكالة.

وخلاصة القول؛ وكما توقعنا مسبقاً، "وهي عبارة لا أحبها، لكنّها ضرورية أحياناً"، فإنّ حماس قد بقيت وحدها عملياً في هذه المواجهة، وذلك بعد أن اختار حزب الله التموضع وراء السواتر الترابية، وبعد أن ثبتت عدم فاعلية صواريخ الحوثيين والحشد الشعبي، وبعد أن تأكدت حيطة طهران الاستراتيجية، وانتهازيتها السياسية، للمرّة المليون، في كلّ ساحات المواجهة الحقيقية مع أمريكا وإسرائيل.

مواضيع ذات صلة:

البيت الأبيض وإسرائيل تابعاه عن كثب... كيف علقت واشنطن على خطاب نصر الله؟

لماذا نفى نصر الله صلة إيران بـ"طوفان الأقصى"؟

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية