مستقبل غامض ينتظر إمبراطورية الإخوان في بريطانيا

مستقبل غامض ينتظر إمبراطورية الإخوان في بريطانيا

مستقبل غامض ينتظر إمبراطورية الإخوان في بريطانيا


17/03/2024

يبدو أنّ الحكومة البريطانية بدأت في إعادة النظر في علاقتها بالإخوان، وسط تحذيرات متعددة من تنامي الخطاب الإرهابي الذي تمثله الجماعة وأذرعها المختلفة، ولفتت تقارير إلى الخطورة التي أصبحت تمثلها الآلة الدعائية الإخوانية في بريطانيا، والتي استغلت الأحداث في قطاع غزة للترويج لأنشطة التنظيم، بالتزامن مع تمدد المراكز والجمعيات التابعة للجماعة، وكذلك حركة الأموال المريبة التي تقوم بها الجماعة.

وكانت تقارير أمنية واستخباراتية، تداولتها دوريات بريطانية، قد واصلت التحذير من خطر تنامي نفوذ جماعة الإخوان في بريطانيا، تحت الغطاء الخيري والإنساني، بما يمثل تهديداً كبيراً للأمن العام، في ظل رصد أنشطة مشبوهة، تتعلق بغسيل الأموال، ومساعدة التنظيمات الإرهابية.

مراقبون توقعوا حدوث تغيرات كبيرة في السياسة البريطانية تجاه الإخوان، في ظل الاستراتيجية الأوروبية الشاملة الرامية إلى مكافحة خطاب الإرهاب والتطرف والانفصال.

الإخوان على قوائم التطرف

بعد عقود طويلة من السبات والغفلة، وربما التواطؤ، يبدو أنّ بريطانيا أفاقت أخيراً؛ لمواجهة خطر جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، حيث أصبح وجود الجماعة مؤشراً للخطر الذي يواجه لندن، والتي بدأت حكومتها في دراسة مجموعة قوانين وتشريعات لتعزيز إجراءات مكافحة التطرف.

وفي هذا السياق، أعلن مايكل غوف وزير المجتمعات المحلية أنّ "منظمات مثل الرابطة الإسلامية في بريطانيا، وهي الفرع البريطاني لجماعة الإخوان المسلمين، ومجموعات أخرى مثل: (كيج وميند)، تثير التوجس من توجهاتها ومعتقداتها الإسلامية". وأضاف: "سنحاسب هذه المنظمات وغيرها؛ لتقييم ما إذا كانت تلبي تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب".

الحكومة البريطانية بدأت في إعادة النظر في علاقتها بالإخوان

 وبحسب مراقبين، فإنّ الإجراءات المتوقعة قد تتضمن حظر شعارات جماعة الإخوان، ومراقبة أموالها، وتجميد الجمعيات التابعة لها، ورفع سيطرتها على المؤسسات الدينية، والمساجد الإسلامية، في محاولة لعزل التنظيم عن قواعده، والتصدي لنزعته الانفصالية، عن طريق تكوين مراكز جديدة تعمل على مراقبة الكيانات والجمعيات الإخوانية، وإيقاف فاعلية خطابها المتطرف وميولها الانعزالية. 

سامح مهدي: الإجراءات البريطانية العديدة تستهدف بالأساس محاصرة نشاط جماعة الإخوان وملاحقة استثماراتها

 يُذكر أنّ تقارير عديدة أكّدت أنّ جماعة الإخوان في بريطانيا استغلت منظمات العمل الاجتماعي، والمراكز والجمعيات الخيرية والدينية، لتوسيع قاعدتها الاجتماعية بين المسلمين هناك، مع توظيف الشعارات الدينية، واللعب على المشاعر الإسلامية بين الجاليات العربية والمسلمة، لكسب تأييد بين أوساطها، ونشر خطاب العزلة والكراهية.

وأوصت تلك التقارير بفرض رقابة صارمة على هذه المنظمات، وقطع الطريق عليها لمنع بث خطابها العنصري، مع مراقبة صارمة لحركة أموالها، في إطار خطة ممنهجة لمكافحة الإرهاب، وهو ما أقرته بالإجماع قبل أعوام استراتيجية الاتحاد الأوروبي الصادرة في نهاية العام 2020.

استراتيجية التمدد وخطط الانتشار

اعتمدت خطة الإخوان للتمدد والانتشار في بريطانيا على عدة أدوات؛ على رأسها الغطاء الديني، والمنابر الإعلامية، والمنصات الرقمية، والتطبيقات الإلكترونية، بالإضافة إلى المصادر المالية، والتي أكدت تقارير أنّ بعضها غير شرعي؛ كغسل الأموال والاتجار في العملات.

وكانت دراسة سابقة أصدرها (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب)، حول أبرز مراكز تمويل جماعة الإخوان المسلمين داخل أوروبا، كشفت عن الأطر الاقتصادية للتنظيم، وآليات إدارته لأوعيته المالية، والتي تُعدّ بريطانيا أبرز محطاتها.

وكشفت الدراسة مدى اعتماد جماعة الإخوان على عملية جمع التبرعات، مع ضلوع الجماعة في تكوين شبكة عنكبوتية واسعة النطاق من الجمعيات الخيرية، وجماعات الضغط السياسي، ومنظمات الحقوق المدنية، وقد نجحت الجماعة في الوصول إلى موارد مالية وفيرة يصعب تتبعها، من خلال عدة طرق؛ الأوّل: التبرعات من الجاليات المسلمة الموجودة في بريطانيا، والثاني: الأنشطة الخاصة بالجماعة، حيث طورت منذ فترة طويلة شبكة من الأعمال التجارية، يركز بعضها على الأنشطة المتعلقة بالإسلام، مثل توثيق اللحوم الحلال، أو بيع المطبوعات الدينية، والعقارات.

بريطانيا أفاقت أخيراً؛ لمواجهة خطر جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين

ولكنّ المورد الأكثر خطورة الذي كشف عنه التقرير هو "الإعانات المقدمة من الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي، بزعم تطوير أنشطة تهدف إلى الاندماج، أو محاربة الإسلاموفوبيا".

 ولفت التقرير إلى أنّه في بعض الحالات، تعمل الجمعيات الخيرية المرتبطة بالإخوان أيضاً، كمقاولين لوكالات المعونة الحكومية في بريطانيا، التي تنفذ مشاريع في مناطق من أفريقيا أو الشرق الأوسط.

مستقبل الإخوان في بريطانيا

مع التمدد غير الطبيعي للإخوان في بريطانيا، شرعت السلطات البريطانية في إقامة مقر جديد للأمن، يجمع أجهزة الشرطة والمخابرات، ومسؤولين بالحكومة وعناصر من النظام القضائي، للتصدي للتهديدات الذي يشكلها التطرف الديني اليميني على البلاد؛ وبدأت في جمع التقارير الأمنية حول أنشطة الإخوان، وأذرعهم المنتشرة، قبل أن يصدر القرار الذي يعتبره البعض مقدمة للمزيد من التضييق على أنشطة الجماعة في بريطانيا.

تقارير عديدة أكّدت أنّ جماعة الإخوان في بريطانيا استغلت منظمات العمل الاجتماعي، والمراكز والجمعيات الخيرية والدينية، لتوسيع قاعدتها الاجتماعية بين المسلمين هناك

من جهته، خص الدكتور سامح مهدي، الباحث المصري في الفكر السياسي، (حفريات) بتصريحات أكّد فيها أنّ الإجراءات البريطانية العديدة تستهدف بالأساس محاصرة نشاط جماعة الإخوان وملاحقة استثماراتها، ممّا قد يدفع الجماعة إلى نقل أوعيتها المالية والجزء الأكبر من استثماراتها إلى خارج القارة الأوروبية، حيث إنّ القرارات الأخيرة أصبحت تهدد الشراكات التي أقامها الإخوان مع بعض المؤسسات الحكومية والخاصّة في بريطانيا، ممّا سوف ينتج عنه خسائر فادحة للإخوان.

وبحسب مهدي، فإنّ إدراج الرابطة الإسلامية على قوائم التطرف، ربما يعجل بدفع الجماعة نحو البحث عن ملاذ آمن جديد لقياداتها، ومسارات جديدة لأوعيتها المالية، بكل ما يعنيه ذلك من الإقدام على عملية واسعة لنقل الاستثمارات الضخمة التي تمتلكها الجماعة، والكثير من الأصول المالية والمنابر الإعلامية، من بريطانيا على وجه الخصوص، إلى وجهات جديدة في آسيا. وبحسب مهدي قد تدرس الجماعة نقل أنشطتها المالية إلى منطقة البلقان، وخاصة كوسوفو، وكذلك إقليم كتالونيا في أسبانيا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية